واصل سوق العمل الأميركي المشتعل منذ فترة طويلة تباطؤه، وفقًا للعديد من المؤشرات الاقتصادية التي صدرت خلال الأسبوع، ما مثل بعض التقدم لمجلس الاحتياط الفيدرالي، الذي يسعى لخلق فرص عمل بوتيرة أضعف، لتقليل الطلب، والتغلب على ما تبقى من تضخم في البلاد.
والأسبوع الماضي، قال رئيس البنك الفيدرالي جيروم باول إن البنك المركزي يحتاج إلى رؤية "نمو أقل من المعدلات الحالية" لفترة طويلة، للتأكد من أن التضخم يسير على المسار الصحيح إلى 2%، وهو مستهدف التضخم المعلن من قبل البنك الفيدرالي.
وحذر باول يوم الجمعة، في خطاب ألقاه في الندوة الاقتصادية السنوية للبنك الفيدرالي في كانساس سيتي في جاكسون هول بولاية وايومنغ، من أن ظهور أدلة على "ارتفاع معدلات النمو" يمكن أن يؤدي إلى "مزيد من تشديد السياسة النقدية"، أو بشكل أكثر بساطة، المزيد من رفع أسعار الفائدة.
لكن تقرير وزارة العمل عن وظائف شهر أغسطس/آب، الذي تم نشره يوم الجمعة، سيساهم على الأرجح في الحد من تلك المخاوف.
وكتب ستيف وايت، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "بي أو كيه فاينانشيال"، في مذكرة، أن البنك الفيدرالي لم يعد "يطارد التضخم"، وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يكون مسؤولو البنك المركزي قد انتقلوا إلى وضع يمكنهم من خلاله "السماح لتأثيرات قراراتهم السابقة بالتسرب عبر الاقتصاد والأسواق".
وأظهرت البيانات الصادرة خلال الأسبوع تباطؤاً فعلياً في سوق العمل، وهو ما يتوقع أن يستمر خلال الأشهر المقبلة. وأفاد مكتب إحصاءات العمل يوم الجمعة أن معدل البطالة قد ارتفع إلى 3.8% في أغسطس من 3.5% في يوليو/تموز.
ويعد ارتفاع معدلات البطالة بمثابة خبر سيئ بالنسبة للأميركيين، ولكن بالنسبة للمجلس الفيدرالي، فهذا يعني سحب بعض الطلب من الاقتصاد، مما يساعد في تخفيف ضغوط الأسعار.
وعادةً ما يدفع الطلب القوي أصحاب العمل إلى تعيين موظفين لتلبية هذا الطلب، ما قد يعني أنهم يقدمون أجورًا أعلى لجذب المواهب بنجاح، وهو ما يعني من الناحية العملية انتقال هذه التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين الأميركيين، أي مزيد من الارتفاع في الأسعار.
وأظهر تقرير الوظائف لشهر أغسطس/ آب أن متوسط الأجر في الساعة نما بمعدل شهري قدره 0.2% فقط، أو 4.3% سنويًا. وفي يوليو، بلغت هذه الأرقام 0.4% و4.4% على التوالي.
وقالت وزارة العمل في وقت سابق من الأسبوع إن فرص العمل انخفضت إلى أقل من 9 ملايين في يوليو للمرة الأولى منذ مارس/آذار 2021، وإن معدل ترك الوظائف قد انخفض إلى مستويات ما قبل الوباء.
وقالت جوليا بولاك، كبيرة الاقتصاديين في شركة التوظيف "زيب ريكروتر"، لشبكة "سي أن أن"، إن كل شيء قد تراجع تقريبًا في سوق العمل إلى درجة ما قبل الوباء، "لكن وتيرة التهدئة الأخيرة كانت مثيرة للقلق بالنسبة لبعض الاقتصاديين، لأننا شهدنا تباطؤًا حادًا في ساعات العمل، وخدمات المساعدة المؤقتة، وغيرها من المؤشرات"، وفقاً لبولاك.
وتقلصت الوظائف المؤقتة بمقدار 19 ألفاً في أغسطس/ آب. وفي الوقت نفسه، ارتفع متوسط ساعات أسبوع العمل لجميع موظفي القطاع الخاص الشهر الماضي، على الرغم من اتجاهه نحو الانخفاض منذ بداية العام.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أيضاً، ذكرت وزارة التجارة أن الاقتصاد الأميركي نما بوتيرة أبطأ في الربع الثاني مما أُعلن في السابق، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المراجعة الهبوطية الكبيرة للاستثمار في الأعمال التجارية. لكن الإنفاق الاستهلاكي، المحرك الرئيسي للاقتصاد الأميركي، قفز بنسبة 0.8% في يوليو، وهي أقوى زيادة شهرية في الإنفاق منذ يناير/كانون الثاني.
ومع ذلك، تشير البيانات الاقتصادية لهذا الأسبوع إلى تباطؤ كبير، مما يؤدي إلى زيادة احتمالات امتناع المجلس الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة خلال اجتماع السياسة النقدية في العشرين من الشهر الجاري. وحالياً وصلت أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ 22 عامًا.
وهناك توقعات على نطاق واسع باستمرار سوق العمل في الاعتدال على مدار العام، وذلك تماشيا مع تباطؤ الاقتصاد العام. وفي حين أن إضافات الوظائف الشهرية لا تزال تتجاوز الوتيرة اللازمة لاستيعاب النمو السكاني، فإن سوق العمل يشهد تباطؤا.
وعلق نيك بونكر، رئيس الأبحاث الاقتصادية في شركة التوظيف "إنديد"، مؤكداً أن سوق العمل يعود إلى مستوى أكثر استدامة بعد أن وصل إلى الذروة، مشيراً، في لقاء مع شبكة "سي أن أن"، إلى صعوبة الحفاظ على معدلات نمو الرواتب والأجور بنفس مستويات العام الماضي، "حيث ينتقل سوق العمل حالياً من سباق السرعة إلى وتيرة الماراثون"، كما يقول بونكر، الذي اعتبر التباطؤ إيجابيا وضروريا للاستقرار على المدى الطويل.
وعلى الرغم من هذه التطورات، لم يعد الاقتصاديون والمستثمرون يتوقعون ركودًا وشيكًا، حيث سادت فكرة أن سوق العمل المستقر للمجلس الفيدرالي يضاعف فرصة تحقيق هبوط ناعم، يعود التضخم بمقتضاه إلى هدف البنك الفيدرالي البالغ 2%، دون حدوث زيادة كبيرة في البطالة، أو تراجع حاد في إيرادات الشركات.
وشددت البنوك معايير الإقراض الخاصة بها، وزاد الأميركيون ديونهم، واستؤنف سداد القروض الطلابية في أكتوبر/تشرين الأول، ولا يزال هناك عدم يقين بشأن مدى تأثير رفع أسعار الفائدة 5.25% خلال العام ونصف العام الماضيين على النشاط الاقتصادي.
وكل تلك العوامل يمكن أن تؤدي إلى انهيار الاستهلاك الأميركي، وإذا تراجع إنفاق الأميركيين بصورة حادة، فقد تبدأ الشركات في تسريح العمال، لتجنب الآثار السلبية على أرباحها النهائية. ويبقى أن نرى مدى مرونة الاقتصاد الأميركي في الأشهر المقبلة.