ليبيا: مطالب بآلية موحدة لإعادة إعمار درنة

04 أكتوبر 2023
الانقسامات تعرقل ملف إعمار ما دمره إعصار "دانيال" (عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

أثارت المبادرات العديدة التي تطلقها الأطراف المتصارعة في ليبيا لإعادة إعمار درنة والمدن التي دمرها إعصار "دانيال"، انتقادات واسعة، وسط مطالب بضرورة تبني آلية موحدة لإدارة هذا الملف.

وأعرب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، عبد الله باتيلي، عن قلقه إزاء ظهور مبادرات أحادية الجانب ومتضاربة من قبل مختلف الأطراف والمؤسسات الليبية بشأن إعادة إعمار مدينة درنة وغيرها من المناطق المتضررة من الفيضانات.

وفي العاشر من أيلول/ سبتمبر الماضي ضربت عاصفة دانيال المتوسطية كامل منطقة الجبل الأخضر شرق بنغازي، وتسببت سيولها ورياحها في إلحاق أضرار مادية جسيمة بأكبر مدن الشرق الليبي بعد بنغازي، مثل درنة والبيضاء والمرج وشحات، وقرى وبلدات أخرى، مع جزء كبير من الطرق والجسور الرابطة بينها، لكونها منطقة جبلية.

ونال مدينة درنة النصيب الأكبر من الأضرار، وذلك بسبب انهيار سدي أبو منصور (بارتفاع 75 مترا)، والبلاد (بارتفاع 45 مترا). وأدى ذلك لاختفاء نحو ثلث المدينة عن الخريطة بعد أن اقتلعت الأبنية من قواعدها وجرفت نحو البحر، فيما تضررت المناطق المرتفعة من المدينة بأشكال متفاوتة.

ومنذ البداية ظهر الاهتمام الرسمي بالحدث، إلا أن الانقسام السياسي والازدواج بين حكومتي الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا وحكومة الشرق المعينة من مجلس النواب، أثر على طريقة التعامل معه.

وحول هذا التضارب الحكومي والمؤسساتي بين طرابلس وبنغازي، علق باتيلي في بيان له ليل أول من أمس بقوله: "إن من شأن هذه الجهود الأحادية أن تعطيَ نتائج عكسية، وتعمقَ الانقسامات القائمة في البلاد، وتعرقلَ جهود إعادة الإعمار، فضلا عن كونها تتعارض مع هبَّة التضامن والدعم والوحدة الوطنية التي أظهرها الشعب الليبي من جميع أنحاء البلاد استجابةً للأزمة".

وعقب بيان باتيلي أصدر رؤساء بعثات بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بيانا مشتركا يؤيدون دعوة باتيلي إلى إنشاء آلية وطنية ليبيـة لإعمار المناطق المتضررة من الفيضانات، مؤكدين أن بلدانهم ستعمل مع الشركاء المحليين والدوليين لتقديم إغاثة شفافة وخاضعة للمساءلة تلبي احتياجات إعمار تلك المناطق.

وتزامنا مع بيان باتيلي التقى محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، في طرابلس، مساء أول من أمس، مع القائم بأعمال السفارة البريطانية في ليبيا، كاذارين وايلد. وخلال اللقاء الذي حضره المستشار الاقتصادي بالسفارة البريطانية سايمون فيلد، تم تناول ملف إعادة الإعمار ومسيرة توحيد المصرف المركزي والخطوات والإجراءات المتخذة في هذا الشأن ودعم السفارة لها.

وبدأت ملامح الانقسام الحكومي حيال ملف إعادة اعمار درنة والمناطق المنكوبة شرق البلاد، عندما خصصت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس 500 مليون دينار للبلديات المتضررة، و2 مليار لإعادة الإعمار، ليعلن عقبها مجلس النواب عن تخصص مجلس النواب مبلغ 10 مليارات دينار للحكومة المكلفة منه لذات الأمر.

وفي سياق التنافس على ملف إعمار درنة، أعلنت حكومة مجلس النواب في 22 سبتمبر/ أيلول، وقبل أن تقيم حجم الأضرار التي لحقت بدرنة والمناطق الأخرى، عن نيتها تنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار المدينة والمناطق الأخرى، قبل أن تعلن السبت الماضي عن تأجيل المؤتمر إلى مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مرجعة ذلك لأسباب لوجستية، وأيضا لأجل منح الشركات وقتا كافيا لتقديم الدراسات والمشروعات، فيما شكلت ذات الحكومة قبل نحو أسبوع صندوقا لإعادة الإعمار.

وليست المرة الأولى التي يدعو فيها باتيلي والمجتمع الدولي القادة الليبيين الى ضرورة توحيد الجهود من أجل إنقاذ المناطق المنكوبة وإعادة اعمارها، سيما بعد زيارته لدرنة منتصف سبتمبر المنصرم.

ويعبر الباحث في الشأن الاقتصادي الليبي وأستاذ علوم التمويل والمصارف، جمال قدورة، عن اعتقاده بأن المؤتمر الدولي حول إعادة الإعمار قد "أجهض".

ويفسر قدورة رأيه قائلا لـ"العربي الجديد": "منذ بداية وصول فرق الإنقاذ والمساعدات الإنسانية اتضح لدى المجتمع الدولي التأثير الكبير للانقسام المؤسساتي على نجاعة أي عمل يراد إنجازه في ليبيا، ولهذا بات واضحا منذ البداية عدم وجود قدرة محلية على تنظيم مؤتمر كهذا وداخل البلاد، وما يترتب عليه من اتفاقات وترتيبات تخص عقود الإعمار مع الشركات الدولية"، مشيرا الى أن ملامح الفشل المبكر دعمته حالة تفشي الفساد المالي والإدارية في ليبيا.

ومن الأساس، يستغرب قدروة الدعوة لمؤتمر كهذا قبل وجود حتى تقديرات مبدئية لحجم الأضرار باستثناء إحصاء العمارات المتضررة كليا وجزئيا من قبل الحكومة في طرابلس.

ويضيف: "الأمر يتعدى مجرد تعداد لمبان متضررة، والبداية يجب أن تكون من إحصاء شامل للأضرار، ثم وضع تصورات منطقية مستحدثة لشكل المدينة والمنطقة عموما بطرقها وجسورها وبيوتها ومؤسساتها وسدودها، بالشكل الذي يبعد عنها شبح التعرض للفيضانات والكوارث الطبيعية مجددا، ويصلح من أي نواقص أو خروقات كانت موجودة مسبقا، هذا فضلا عن ضرورة وجود جهة تنفيذية رسمية حكومة تتولى الملف بمساعدة وتكاثف دولي وإقليمي، في ظل شفافية مطلقة".

والجيد في الموضوع وفق رؤية قدورة أن الحكومتين أدركتا أخيرا عدم جدوى استغلال كارثة درنة لتحقيق أي مكاسب سياسية أو اقتصادية، معتبرا أن إعلان حكومة مجلس النواب تأجيل موعد المؤتمر الدولي دليل على ذلك.

واعتبر أن دعوة رئيس الحكومة في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، أول من أمس، إلى إبعاد ملف إعمار مدينة درنة والمناطق المنكوبة عن الصراعات، "إقرار واضح واعتراف رسمي بانجرار ملف الإعمار لأتون الصراعات السياسية".

المساهمون