ماذا يقول لنا انهيار سيليكون فالي؟

22 مارس 2023
مصرف سيليكون صداع جديد للإدارة الأميركية (getty)
+ الخط -

قال الخبير الاقتصادي الشهير بول كروغمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، إن انهيار بنك سيليكون فالي أدى إلى خطاب متشائم في الأسواق، مؤكدا أن أكثر المخاوف التي تم التعبير عنها غير صحيحة.

وأردف كروغمان، في افتتاحية لصحيفة نيويورك تايمز، أن تداعيات المشاكل المصرفية جعلت الوضع الاقتصادي أكثر غموضًا، مضيفاً "سنستغرق بعض الوقت، قبل أن نعرف ما إذا كان صناع السياسة قد اتخذوا القرارات الصحيحة".

وكان بنك سيليكون فالي المتخصص في تمويل شركات التكنولوجيا الناشئة قد أغلق قبل أسبوع، واستحوذت عليه المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، في ما اعتبر أكبر انهيار لبنك منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.

وتدخل المنظمون لدعم المودعين في البنك المنهار بالكامل، حتى أولئك الذين تزيد إيداعاتهم على 250 ألف دولار، متجاوزين عتبة المؤسسة الراسخة منذ فترة طويلة. وفي استعراضه للتطورات، نفى كروغمان أربع خرافات صاحبت انهيار البنك:

قال كروغمان إن سيليكون فالي لم يفشل كما يدعون ليقظته، أو لأنه كان مهتماً للغاية بتنويع استثماراته، بهدف إدارة المخاطر، مؤكداً أن هذا ما تفعله البنوك الأخرى، وأن "التيقظ" لا يدمر النظام المصرفي.

وفي حين اعتبر البعض أن مشاكل البنك المنهار لم تكن جزءاً من النظام المصرفي المعتاد، ومن ثم لم تكن هناك حاجة لتدخل الجهات التنظيمية، رأى كروغمان أن البنك كان جزءًا مهمًا من قطاع التكنولوجيا، وهو ما فرض ضرورة تدخل تلك الجهات، وقارن ذلك بإنقاذ جنرال موتورز وكرايسلر في عام 2009، عندما اختار المنظمون إنقاذ اللاعبين الرئيسيين في صناعة السيارات والاقتصاد.

أما ما يتعلق بتسبب خطة إنقاذ سيليكون فالي في حدوث معضلة أخلاقية للمصرفيين، لو تسبب مد التأمين لجميع المودعين في تجرؤ المصرفيين على المغامرة، فقد رأى كروغمان أن العكس هو الصحيح، "لأن صانعي السياسة لم يضمنوا جميع الودائع في كل مكان، على الأقل حتى الآن، والدليل أننا نشهد تدفقاً للأموال من البنوك الأصغر إلى البنوك الكبيرة التي تخضع لرقابة أكثر صرامة"، وهو ما يعني أن النظام المالي يتحرك نحو خفض المخاطرة، لا زيادتها.

ونفى كروغمان أخيرا تسبب انهيار بنك سيليكون فالي في تقويض مواجهة البنك الفيدرالي للتضخم، مذكرا بقيام البنك المركزي برفع الفائدة بمقدار 450 نقطة أساس في آخر 12 شهرا، لخفض معدلات التضخم المرتفعة، إلا أنه أشار إلى أن أغلب الأسواق حالياً تعكس توقعات بعدم ذهاب البنك بعيداً برفع الفائدة.

أكد كروغمان أن البنك الفيدرالي لن يبالغ في رفع الفائدة خلال الفترة القادمة، حتى لا يضغط على البنوك، إلا أنه أشار إلى أن المشاكل المصرفية تؤدي بطبيعة الحال إلى إبطاء الاقتصاد، وهو ما يعني أن البنك الفيدرالي لم يعد مضطرًا لرفع أسعار الفائدة.

تشير كلمات كروغمان بوضوح إلى أن ظروف أسواق المال الحالية ليست قريبة، كما يؤكد البعض، من الظروف التي سبقت الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009.

ويؤكد كروغمان، في مقال آخر، أن البنك المنهار كان أكثر عرضة لمخاطر سعر الفائدة، ولهجوم عملائه عليه لسحب الودائع، من أي بنك آخر، مشيراً إلى أن "قدوم الأموال إلى البنك هذه المرة من المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، بدلا من وزارة الخزانة، لا يغير من حقيقة إنها عملية إنقاذ Bailout"، رغم السمعة السيئة التي ارتبطت بهذه الكلمة، ورغم محاولات النفي التي جاءت من العديد من المسؤولين، وفي مقدمتهم جانيت يلين، وزيرة الخزانة المخضرمة.

يحاول كروغمان الضغط باتجاه إعادة فرض المزيد من القيود التي تم تخفيفها خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، من أجل تجنب تكرار ما حدث خلال الأسابيع الأخيرة، وأدى بنا إلى الاقتراب من أزمة مصارف واضحة، رغم أن الأمور مازالت تحت السيطرة حتى كتابة هذه السطور، فجر يوم الثلاثاء بتوقيت الشرق الوسط.

ومع الاتفاق مع كل ما تقدم من كلام كروغمان، يبدو لي أن هناك مشكلة أكثر إلحاحاً، يحل موعدها اليوم الأربعاء، وهو اليوم المحدد لإعلان قرار البنك الفيدرالي بخصوص معدلات الفائدة.

وفي حين تنقسم الأسواق ما بين رفع ربع بالمائة، لإكمال جهود البنك في مكافحة التضخم، والإبقاء على الفائدة عند مستواها الحالي، لمساعدة البنوك على مواجهة أزمة، يجمع الكثيرون على تسبب رفع الفائدة المبالغ فيه، في وقت قصير، في الجزء الأكبر منها، تبدو الأمور محسومة عند البنك، في نظر البعض.

يقول جيرومي سيغال، أستاذ المالية بجامعة وارتون، إن امتناع البنك الفيدرالي عن الرفع في الوقت الحالي سيعطي إشارة سيئة للأسواق، مفادها أن الأمور شديدة السوء في القطاع المصرفي، وأكثر سوءاً من التضخم المرتفع، الذي سطر ضجيجه على حياتنا خلال العام ونصف العام الأخير.

يتوقع سيغال، الذي يطالب البنك الفيدرالي بالتوقف عن الرفع منذ ما يقرب من ستة أشهر، أن يرفع البنك ربعا بالمائة، معتبراً أن هذه هي الطريقة الوحيدة لطمأنة الأسواق، حيث يظهر البنك بمظهر الواثق من خطواته، الذي لا يعبأ بـ"تفاهات الأمور" التي تحدث داخل القطاع المصرفي.

لكن الواقع الذي نراه حولنا لا يعكس وجهة نظر سيغال، حيث أعلنت بنوك مركزية كبرى، ومنها البنك الفيدرالي الأميركي عن تحرك منسق، لتوفير مزيد من السيولة في الأسواق، في خضم أزمة ثقة المودعين بالنظام المصرفي.

ويأتي هذا التدبير الاستثنائي، الذي تم الإعلان عنه بهدوء، ولم يحتل عناوين الأخبار التي تتناسب مع أهميته، بعيد استحواذ مصرف "يو بي إس" في سويسرا على منافسه "كريدي سويس"، في عملية نسقتها الحكومة السويسرية بهدف إعادة إرساء الثقة بالنظام المصرفي.

وسيشمل التدبير عمليات مبادلة عملات، ضمن أدوات أخرى، في صورة تنفي كل طمأنينة، على خلاف الغرض الأساسي من الإجراء، الأمر الذي يؤكد أن رفع البنك للفائدة ليس محسوماً كما يتصور البعض، وأنه إن كان محسوماً، فربما يكون ذلك لصالح قرار التثبيت.

المساهمون