شائعات ومضاربات، ارتفاعات جنونية وغير طبيعية وصلت إلى حد انفلات الأسعار بسبب أزمة الدولار وغيرها. تسجل أسعار المشغولات والسبائك الذهبية في السوق المصري ارتفاعات جنونية وصلت بالمعدن الأصفر لمستويات غير مسبوقة.
تلاعب في الأسعار وزيادات جنونية تحت أوهام العرض والطلب المرتفع وزيادة الإقبال بطريقة غير طبيعية على شراء المعدن النفيس بشكل لم تعهده السوق من قبل.
سعر الجنيه الذهب (وزن ثمانية غرامات عيار 21) يزيد بنحو 1200 جنيه مصري (نحو 50 دولارا) في غضون ساعتين بعد أن ارتفع سعر غرام الذهب عيار 21 بمقدار 230 جنيهاً (10 دولارات) في 24 ساعة.
ارتفاع أسعار المعدن النفيس في الأسواق يشكل صدمة للصناع والتجار معا، إذ تمثل الزيادات المتتالية والمتسارعة في الفترة الأخيرة بشكل غير مألوف شللاً تاماً لصناعة وتجارة الذهب في العاصمة القاهرة والمدن الكبرى، بل أصبح يشكل تهديداً مباشراً للصناعة الاستراتيجية.
سعر الجنيه الذهب (وزن ثمانية غرامات عيار 21) يزيد بنحو 1200 جنيه مصري (نحو 50 دولارا) في غضون ساعتين
والمحزن هنا أن العمالة داخل قطاع الذهب المصري باتت مهددة بشكل مباشر حيث يعمل بالقطاع نحو 250 ألف عامل، أكثر من 60 ألفاً منهم في المصانع والورش، مما يعني توقف دخول هذا العدد الضخم، أو على الأقل تأثره سلبا بما يحدث.
شائعات تنتشر بين العامة حول تجميع سبائك الذهب بالأمر المباشر من الأسواق من قبل بعض الأشخاص وإعادة تصديرها من أجل توفير حصيلة دولارية.
يواكب ذلك احتكارات للذهب من قبل بعض كبار التجار بهدف تعطيش السوق ورفع الأسعار واستغلال موجة الشراء العنيفة، حتى التسعير داخل السوق بات كارثة ويتم على أساس سعر صرف بالسوق السوداء تجاوز نحو 36 جنيهًا للدولار في بعض الأيام.
الدولارات المخصصة لاستيراد الذهب الخام اختفت تماما على رغم ارتفاع حصيلة تصدير الذهب الخام من داخل مصر إلى خارج البلاد والبالغة نحو ملياري دولار في العام الماضي.
منصات تداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت مثل منصة آي صاغة، توقفت عن نشر حركة أسعار الذهب بالأسواق المحلية، لعدم استقرار السوق، ونتيجة وجود تلاعب فج في تحريك الأسعار لمستويات غير مسبوقة.
يصاحب كل هذه الهزات السعرية إيقاف حركة الأسعار من قبل بعض تجار الذهب لحين استقرار السوق، وهناك شراء للذهب من قبل بعض المستوردين ليس بهدف المضاربة وتحقيق أرباح رأسمالية، لكن بهدف التصدير والحصول على دولار من الخارج يتم استخدامه في تمويل واردات سلع أخرى مثل مدخلات الإنتاج والسلع الوسيطة.
شائعات تنتشر داخل قطاع الذهب الحساس والجماهيري، وتجار الذهب يضاربون على العملة ويرفعون تسعير الدولار لأكثر من 30 جنيها
هذه أبرز ملامح سوق الذهب المصري هذه الأيام، والذي يتعرض لهزة عنيفة شأنه في ذلك شأن قطاعات وأنشطة عدة.
المؤكد هنا أن هناك شائعات تنتشر داخل هذه القطاع الاقتصادي الحيوي والحساس والجماهيري، والمؤكد أيضا أن تجار الذهب يضاربون على العملة ويرفعون تسعير الدولار لأكثر من 30 جنيها، وهو ما يعطي انطباعا قويا حتى للعامة من الناس باتجاه سعر العملة الأميركية نحو الارتفاع.
والمؤكد أيضا أن هناك مستفيدين مما يحدث داخل أسواق الذهب على حساب الاقتصاد القومي وسوق الصرف وسعر العملة المحلية واستقرار البنوك، والمؤكد ثالثا أن بعض تجار العملات والذهب يغذون هذه الموجة لتحقيق أرباح رأسمالية عالية.
لكن المؤكد الأقوى داخل أسواق الذهب هو تدافع شريحة كبيرة من المصريين نحو شراء المعدن الأصفر، إما بسبب زيادة الوعي الادخاري لديهم والتعامل مع الذهب والدولار والعقارات كملاذ آمن وشبه مضمون، أو تأثرا بالاضطرابات التي تحدث داخل سوق الصرف المحلي.
فالمدخر أو صاحب المال يتوقع تراجعا في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وأنه لا سقف لهذا التراجع في ظل انتشار شائعات قوية عن تعويم ثالث خلال العام الجاري واتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، وهي الشائعات التي لم تنفها جهة رسمية أو البنك المركزي أو الحكومة حتى الآن.
كما يجد هؤلاء مدخراتهم تتبخر في ظل ضعف القيمة المحلية وزيادة معدل التضخم وتآكل القدرة الشرائية، وأن غول الأسعار وتهاوي العملة يلتهم أي عائد يتم الحصول عليه من البنوك حتى لو كان مرتفعا، وأن سعر الفائدة أصلا بات سلبيا في معظم البنوك حيث يقل عن معدل التضخم السائد الذي يشكك كثيرون في حقيقة رقمه.
المؤكد داخل الأسواق هو تدافع شريحة كبيرة من المصريين نحو شراء المعدن الأصفر، بسبب زيادة الوعي الادخاري والتعامل مع الذهب والدولار كملاذ آمن
في ظل هذه الأجواء السلبية يعيش سوق الذهب حالة ترقب شديدة وتوقعات متناقضة قد تعصف به في أي وقت، ترقب لحدوث استقرار في سعر صرف الدولار يبدو أنه لن يتحقق في المستقبل المنظور.
وتوقع لحدوث تراجع في الطلب على الذهب من قبل أصحاب المدخرات، وهذا أيضا لن يتحقق في ظل استمرار تذبذب أسواق الصرف وتهاوي العملة المحلية، أو توقع لحدوث تراجع في سعر الذهب في الأسواق العالمية بعدما بلغت قيمة الأونصة 1800 دولار، وهذا أيضا مستبعد مع زيادة المخاطر الجيوسياسية وتهديد الركود التضخمي معظم الاقتصادات الكبرى.
الشائعات تحكم السوق المصرية، والمطلوب ليس فقط إيجاد بعض الحلول لمعالجة قفزات أسعار الذهب، وهي بالمناسبة مطلوبة وعاجلة، لكن المطلوب هو حل شامل لأزمة الاقتصاد المصري بشكل عام والتي من المتوقع أن تتفاقم في الفترة المقبلة إذا ما تعاملنا معها بتجاهل أو نكران وقدمنا للرأي العام حججا واهية وبليدة، منها أن العالم كله يمر بأزمة اقتصادية.
هذا صحيح، لكن معظم دول العالم تتحرك بسرعة لمواجهة تبعات الأزمة، لكن ليس على حساب المواطن والأسواق، بل عبر برامج حماية اجتماعية شاملة، وخفض الضرائب، وتقديم الدعم النقدي، واعانات البطالة، ومساعدة المواطن على سداد الفواتير.