تشهد إيران منذ عشرة أيام احتجاجات. الإيرانيون الغاضبون في محافظة خوزستان نزلوا إلى الشوارع يشكون من نقص توافر المياه في عدد كبير من القرى، وشحّها في عدد من المدن. إلا أن هذه الأزمة القديمة التي استفحلت أخيراً ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد.
الاقتصاد الذي كان بعيداً عن اهتمامات السلطات أصبح نقطة ضعفها. العقوبات الأميركية شكلت سوطاً قاسي الضربات هبط بإيرادات النفط وخنق القطاعات الاقتصادية والنقدية، وكشفت كل الثغرات التي تدور بغالبيتها حول الخدمات الأساسية المتهالكة التي تمس مصالح المواطنين مباشرة. وفوق كل ذلك، جاءت جائحة كورونا لتزيد فوق الأزمات جمراً.
إذ بعد تحذيرات متكررة من خبراء المياه والبيئة، على مدى العقد الأخير، بدأت أزمة المياه في إيران تظهر للعلن منذ عشرة أيام تقريبا، بعدما أجبرت المواطنين في محافظة خوزستان جنوب غربي البلاد على النزول إلى الشوارع، للاحتجاج على انعدام المياه في 702 قرية وشحّها الحاد في المدن، وتكبد المزارعين خسائر فادحة نتيجة ذلك.
ما زاد غضبهم انتشار تقارير عن وجود مشاريع لنقل مياه نهر كارون في المحافظة إلى محافظات مجاورة، في ظل معاناتهم في الحصول على المياه.
بدأت أزمة المياه تظهر للعلن منذ 10 أيام، بعدما أجبرت المواطنين في خوزستان جنوب غربي البلاد على النزول إلى الشوارع، للاحتجاج على انعدام المياه في 702 قرية وشحّها الحاد في المدن
الاحتجاجات مستمرة، على الرغم من بدء السلطات في توصيل المياه إلى تلك القرى عبر خزانات من قبل الحرس الثوري وقوات الباسيج، فضلا عن ضخ كميات أكبر من سد "كرخة" من 75 متراً مكعباً في الثانية إلى 140 متراً مكعباً، لري المزارع وإحياء الأنهار والأهوار التي تعرضت للجفاف، ولتدارك نقص مياه الشرب في مدن خوزستان.
لكن هذا الحل يبقى مؤقتا، إذ كشفت وكالة "فارس" الإيرانية، الأسبوع الماضي، نقلا عن "مصدر مطلع" في وزارة الطاقة، عن أن مخزن سد كرخة يحتوي على 760 مليون متر مكعب من المياه فقط، مشيرا إلى أن ذلك يكفي لـ54 يوما، ومتوقعا أن تواجه مزارع خوزستان في الخريف "أزمة أكبر".
وتستهلك إيران قرابة 90 في المائة من مياهها في ري الأراضي الزراعية، بينما لا يعود القطاع بالمقابل على الاقتصاد الإيراني بفائدة كبرى توازي الحجم الكبير من الماء المستهلك، حسب الخبراء. كما أن عدد سكان القرى في إيران يصل إلى 23 مليوناً، ويستخدم هؤلاء المياه غالبا من دون اللجوء إلى الري الحديث. وصنّف معهد الموارد العالمية إيران في المرتبة الـ13 بين الدول التي سوف تعاني من نقص حاد في المياه بحلول 2040.
فيما يشرح الخبراء أن مشكلة المياه ستتصاعد خلال السنوات المقبلة. أزمة المياه في إيران، لا تقتصر على خوزستان، فأنحاء البلاد تعاني من المعضلة نفسها ولو بدرجات متفاوتة.
المناطق الجنوبية هي الأكثر جفافاً والأعلى حرارة، يليها وسط البلاد، مثل محافظات أصفهان وكرمان ويزد. ومحافظة سيستان وبلوشستان هي الأخرى تعاني هذه الأيام من أزمة مياه دفعت السكان في الكثير من قراها إلى مغادرتها.
يشرح الخبراء أن إيران يهددها الجفاف، على خلفيّة تعرّضها لعوامل بيئية تسبّبت في انخفاض معدّل هطول الأمطار فيها إلى نحو 250 مليمتراً سنوياً، فيما يصل معدّله العالمي إلى 830 مليمتراً، تبعها انخفاض حاد في مخزون المياه الجوفية.
ويشير مركز الإحصاء الرسمي، إلى أن كل إيراني يستهلك، يومياً، ما يعادل 170 ليتراً من الماء، أي ضعفي معدل الاستهلاك العالمي للفرد الواحد.
وفي الأعوام الأخيرة، راحت إيران تشكو من الجفاف، نظراً إلى نقص متزايد في مواردها المائية نتيجة شحّ الأمطار والثلوج، حيث أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أخيرا أن شح هطول الأمطار خلال هذا العام غير مسبوق منذ 52 عاما.
مخزون مياه السدود الإيرانية تراجع إلى 49 في المائة من قدرتها الاستيعابية، ليصل في الوقت الراهن إلى 24 ملياراً و950 متراً مكعباً
وسبق أن أعلنت وزارة الطاقة الإيرانية أن 24 محافظة إيرانية من أصل 31 محافظة تعاني من نقص المياه، 13 منها تتعرض لنقص حاد، والـ11 الأخرى تواجه نقصا متوسطا.
ويوضح تقرير لشركة إدارة المصادر المائية الإيرانية، نشرته وكالة "مهر" الإيرانية، أن مخزون مياه السدود الإيرانية تراجع إلى 49 في المائة من قدرتها الاستيعابية، ليصل هذا المخزون في الوقت الراهن إلى 24 ملياراً و950 متراً مكعباً، بينما كان الرقم خلال هذه الفترة في العام الماضي 35 ملياراً و180 مليون متر مكعب.
لكن الأزمة لا تعود إلى الجفاف فحسب، بل هناك عوامل أخرى فاقمت الوضع وزادت من مفاعيل الجفاف، في مقدمتها، بناء السدود التي يقول الخبراء إنها تؤثر على مسار الأنهار التي تمر في إيران وكمية المياه فيها وتعمق الجفاف في البلاد. وخلال العقود الثلاثة الماضية، كثفت إيران عملية بناء السدود، ليصل عددها اليوم إلى 188 سدا بأحجام مختلفة، 44 منها بنيت خلال السنوات الثماني الأخيرة في عهد حكومتي روحاني.
أيضا يتحدث الخبراء عن استخدام الموارد المائية وتوزيعها بطريقة غير علمية وخاطئة، فيرون أن الحكومات الإيرانية لأجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل الزراعية التي تستهلك المياه كثيرا، سمحت بزرع محاصيل من هذا النوع في مناطق تعاني من نقص المياه بالأساس، عبر حفر آلاف الآبار التي ساهمت في جفاف المنابع المائية.
ووجّه أكثر من 500 أكاديمي وخبير إيراني في مجال المياه رسالة إلى رؤساء السلطات الثلاث، الأسبوع الماضي، دعتهم إلى تغيير إدارة المصادر المائية في البلاد، مع توجيههم عتابا وانتقادات، على الطريقة الحالية التي تدار من خلالها هذه المنابع.
يتحدث عدد من الخبراء في الجمهورية الإسلامية عن منبت الأزمة في كل المرافق ومنها المياه: سوء الإدارة الاقتصادية من قبل الحكومات الإيرانية المتعاقبة، وانعدام وجود أي رؤية اقتصادية شاملة وموحدة متفق عليها داخليا لبناء منظومة متكاملة تؤسس لتنمية اقتصادية مستدامة.
يشرحون أن كل حكومة تشكلت في إيران كانت لها سياسة اقتصادية تخصها، تطيح بسياسة سالفتها وتأتي بسياسة جديدة، ما أفقد البلاد الآفاق الاقتصادية الواضحة. ونتيجة التحكم الرسمي بمفاصل الاقتصاد وتفاصيله، تراكمت أخطاء اقتصادية وقرارات خاطئة غير مدروسة، يدفع المواطن الإيراني ثمنها هذه الأيام، مثل أزمة المياه.
وعليه، يرى الخبراء أن الوقت ينفد أمام الحكومة الإيرانية بسرعة، وإن لم تفكر مليا في البحث عن حلول جادة للخروج من هذا الوضع المعيشي المتردي، فالأزمة ستتعمق أكثر، وستكون لها تداعيات أخطر. وينتظر الجميع في إيران اليوم بدء ولاية الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي الذي سيستلم مهامه اعتبارا من 3 أغسطس/آب، وسط تحديات واسعة تنتظر إيجاد الحلول.