تواجه إيران أزمة اقتصادية واجتماعية صعبة تعود بشكل كبير للعقوبات الأميركية القاسية المفروضة عليها، ما يجعل من تحسين وضع الاقتصاد الوطني أولوية على جدول الانتخابات الرئاسية هذا الشهر.
ويرى متابعون للشأن الإيراني أن الصعوبات الاقتصادية الراهنة هي الأصعب منذ قيام الجمهورية الإسلامية (1979). ويقول تييري كوفيل، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية ("إيريس") في باريس، لوكالة فرانس برس، إن ما تختبره البلاد حاليا يعدّ "الأزمة الأصعب التي تطاول الاقتصاد الكلّي في إيران منذ الثورة" الإسلامية.
ويوضح الخبير في الاقتصاد الإيراني أن هذه الصعوبات ترافقها "أزمة اجتماعية عميقة" تتمثل خصوصا بـ"انهيار القدرة الشرائية لجزء كبير من الإيرانيين".
وعاود اقتصاد الجمهورية الإسلامية الانتعاش بعد إبرام طهران اتفاقا في فيينا العام 2015 مع القوى الكبرى، بشأن برنامجها النووي، بعد سنوات من التوتر والمفاوضات الشاقة.
وأتاح الاتفاق رفع الكثير من العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، في مقابل خفض أنشطتها النووية. لكن مفاعيله جمّدت بشكل شبه كامل منذ قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب العام 2018، سحب بلاده أحاديا من الاتفاق وإعادة فرض عقوبات قاسية على طهران. وأدى ذلك إلى انكماش اقتصادي ملموس.
ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، تراجع الناتج المحلي الإجمالي أكثر من ستة بالمائة في 2018، وأكثر من 6.8 بالمائة في العام التالي. وعلى رغم عودته إلى تسجيل مستوى إيجابي في 2020، لا يزال الناتج المحلي عند مستويات تناهز التي عرفها في 2015.
وإضافة الى النمو، تواجه إيران مشكلة التضخم. فبعدما تمكنت حكومة الرئيس حسن روحاني من خفضه إلى ما دون 10 بالمائة، تسببت العقوبات المتجددة بارتفاع كبير في نسبة التضخم التي يتوقع أن تبلغ هذا العام 39 بالمائة، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. أما نسبة البطالة، فيقدرها كوفيل بحوالى 20 بالمائة.
وحض المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي المرشحين للانتخابات على التركيز على الشأن الاقتصادي.
وقال في خطاب في 27 مايو/ أيار: "الآن القضية الآنية والرئيسية في البلاد هي الاقتصاد، فيجب متابعتها بجديّة، وعلى المرشحين المحترمين معالجة هذه القضية، والتحدث مع الناس وإقناعهم".
وتبدو معالم الأزمة واضحة في متاجر طهران وأحاديث سكانها، خصوصا لجهة غلاء المعيشة وارتفاع أسعار مواد أساسية كاللحوم والبيض والحليب.
تنعكس الأزمة على فئات مختلفة من المجتمع في البلاد التي يناهز تعداد سكانها 83 مليون نسمة. فالكثير من الطلاب اضطروا للتخلي عن متابعة تعليمهم العالي خارج البلاد نظرا لافتقادهم الموارد المالية اللازمة. كذلك، لجأت عائلات تأثرت بأزمة البطالة، إلى التقشف في الكثير من المصاريف الأساسية، والاعتماد على مداخيل بسيطة توفرها وظائف ظرفية.
وانتشرت في مارس/ آذار على هامش عيد رأس السنة الفارسية ("نوروز")، صور طوابير الانتظار أمام المتاجر التي تبيع مواد غذائية مدعومة مثل الدجاج والأسماك، ما أثار ردود فعل واسعة وتصدرت الكثير من الصحف اليومية.
ويرى كوفيل أن أمورا من هذا القبيل "تتيح الاستمرار في الحياة (...) لا عيش حياة بشكل طبيعي".
وأتاح الاتفاق النووي رفع الكثير من العقوبات في مقابل الحد من أنشطة طهران وضمان سلمية برنامجها. لكن تجدد العقوبات دفع المستثمرين الأجانب للخروج من السوق الإيرانية، والتردد بشكل كبير قبل إبرام أي عمليات تجارية على صلة بالجمهورية الإسلامية.
وأخرجت العقوبات إيران من النظام المصرفي العالمي، وأفقدتها غالبية مستوردي صادراتها النفطية، ما حرمها من عائدات مالية أساسية.
وفي غياب هذه الإيرادات، يرى كوفيل أن "الحكومة الإيرانية كانت ملزمة الحد من الاستثمار (في الاقتصاد المحلي)، من أجل مواصلة دفع النفقات الجارية ورواتب موظفي القطاع العام".
لكنه يرى أن سياسة تقليص الاستثمارات هذه "متواصلة منذ فرض العقوبات، وليس مصادفة أن نبدأ برؤية انقطاعات في التيار الكهربائي في إيران".
منذ 2011، تراجع نحو ثمانية ملايين شخص من الطبقة الوسطى الى الطبقة الوسطى الدنيا، ونحو أربعة ملايين التحقوا بالطبقات الفقيرة
وقبل إبرام الاتفاق النووي، زادت الدول الغربية بعد العام 2010 من وتيرة العقوبات المفروضة على إيران سعيا لإبطاء برنامجها المثير للجدل.
وفي دراسة نشرت حديثا، يرى الخبير الاقتصادي الإيراني جواد صالحي-اصفهاني أنه "منذ 2011، تراجع نحو ثمانية ملايين شخص من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الوسطى الدنيا، ونحو أربعة ملايين التحقوا بالطبقات الفقيرة".
وما زاد الصعوبات الاقتصادية سوءا، تأثر إيران بشكل كبير بفيروس كورونا. ويرى كوفيل أن جائحة كوفيد-19 "زادت من تأثير (...) العقوبات الأميركية"، خصوصا أن "الحكومة (الإيرانية) ببساطة لم تكن تمتلك المال للتعويض اجتماعيا" عن آثار الأزمة الصحية.
وتعد إيران أكثر دول الشرق الأوسط تأثرا بكوفيد-19، وهي أعلنت رسميا وفاة أكثر من 81 ألف شخص بسببه.
وفي تصريحاتهم خلال الحملة الانتخابية، شدد المرشحون السبعة، بمن فيهم الخمسة من المحافظين المتشددين الذين غالبا ما انتقدوا اتفاق فيينا، على أولوية رفع العقوبات الاقتصادية.
وزادت صادرات طهران من النفط إلى مليوني برميل يوميا في 2016 ووصلت إلى ذروة عند 2.8 مليون برميل يوميا قبل أن يعيد ترامب فرض العقوبات عليها في 2018.
ولا تكشف إيران عن أرقام صادراتها الحالية، لكن بعض الشركات التي تراقب قطاع الطاقة قدّرت صادراتها بنحو 700 ألف برميل يومياً.
وكانت نسبة الفقر وفق شرح المحلل المقيم في طهران سعيد ليلاز، في تصريح لوكالة أسوشييتد برس في 2018، أكثر من 35%.
وتشير الأرقام الرسمية للجنة التخطيط والميزانية في البرلمان الإيراني في 2018، وفق ما أوردت المواقع الإيرانية، إلى أن ما بين 5 و6 ملايين خريج جامعي لا يعملون. ويعتبر بعض الخبراء أن معدل البطالة بين خريجي الجامعات 45% ويصل إلى 60% بين الخريجات.
يعتبر بعض الخبراء أن معدل البطالة بين خريجي الجامعات 45% ويصل إلى 60% بين الخريجات
ووفقاً لبعض التقارير، يعيش ما بين 11 مليوناً و21 مليون شخص في إيران في أحياء فقيرة، محرومين من الحد الأدنى من الخدمات الصحية والخدمات العامة. وفي أغسطس/ آب من العام 2017، قال وزير الأمن والضمان الاجتماعي عبد الرضا مصري، إن نحو 9.2 ملايين شخص يعيشون في فقر، وإن مليوني شخص يعيشون في فقر مدقع في إيران.
ينتقد عدد كبير من الإيرانيين سيطرة النظام على الاقتصاد، إضافة إلى ارتفاع نسبة الفساد في البلاد، حيث يُلحظ تشابك كبير بين الشركات والمصارف التجارية العادية وتلك التي يملكها الحرس الثوري أو تابعة لمؤسسة "سيتاد" المملوكة للمرشد الأعلى في إيران.
ويرى الخبير الأميركي، مارك دوبويتز، المتخصص في الشؤون الإيرانية، في إفادة سابقة أدلى بها أمام الكونغرس، أنه يصعب إجراء صفقة تجارية أو مالية في إيران دون أن يكون الحرس الثوري أو مؤسسة "سيتاد" التابعة للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية جزءاً منها، أو المنفذ لها خلف ستار. إذ "تحوّلت هيئة "ستاد" (هيئة تنفيذ أوامر الإمام) إلى كيان تجاري عملاق".
وحسب تقارير وزارة الخزانة الأميركية، فإن عدد الشركات الإيرانية التي يسيطر عليها الحرس الثوري أو يدير مجالس إداراتها بشكل مباشر أو غير مباشر تراوح ثرواتها بين 20 و30% من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الإيراني.
في حين أن المرشح المحافظ عمدة طهران، محمد باقر قاليباف، قال في وقت سابق إن 4% فقط في البلاد هم المحسوبون على الفئة الغنية.
وطاولت العقوبات الأميركية كافة مفاصل إيران الاقتصادية، بما فيها الصادرات النفطية وتعاملاتها المالية والمصرفية مع الخارج، لتواجه شحاً كبيراً في مواردها بالنقد الأجنبي، ما تسبب بسقوط الريال إلى مستويات قياسية خلال العامين الماضيين، بنسبة 800%.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، قد كشف أخيرا، أنّ العقوبات الأميركية خفضت 200 مليار دولار من إيرادات إيران قائلا: "نواجه في الوقت الحاضر أسوأ أنواع الحظر" الأميركي.