مأزق الاقتصاد الإسرائيلي... هكذا يدفع الاحتلال ثمن الحرب والصمود والمقاطعة

08 مايو 2024
مغادرون في مطار بن غوريون بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، 14 إبريل 2024 (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- قبل العدوان على غزة، كان الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من مشاكل مثل التضخم وتدني الأجور، مما أدى إلى حراك شعبي. العمليات الفلسطينية والحرب التالية على غزة زادت من الأزمات الاقتصادية، مع تأثيرات كبيرة على الاقتصاد.
- الحرب كلفت إسرائيل 220 مليون دولار يوميًا في الربع الأول، مع توقعات بتراجع النمو الاقتصادي إلى 1% بنهاية 2024، وتخفيض التصنيف الائتماني للبلاد.
- الاقتصاد يواجه تحديات مثل توسيع الأعباء الضريبية، انكماش قطاع البناء، الغلاء، وتوسع المقاطعة الدولية، مما يثير تساؤلات حول قدرة إسرائيل على التعافي في ظل الأزمات الحالية والمستقبلية.

قبل عدوانها السافر على الفلسطينيين في غزة، كما الضفة الغربية، كان اقتصاد إسرائيل يعاني الأمرّين من التضخم الضاغط والغلاء الفاحش وتدنّي الأجور وانحدار المستوى المعيشي، وهي عوامل كانت أسباباً مباشرة لحراك الشارع في تل أبيب وبقية المدن على مراحل عدّة، كان أحدثها في صيف 2023. ثم جاءت عملية المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، وما تبعها من حرب مدمّرة على قطاع غزة، لتدكّ الاقتصاد الإسرائيلي وتدخله في دوّامة السؤال عمّا تبقى من أشلائه بعد أكثر من سبعة أشهر من الصمود الأسطوري للفلسطينيين المحاصرين الآن في مدينة رفح التي استولى الاحتلال على معبرها، فجر الثلاثاء، لإحكام سيطرته وحصاره على قطاع كان أصلاً خاضعاً لحصار خانق منذ العام 2006.

ورغم الخسائر الهائلة التي لحقت بالفلسطينيين واقتصادهم وحجرهم وبشرهم، فإن اقتصاد الاحتلال، رغم كل الدعم الدولي اللامحدود، المعلن وغيره، يدفع فاتورة باهظة لم يشهد مثيلاً لها منذ تأسيس الكيان على أنقاض الدولة الفلسطينية بتواطؤ مع المستعمر الإنكليزي تحت ستار الانتداب عام 1948.

وهي خسائر لا يمكن حصرها رسمياً بعد نظراً لاستمرار العدوان وتداعياته اليومية وفاتورته المفتوحة ما دامت العمليات الحربية المستمرة، من كلفة الأعمال العسكرية نفسها واستدعاء مئات آلاف من جنود الاحتياط، إلى خسائر العملة والبورصة والسياحة وهروب الاستثمارات ومغادرة المستوطنين والميسورين ونقص العمالة، لا سيما في التكنولوجيا والبناء، خاصة مع استبعاد العمال الفلسطينيين، ثم المقاطعة الشعبية والإقليمية (خاصة التركية)، والغربية وصولاً إلى الجامعات والدعوات إلى سحب استثماراتها من الشركات المتصلة بإسرائيل، ناهيك عن التكاليف الإضافية التي يمليها دخول الحوثي على خط عمليات الشحن في البحر الأحمر، وثمن إشغال الجبهة الشمالية من خلال المواجهات اليومية مع "حزب الله" وبعض الفصائل اللبنانية والفلسطينية الأُخرى في جنوب لبنان، وتداعيات ذلك على اقتصاد المناطق المتاخمة وأمنها داخل فلسطين المحتلة.

تدهور النمو يكبل الاقتصاد الإسرائيلي

تشير تقديرات اقتصاديين إسرائيليين لصحيفة "واشنطن بوست"، في مطلع مايو/ أيار الجاري، إلى أن الحرب كلفت حكومة بنيامين نتنياهو 220 مليون دولار يومياً خلال الربع الأول من هذا العام. وفيما يتوقع "بنك إسرائيل" المركزي تراجع نمو الناتج المحلي الإسرائيلي إلى 1% بنهاية العام 2024، هبوطاً من 3% عام 2023، خفض صندوق النقد الدولي في 17 إبريل/ نيسان المنصرم، توقعاته لنمو الاقتصاد إلى النصف في 2024، مقارنة مع توقعات يناير/ كانون الثاني الماضي، بفعل استمرار الحرب على غزة وتوترات الشمال مع "حزب الله" اللبناني، مشيراً إلى أن تقديراته تشير إلى نمو الاقتصاد بنسبة 1.6% هذا العام، نزولاً من توقعات سابقة كانت ترجّح 3.1%.

وجاءت توقعات النمو هذه فيما يكسر العجز المالي حدود الآفاق التي رسمتها الحكومة في ظل تداعيات الحرب على الاقتصاد والدين العام، والتي كانت سبباً رئيسياً في خفض وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى "إيه 2" (A2)، مع نظرة مستقبلية سلبية، في فبراير/ شباط الماضي، حيث واصل العجز المالي اتساعه إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل 105.3 مليارات شيكل (29.25 مليار دولار)، مقارنة مع 4.8% في يناير، وفقاً لما نقله موقع "غلوبس" عن المحاسب العام لوزارة المالية يالي روتنبرغ. وتتمحور موازنة إسرائيل المعدلة لعام 2024 حول عجز نسبته 6.6%، لكن محللين اقتصاديين أكدوا أن العجز الحقيقي يصل إلى 9% من الناتج.

ضرب تصنيف الاقتصاد والبنوك

وفيما تتسع دائرة المخاطر مع حديث الاحتلال المتصاعد عن قرب اجتياح مدينة رفح، تزداد أيضاً المخاوف من خفض التصنيف السيادي الإسرائيلي، وبالتالي تخفيضه أوتوماتيكياً للبنوك الإسرائيلية. فبعد التخفيض المشار إليه من "موديز"، خفضت وكالة "ستاندرد أند بورز" في الرابع من مايو الجاري، التصنيف الائتماني لسندات المصرفين الرئيسيين "لئومي" و"هبوعليم" من مستقر إلى سلبي، وذلك بعد أسبوعين من تخفيضها توقعات تصنيف إسرائيل نفسها درجة واحدة إلى A+، محذرة من أن المخاطر الجيوسياسية وظروف الاقتصاد الكلي قد يكون لها مع مرور الوقت تأثير سلبي على الصناعة المصرفية المحلية عامة وعلى بنك هبوعليم ولئومي خاصة. ونقل موقع "كالكاليست" عن الوكالة قولها إن توقعات التصنيف السلبي تعكس خطر توسيع الحرب، والمزيد من التخفيض في تصنيف إسرائيل وتآكل الوضع الائتماني للمصارف خلال فترة سنة أو سنة ونصف القادمة.

وفي 26 إبريل المنصرم، حذرت وكالة "فيتش" من اتجاه لخفض التصنيف الائتماني للاقتصاد الإسرائيلي في حال حدوث مزيد من التصعيد في المنطقة، مشيرة إلى أن من شأن احتواء سريع للقصف المتبادل بين طهران وتل أبيب أن يقلص احتمالات حدوث تداعيات كبيرة على الاحتلال والدول الأخرى في المنطقة والأسواق العالمية.

توسيع الأعباء الضريبية

بحسب وزارة المالية، من المفترض في العام المقبل أن تزيد ضريبة الاستهلاك، أي الضريبة على القيمة المضافة، 1% إلى 18%، للتعامل مع الزيادة في العجز الناجم عن الحرب على غزة، لتكون هذه المرة العاشرة التي تُزاد فيها هذه الضريبة منذ عام 2002. وبحسب وثيقة للوزارة أوردها موقع "كالكاليست"، فإن من شأن هذه الزيادة أن تزيد عائدات الضرائب للدولة بمقدار 7.2 مليارات شيكل. وفي الأول من إبريل الفائت، قال محافظ "بنك إسرائيل" أمير يارون إن السوق تقوم بتسعير ديون الحكومة الإسرائيلية بشكل أعلى بغض النظر عن وكالات الائتمان، محذراً من زيادة بنسبة 16% في الضرائب المباشرة ما لم يشارك "الحريديم" بشكل كامل في القوى العاملة.

انكماش قطاع البناء

لقطاع البناء ثمن شديد يدفعه نتيجة الحرب أولاً واستبعاد العمالة الفلسطينية كرد فعل انتقامي ثانياً. ففي مطلع مايو الجاري، بعث رئيس نقابة المقاولين الإسرائيليين راؤول سارجو برسالة شديدة اللهجة إلى نتنياهو، محذراً إيّاه من أن شركات البناء تكابد ديوناً ضخمة، ومشيراً إلى أن السبب الرئيسي هو غياب 100 ألف عامل فلسطيني بسبب الحرب، ومندداً بتهاون الدولة، الأمر الذي يستدعي استقطاباً فورياً لـ50 ألف عامل أجنبي من أجل سد الفجوات الحاصلة. وبحسب "كالكاليست"، حذر سارجو من انهيار قطاع البناء الإسرائيلي والبنية التحتية، وهو الانهيار الذي سيؤدي في تقديره إلى عواقب مؤلمة للاقتصاد الإسرائيلي، علماً أن قطاع البناء يمثل نحو 14% من الناتج القومي وفقاً لأرقام عام 2022، فيما تترتب على الشركات العاملة فيه ديون تناهز تريليوناً و300 مليار شيكل مقترض من البنوك والهيئات المؤسسية وسوق رأس المال.

وتزداد المخاطر مع الركود الحاد المطبق على نشاط شركات مواد البناء التي هوت مبيعاتها 55%، الأمر الذي دفع بـ"اتحاد المصنعين الإسرائيلي" إلى عقد اجتماع طارئ في الآونة الأخيرة، حذر بنتيجته من توقف خطوط إنتاج بأكملها وخسارة الشركات مليار شيكل شهرياً (267 مليون دولار)، مطالباً بإجراءات إنقاذ حكومية، وفقاً لموقع "يديعوت أحرونوت" في 22 إبريل المنصرم.

استفحال الغلاء وهبوط الشيكل

تتزايد المؤشرات إلى استفحال غلاء المواد الغذائية والاستهلاكية في دولة الاحتلال، وهذا ما يثير القلاقل بين الإسرائيليين، الأمر الذي دفع موقع "كالكاليست" المتخصص، في الثاني من مايو الجاري، إلى مهاجمة وزير الاقتصاد نير بركات ونعته بأنه "فاشل"، ووصف الحكومة الإسرائيلية بأنها "خائنة"، مشيراً إلى أن نتنياهو تخلى عن الوعد الانتخابي الذي كان قد أطلقه بخفض الأسعار، وفتح الباب أمام هياج غير مسبوق من جانب الحكومة نفسها التي ينتمي إليها قطاع الأعمال، لا سيما مع وجود وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الاقتصاد نير بركات. ومن ذلك، مثلاً، ارتفاع أسعار منتجات الحليب غير الخاضعة للرقابة، فيما من المتوقع أن تحصل زيادة أخرى بنسبة تصل إلى 10%، وهو ما ينعكس على كافة السلع الأخرى التي يدخل الحليب فيها كمنتج أساسي.

وأمس الثلاثاء، خصصت صحيفة "هآرتس" افتتاحيتها للحديث عن هذا الموضوع، مشيرة إلى أنه "منذ أسابيع، أصبح ارتفاع الأسعار حدثاً يومياً. فموجة الزيادات المعلن عنها الأسبوع الماضي، مباشرة بعد عيد الفصح، لن تنتهي مع التصريحات الأخيرة لشركات المواد الغذائية. وخلال الشهر المقبل، ستصبح أكثر كلفة منتجات المعكرونة والقهوة ومنتجات الألبان التي يتم التحكم في أسعارها، وعلامات الآيس كريم من شركة يونيليفر والمشروبات التي تسوقها شركة التعبئة المركزية ومجموعة متنوعة من مستحضرات التجميل ومنتجات النظافة. وفي معظم الحالات، سترتفع الأسعار بأكثر من 10%". وبحسب صحيفة "سايبروس ميرور"، يوم الاثنين، "من المتوقع أن يؤثر قرار تركيا وقف جميع علاقاتها التجارية مع إسرائيل على المستهلكين الإسرائيليين بارتفاع مفاجئ في الأسعار في فترة قصيرة من الزمن".

وفي إبريل الفائت، واصلت أسعار البنزين ارتفاعها للشهر الخامس على التوالي. وبحسب صحيفة غلوبس، ارتفعت أسعار البنزين 0.9 شيكل للتر منذ بداية العام، علماً أنه عادة ما يساهم ارتفاع سعر البنزين والسولار ومشتقات الوقود في ارتفاع معدل التضخم الذي تتخوف منه الحكومة. وفي 17 إبريل، توقعت "غلوبس" أن يتحقق "سيناريو الذعر الاقتصادي" بعدما شكّل مؤشر أسعار المستهلك لشهر مارس/ آذار صدمة، مثيراً المخاوف من تجدد ارتفاع التضخم. ورغم أن الرقم يشير إلى معدل سنوي قدره 2.7%، وهو لا يزال ضمن هدف بنك إسرائيل الذي يراوح بين 1% و3%، ولكنه أعلى من توقعات السوق. ويقدر عدد غير قليل من المحللين أن ارتفاع التضخم لا يزال مطروحاً. وشرح الموقع أن ارتفاع أسعار الخدمات في إسرائيل لا يزال "ثابتاً".

والشيكل الذي يُعد من أكثر العناصر تأثراً فورياً بتصاعد الحرب الإسرائيلية، استهل الأسبوع الجاري هابطاً، وسط توقعات بمزيد من التدهور لاحقاً، الأمر الذي يُنذر بموجة جديدة من ارتفاع أسعار مختلف السلع، لا سيما أن هذا الهبوط يتزامن مع اضطرار المستوردين للبحث عن بدائل للسلع التركية، بعدما قطعت أنقرة علاقتها التجارية مع تل أبيب في إطار تصعيد احتجاجها على عدوان الاحتلال على غزة ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى الفلسطينيين. وتراجع سعر صرف الشيكل، يوم الاثنين، بأكثر من 1% أمام الدولار، إلى 3.75 شواكل، كما هبط مقابل العملة الأوروبية الموحدة اليورو بنحو 1% إلى 4.03 شواكل.

توسّع دائرة المقاطعة والعقوبات

مع طول أمد الحرب على غزة توسّعت دائرة التذمّر من وحشية العدوان وانكشاف صورة إسرائيل أمام الإقليم والعالم، وهذا ما عزّز اتجاه المقاطعة وفرض العقوبات على الاحتلال. والأحدث على هذا الصعيد كان إعلان تركيا، الأسبوع الماضي، إنهاء علاقاتها التجارية مع تل أبيب، فيما تعتزم دول أخرى تطبيق سياسة العقوبات الاقتصادية، بحسب تقارير في وسائل الإعلام في بلجيكا، التي أعلن رئيس وزرائها ألكسندر دي كرو، يوم الاثنين، أنه يحاول تشكيل ائتلاف من الدول الأوروبية لوقف التجارة في المنتجات التي تأتي من المستوطنات، لتنضم هذه الخطوة إلى سلسلة طويلة من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على المستوطنين الإسرائيليين والمنظمات اليمينية المتطرفة في الأشهر الأخيرة. وتشمل الدول التي قد تنضم إلى الخطوة البلجيكية، من بين دول أخرى، أيرلندا وسلوفينيا ومالطا ولوكسمبورغ، التي تنتهج سياسة داعمة لفلسطين المحتلة.

ونقلت "شينخوا"، يوم الاثنين الفائت، عن محلل السياسة الخارجية والصحافي المقيم في أنقرة سيركان دميرتاش قوله إن الوقت سيحدد كيف سيؤثر قرار أنقرة على الاقتصاد الإسرائيلي، وإن البحث عن شركاء بديلين في أوقات الأزمات ليس بالأمر الجديد على البلاد.

وبرز في حملة مقاطعة إسرائيل وداعميها وقف شركتي "جنرال أتلانتيك" و"سي في سي" صفقات كبرى في الشركات التي تدير علامات تجارية للوجبات السريعة الأميركية في إندونيسيا وماليزيا، وفق ما أوردته "فاينانشال تايمز" في 29 إبريل، ووصول المقاطعة إلى قلب عمالقة التكنولوجيا الأميركية، خاصة "غوغل"، التي صرفت تعسفياً مجموعة من الموظفين المحتجين على "مشروع نيمبوس" لدوره في تعقب الفلسطينيين وإلحاق الأذى بالمدنيين، وأيضاً أمازون التي أعلن مؤسسها الملياردير جيف بيزوس في 24 إبريل، وقف خطط صندوق بيزوس للأرض لاستثمار 30 مليون دولار في إنشاء مركز امتياز للتكنولوجيا الغذائية في إسرائيل، إضافة إلى 70 مليون دولار ستستثمرها إحدى الجامعات. كما برزت على هذا الصعيد دعوة كل من أيرلندا وإسبانيا الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة العلاقات التجارية مع إسرائيل، في رسالة كشف عنها موقع "يوراكتيف" uractiv في 22 إبريل.

ومن العلامات الفارقة التي فاجأت الكثيرين حركة الطلاب الجامعيين حول العالم، لا سيما في الولايات المتحدة، أكبر داعمي إسرائيل على الإطلاق، التي تدعو منذ أواخر إبريل المنصرم إلى سحب استثمارات داعمة لإسرائيل، باعتبار أن معظم المؤسسات لا تفرض رسوماً دراسية باهظة فحسب، بل تمتلك أيضاً مفاتيح بعض أكبر رؤوس الأموال في العالم، إذ تمتلك أكبر 30 مؤسسة في الولايات المتحدة أكثر من 493 مليار دولار من هذا النوع، بحسب أرقام عام 2023، وفقاً لحساب "بروتكتس بالاستاين" على "إنستغرام".

المساهمون