استمع إلى الملخص
- **التوترات السياسية وتأثيرها على إنتاج النفط**: استغلت سلطات شرق ليبيا الأزمة المصرفية لوقف إنتاج وتصدير النفط، مما أدى إلى إعلان حالة القوة القاهرة على جميع الحقول والموانئ النفطية.
- **الدعوات الدولية لحل الأزمة**: دعت بعثة الأمم المتحدة والسفارة الأميركية في طرابلس إلى اجتماع طارئ لحل الأزمة، محذرين من فقدان الثقة بالمؤسسات المالية بسبب التدخلات السياسية.
يتمدّد الشلل المصرفي في ليبيا مع استمرار أزمة المصرف المركزي، التي سبّبت توتراً سياسياً أعمق، واستغلتها سلطات شرق البلاد لوقف إنتاج النفط وتصديره، ليحذر محللون من عزل ليبيا عن النظام المالي العالمي، مع استمرار الصراع على مؤسسات البلاد المالية والنفطية.
وتتسع قائمة المصارف التجارية التي أعلنت توقف خدماتها المرتبطة بالتعاملات الإلكترونية مع المصرف المركزي، بما في ذلك خدمات المقاصة، ومنظومة النقد الأجنبي، وشراء العملة الأجنبية، وقبول الصكوك، وتنفيذ الحوالات المحلية، وتمرير الاعتمادات والحوالات الخارجية "سويفت". وأفاد مسؤولان في مصرف ليبيا المركزي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بتوقف منظومات المصرف الإلكترونية. وأشارا إلى امتناع الموظفين في الإدارة المعنية عن العمل ودخولهم في إجازة حتى يتم حل الخلاف القانوني بشأن تعيين محافظ المركزي ومجلس الإدارة الجديد.
وأصدر المصرف الليبي الخارجي بياناً حذر فيه من التداعيات الخطيرة للتطورات الحالية في ليبيا، مشيراً إلى أن بنوك مراسلة ومؤسسات مالية خارجية استفسرت حول الوضع الحالي، وأعربت مخاوفها من فقدان الثقة في القطاع المصرفي الليبي.
ويُعد المصرف الليبي الخارجي البوابة المالية الرئيسية للقطاع المصرفي الليبي والمسؤول عن إدارة إيرادات النفط لحسابات المؤسسة الوطنية للنفط. وأكد البيان أن أي تصنيف سلبي أو إجراءات عقابية من المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك وزارة الخزانة الأميركية، قد يؤدي إلى عزل النظام المصرفي الليبي عن الأسواق العالمية.
وأشار المصرف إلى أن مثل هذه الإجراءات قد تعرّض أموال الدولة الليبية لمخاطر قانونية جسيمة، مثل الحجوزات والتجميد، نتيجة الإخلال بمبدأ استقلالية المصرف المركزي. وأكد أنه في حال وقوع تلك الإجراءات، فإنه لن يتمكن من الوفاء بالتزاماته تجاه الزبائن والشركاء، ما سيترتب عليه مسؤوليات قانونية ومالية جسيمة.
ودعا المصرف الليبي الخارجي، في بيانه، الجهات المعنية في الدولة إلى التنسيق الفوري مع الأطراف الدولية المختصة لتفادي هذه التداعيات، والحفاظ على استقرار القطاع المصرفي الليبي وضمان استمراره في أداء دوره الحيوي في الاقتصاد الوطني.
وفي السياق، قال المحلل الاقتصادي الليبي محمد الشيباني لـ"العربي الجديد" إن المصرف المركزي هو المسؤول عن تنفيذ السياسات النقدية التي تهدف إلى تحقيق استقرار الأسعار وضمان السيولة النقدية اللازمة لدعم النشاط الاقتصادي، مشيراً إلى أن التدخل في عمل المصرف أو إضعاف استقلاليته قد يؤدي إلى قرارات مالية غير مدروسة تؤثر سلباً في استقرار الاقتصاد.
وأضاف الشيباني: "الثقة بالمؤسسات المالية، وخصوصاً المصرف المركزي، أساس لاستقرار النظام المالي. أي تصرف يؤثر في هذه الثقة، مثل التدخل السياسي غير المبرر، قد يدفع المواطنين إلى فقدان الثقة بالنظام المالي بأكمله، ما يزيد من سحب الودائع والاعتماد على السوق السوداء".
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في بيان مساء الاثنين الماضي، عزمها على عقد "اجتماع طارئ" بحضور الأطراف المعنية بالأزمة "للتوصل إلى توافق يستند إلى الاتفاقات السياسية والقوانين السارية، وعلى مبدأ استقلالية المصرف المركزي وضمان استمرارية الخدمة العامة".
كذلك حثت السفارة الأميركية لدى طرابلس في بيان كل الأطراف على "اغتنام هذه الفرصة" بعدما أدت التوترات إلى "تقويض الثقة في الاستقرار الاقتصادي والمالي في ليبيا". واعتبرت أن "ترهيب موظفي المصرف المركزي" مثير للقلق، داعية إلى محاسبة المسؤولين "بشكل صارم".
وأعلنت الحكومة المنبثقة من مجلس النواب، ومقرها بنغازي (شرق)، "حالة القوة القاهرة على جميع الحقول والموانئ النفطية، وإيقاف إنتاج وتصدير النفط إلى حين إشعار آخر"، احتجاجاً على قيام الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس (غرب) بتكليف مجلس إدارة جديدة لتولي مهمات المصرف المعنيّ بإدارة عائدات النفط، وإعفاء محافظه الصدّيق الكبير.
وقال الخبير الاقتصادي الليبي علي الصرماني، إنه "رغم بعض الاختلافات مع المحافظ الحالي الصدّيق الكبير، يجب الاعتراف بأن التغييرات الفجائية أو التدخلات السياسية قد تقوّض قيام المصرف بدوره في تنظيم السياسات النقدية وإدارة الموارد المالية للدولة، وهو ما يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة".
لكن المحلل الاقتصادي علي الزليطني، أشار إلى ضرورة إحداث تغييرات في قيادات المصرف المركزي. وقال لـ"العربي الجديد" إن "البلاد بحاجة إلى تفعيل أدوات السياسة النقدية المتوقفة منذ عام 2014، فضلاً عن أن المحافظ المقال لم يحترم أحكام القضاء بشأن إلغاء ضريبة مبيعات النقد الأجنبي بنسبة 27% التي أقرها".
ويتولى الصديق الكبير منصب محافظ المصرف المركزي منذ 2012، ويواجه انتقادات متكررة بشأن إدارته إيرادات النفط الليبي وموازنة الدولة، من شخصيات بعضها مقرب من الدبيبة. ويحظى محافظ البنك المركزي بثقة مجلس النواب في الشرق الذي جددها قبل أيام، معتبراً أن المجلس الرئاسي في طرابلس لا يملك صلاحية تعيين المحافظ أو إقالته. ويشرف المصرف على إدارة إيرادات النفط وميزانية الدولة، ليُعاد بعد ذلك توزيعها بين المناطق المختلفة، بما فيها الشرق.