ماذا يعني انتصار اليمين المتطرف انتخابياً للاقتصاد الأوروبي؟

11 يونيو 2024
الحملة الإعلانية لانتخابات البرلمان الأوروبي في أيرلندا، 21 مايو 2024 (أرتور فيداك/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في أعقاب الانتخابات الأوروبية، حقق اليمين المتطرف انتصارات في دول مثل فرنسا والنمسا وألمانيا، مما ينذر بتغييرات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية. رجال الأعمال الألمان يطالبون بسياسات اقتصادية أكثر واقعية وتنافسية.
- حزب الشعب الأوروبي يحافظ على موقعه كأكبر تكتل ببرلمان ستراسبورغ، مع التركيز على توسيع السوق الداخلية واتفاقيات التجارة الحرة، بينما الاشتراكيون الديمقراطيون يسعون لتحسين الظروف المعيشية عبر سياسة تجارية تقدمية.
- تأثير اليمين المتطرف يثير قلقاً بشأن زيادة الإنفاق الحكومي ومخاطر أزمة ديون جديدة، بالإضافة إلى تحديات في التحول للاقتصاد الأخضر وسياسات الهجرة، مما قد يؤثر سلباً على العلاقات التجارية الأوروبية.

انتصر اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، ومن المنتظر أن يؤثر ذلك في اتجاهات سياسية واجتماعية عدة، لكن ماذا يعني ذلك للاقتصاد الأوروبي؟ فبعدما أسدلت الستارة على الانتخابات البرلمانية الأحد الماضي، والتي أفضت إلى تقدم مريح لليمين خاصة في فرنسا والنمسا وألمانيا، تعالت أصوات رجال الأعمال الألمان وممثلي الشركات الصناعية من أجل تصحيح مسار السياسات الاقتصادية نحو الواقعية لخلق المزيد من القدرة التنافسية على المستوى الدولي.

وقد بيّنت قراءات اقتصادية أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي العمل على إيجاد توازن أفضل وتزخيم القضايا الاقتصادية، مثل استكمال السوق الداخلية الأوروبية وإبرام اتفاقيات التجارة الحرة والحد من البيروقراطية.

وفي هذا الصدد، اعتبرت الرابطة الفيدرالية لتجارة الجملة والتجارة الخارجية والخدمات، أنه يجب أن تكون نتائج الانتخابات بمثابة إشارة انطلاق لأجندة الإصلاح الاقتصادي في أوروبا وأسواق رأس المال وتبني اتحاد مصرفي، وكل ذلك استناداً إلى أن التكتل الأوروبي فكرة عظيمة خاصة بعدما حقق العديد من النجاحات التاريخية وبينها السوق الداخلية والعملة الموحدة (اليورو) واتحاد أوروبي قوي يمكنه تمثيل المصالح الأوروبية.

وفي السياق، طالبت المديرة التنفيذية لاتحاد الصناعات الألمانية تانيا غونر، بإجراء إصلاحات في بروكسل استجابة لنتائج الانتخابات الأوروبية، معتبرة أن القارة تحتاج الآن إلى خطة نمو سريعة، مشددة على أن القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي يجب أن تكون على رأس الأولويات في الفترة التشريعية المقبلة.

الاستراتيجية الاقتصادية للأحزاب التقليدية في أوروبا

تماشياً مع ما تم ذكره، اعتبر الباحث في الشؤون الاقتصادية الأوروبية تيمو دوفيل في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه رغم تمكن اليمين المتطرف من تحقيق مكاسب كبيرة في برلمان ستراسبورغ وتشكيله إشارة مثيرة للقلق أوروبياً، حافظ حزب الشعب الأوروبي على موقعه بوصفه أكبر تكتل (191 نائباً)، وطبعاً سيعقد تحالفات لإعادة انتخاب الألمانية أورسولا فون ديرلاين رئيسة المفوضية لولاية ثانية، وبالتالي فإن الاتحاد المسيحي الذي تنتمي إليه الأخيرة سيجهد لتحقيق تطلعات مواطنيه وحماية المستهلك قانونياً، وتحقيق برنامجه الانتخابي الذي دعا فيه إلى توسيع ومواءمة اتفاقيات التجارة الحرة بشكل أوثق مع الأخذ بالاعتبارات الجيوسياسية، ولسوق داخلية أوسع وأعمق للاتحاد الأوروبي.

ويُضاف إلى ذلك إبرام الاتفاقيات الخالصة للتكتل الأوروبي للوصول المتبادل إلى الأسواق المفتوحة، إن كان مع أميركا الجنوبية أو آسيا وأستراليا، ناهيك بإقامة شراكات موثوق بها في مجال المواد الخام والطاقة وسلاسل التوريد، ومن أن تضمن السياسة التجارية الاستراتيجية أمان العروض وتقليل التبعيات، وتوخي الحذر عند تصدير التكنولوجيات الحساسة، فضلاً عن التوجه لاعتماد العملة الرقمية الموحدة.

وفي موازاة ذلك، اعتبر مراقبون أنه إذا أعطى الاشتراكيون الديمقراطيون الثقة مجدداً لفون ديرلاين لرئاسة المفوضية، فسيجهدون للتنسيق من أجل سياسة تجارية تقدمية تساهم في تحسين الظروف المعيشية للمواطن والشركاء التجاريين، لا سيما أنه من وجهة نظر الاشتراكي يتعين استخدام سياسة الموارد الاقتصادية بشكل استراتيجي لحماية القيم والمصالح، مع أهمية خفض الحواجز الجمركية وتحرير الأسواق وتحديث الاتفاقيات التجارية وتعزيز العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة للوصول إلى الهدف بإنشاء منطقة اقتصادية مشتركة عبر الأطلسي تتمتع بشروط تجارية عادلة، وحيث يتم إلغاء التعريفات الصناعية وتقليل حواجز الوصول إلى الأسواق، والأهم التقليل من المخاطر بهدف حماية البنية التحتية الحيوية في أوروبا.

أما الصين فيجدها الاشتراكي شريكاً منافساً ويعتبرها سوقاً مهماً للمبيعات الأوروبية، مع التشديد على تطوير استراتيجية أوروبية واضحة، لا سيما أنها تعمل على إعادة هيكلة النظام الدولي لمصلحتها.

تأثير اليمين المتطرف في السياسات الاقتصادية الأوروبية

من جهة ثانية، يرى مصرفيون أن تقدم اليمين الشعبوي وفي بروكسل سيزيد من الضغوط على العديد من حكومات دول التكتل لأنها ستكون مضطرة لإنفاق المزيد من الأموال للاستثمارات في البنية التحتية، ولتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والطبية، وهذا ما سيزيد من مخاطر أزمة ديون جديدة.

وحيال ذلك، اعتبر كبير الاقتصاديين في "كوميرس بنك" يورغ كريمر في تصريحات لمحطة أن تي في الإخبارية، أن هناك رياحاً معاكسة لليورو، مشيراً إلى ما يمكن أن تُفضي إليه نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة في فرنسا التي دعا إليها الرئيس ماكرون، حيث إن الأغلبية المؤيدة لأوروبا لم تعد مؤكدة. وعليه، فإن القارة العجوز قد تدخل في حالة من عدم اليقين بشأن مسار السياسة الاقتصادية والمالية، وبالأخص ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا.

وعن مدى تأثير ذلك، أكد رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية مارسيل فراتسشر للقناة نفسها، أن برلين ستكون واحدة من أكبر الخاسرين في أوروبا لأن الأخيرة كموقع تجاري ستكون معرضة للخطر، وفي وضع غير مؤات في المنافسة مع الصين والولايات المتحدة وسيخسر الاقتصاد المحلي في المنافسة العالمية. كذلك من المحتمل أن يجعل تحول أوروبا إلى اليمين المتطرف فرص استكمال تنمية السوق الداخلية والسياسة الصناعية والدفاعية المشتركة ضعيفة.

وبطبيعة الحال، ووفق محللين تحدثوا للقناة، فإن الرهان غير المسؤول تماماً لماكرون سيزيد الطين بلة، وستنسحب المخاطر على برلين التي قد تكون أمام سيناريو رعب بعدما أعطى الرئيس الفرنسي اليمين المتطرف فرصة لتسلم منصب رئاسة الوزراء الذي سيملي جدول أعماله على الإليزيه. وقد يضع أي تحالف حكومي متطرف القانون الفرنسي فوق قوانين الاتحاد الأوروبي، وقد يقر مزايا اجتماعية للفرنسين فقط، ويحول منطقة شينغن إلى عبثية من خلال ضوابط أحادية الجانب، فضلاً عن الانسحاب من اتفاقية الهجرة، وإنهاء تنظيم سوق الكهرباء على مستوى الاتحاد الأوروبي وغيرها.

وهنا، برزت تساؤلات وفيها كيف توصل ماكرون إلى استنتاج مفاده أن الذين عاقبوه في الانتخابات البرلمانية الأوروبية على استعداد لمنح حزبه أغلبية برلمانية كبيرة في الانتخابات المبكرة مع أن قراره ليس إلا مبالغة في تقدير الذات وفقدان الواقع؟ فقد تصبح الانتخابات المبكرة الفرنسية حافزاً لكامل طيف اليمين المتطرف للقيام بما أخفق فيه عدد من الدول حتى الآن وهذه كارثة بحد ذاتها.

من جهة ثانية، فإن السياسات الأوروبية في مجالات المناخ قد تتباطأ في التحول إلى الاقتصاد الأخضر مع تراجع حضور الحزب البيئي، والاعتماد بدلاً من ذلك على الصناعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري، كما وصرامة أكبر تجاه الهجرة واللجوء التي ستكون معرضة للخطر، خاصة إذا تمكن اليمين المتطرف من إيصال مرشحيه إلى مناصب عليا في المفوضية، والتي قد تعطل مستقبلاً سياسات اللجان بفعل الاختلافات في مقاربة مشاريع القوانين بالمتعلقة بالاتفاقيات والانفتاح على الخارج.

أهداف اقتصادية مستدامة في أوروبا

وأمام هذه الطروحات، فإن ألمانيا، البلد الذي يعد قاطرة الاقتصاد الأوروبي، ستسعى لتحقيق أهداف مستدامة في العديد من القطاعات، والعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية المستقرة مع العديد من الأطراف من أجل تحفيز النمو وتأمين الإمدادات وحماية المناخ، والحفاظ على أسعار طاقة مستقرة بعد موجة الارتفاعات الجنونية التي شكلت أعباء إضافية على السكان.

وهنا، يبرز التوجّه للاعتماد على السلع والمواد الخام ذات الأهمية الاستراتيجية أمام المخاطر الكبيرة التي تعيشها أوروبا بعد مرور أكثر من عامين على الحرب والتي أثقلت خزينة بروكسل وموازنات دول الاتحاد بعدما تعرضت اقتصاداتها لانتكاسات وأضرار كبيرة على مر الفترة الماضية ولم تتعافَ منها أساساً منذ جائحة كورونا.

معلوم أنه وبمجرد وصول النواب إلى البرلمان الأوروبي (720 نائباً)، تنضم أغلبيتهم وخلال ولاية المجلس المحددة بخمس سنوات إلى الكتل السياسية الأوروبية بينها مجموعة تحالف الاشتراكيين الديمقراطيين، كما وتجمع الأحزاب الليبرالية في أوروبا وحزب الشعب الأوروبي، وحيث تتعاون وبأغلبيتها في ما بينها لتحقيق أهداف تخدم طموحات شعوبها.

المساهمون