استمع إلى الملخص
- من المتوقع أن تؤدي "رسوم ترامب الجمركية" إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد الأميركي والعالمي، مثل زيادة التكاليف واضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع أسعار المستهلكين.
- يحذر المحللون من أن سياسات ترامب الجمركية قد تؤدي إلى حرب تجارية متعددة الجبهات، مما يعقد التجارة الدولية ويؤثر على استراتيجيات النمو للشركات.
تبدو الشركات الأميركية الكبرى قلقة من الإجراءات الحمائية والسياسة الجمركية التي وعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتطبيقها عند تسلمه الرئاسة في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، وتعمل قيادات تلك الشركات وراء الكواليس على ثني ترامب عن تلك الرسوم أو تعديلها وإبداء مرونة في تخفيفها.
وفق صحيفة وول ستريت جورنال، أمس الأحد، أثارت تهديدات التعريفات الجمركية التي أطلقها ترامب حملة ضغط من وراء الكواليس من قبل رؤساء الشركات الأميركية لتخفيف خطط الرئيس المنتخب بشأن خطط الرسوم الجمركية الباهظة على الواردات أو حتى تغييرها. لكن هذه الجهود تواجه عقبة، وهي أن ترامب عنيد ولا يتزحزح عن مواقفه بسهولة.
وتابعت الصحيفة، في تقريرها، قائلة إن هذا الموقف العنيد للرئيس المنتخب ترك رؤساء الشركات الأميركية في حيرة من أمرهم بشأن كيفية الضغط التي يمكن ممارستها لتخفيف الرسوم الجمركية التي وعد بفرضها على الواردات من الصين وكندا والمكسيك ودول لديها مصالح حيوية بها. ووفق هيئة الإحصاءات الأميركية، في عام 2023، بلغ إجمالي التجارة الأميركية نحو 5.75 تريليونات دولار، إذ بلغت الصادرات نحو 2.65 تريليون دولار والواردات نحو 3.1 تريليونات دولار؛ وتشير التوقعات لعام 2024 إلى استمرار النمو التجاري الأميركي في الصادرات والواردات. وهو ما يعني أن أكثر من ثلاثة تريليونات من الواردات ستخضع لزيادة أسعارها.
وفي أواخر الشهر الماضي، قال ترامب في منشور على منصة التواصل الاجتماعي التي يملكها "تروث سوشال" إنه سيفرض تعريفة بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك، إذا لم تفعل الدولتان المزيد لوقف تدفق المهاجرين والمخدرات عبر الحدود. وأثار احتمال فرض ضريبة إضافية بنسبة 10% على البضائع القادمة من الصين ردات فعل متباينة، لأن بكين، كما قال ترامب، لم تفعل ما يكفي لمنع مخدر الفنتانيل من الدخول إلى الولايات المتحدة.
وبعد أيام، حذر ترامب من أنه قد يفرض رسوماً جمركية بنسبة 100% على دول مجموعة بريكس التي تضم دولاً عدة، منها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إذا حاولت استبدال الدولار، باعتباره عملة عالمية رئيسية. ويأتي هذا علاوة على تعهده خلال الحملة الرئاسية بفرض رسوم جمركية شاملة تصل إلى 20% على جميع الواردات الأميركية، وهو ما يعني أن رسوم ترامب الجمركية تشمل جميع شركات التجارة للولايات المتحدة.
ويقول محللون إنه مع قرب تنصيب ترامب في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، تدرس الشركات الموجودة في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم تداعيات "رسوم ترامب الجمركية" السلبية على أعمال الشركات الأميركية. ويرى محللون أن سيف تلك الرسوم المسلط على العالم قد يؤدي إلى إشعال حرب تجارية متعددة الجبهات. ويحذر الاقتصاديون من أن مثل هذه الحرب إذا حدثت قد تؤدي إلى زيادة الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين في الولايات المتحدة وتعرقل نمو الاقتصاد العالمي. ومن المتوقع أيضاً أن يكون للتعريفات الجمركية الشاملة آثار كبيرة على ربحية الشركات الأميركية، إذ إنها تؤدي إلى زيادة التكاليف على الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها والتي تستورد المنتجات من الخارج.
ويقول الاقتصادي الأميركي بجامعة بوسطن، مارك ويليامز، في تحليل بدورية الجامعة نشر يوم 12 الشهر الجاري: "قد يكون لشعار "صنع في أميركا" الذي أطلقه الرئيس المنتخب ترامب صدى جميل، ولكن من الصعب الحفاظ عليه في السوق العالمية، إذ يطلب المستهلكون منتجات بتكاليف أقل". ويتابع في التحليل: "تؤدي التعريفات الجمركية إلى زيادة تكلفة السلع المستوردة، وقد تكون لها مكاسب قصيرة، ولكن في النهاية، كما أثبت خلال التعريفات الجمركية لعام 2018 على الصلب المستورد، فإنها لم تفعل الكثير لزيادة عدد الوظائف بشكل ملموس في مصانع الصلب الأميركية. علاوة على ذلك، بمجرد فرض التعريفات الجمركية على الصين، سرعان ما انتقمت بكين من خلال جعل العديد من المنتجات الأميركية أكثر تكلفة؛ وأدى هذا في النهاية إلى انخفاض عدد وظائف التصدير في الولايات المتحدة".
ويقول ويليامز: "يتمثل التحدي الأكبر في أن الأجور في الولايات المتحدة أعلى بشكل كبير من نظيراتها في الصين، كذلك نعاني من فجوة في مهارات العمل، الأمر الذي يجعل من غير الواضح كيف يمكن للإنتاج الداخلي في غياب إعانات الدعم الكبيرة، وقوة عمل جديدة، أن يمكّننا من المنافسة على المدى الطويل".
وعلى صعيد الهجرة، يقول البروفسور ويليامز إن من شأن سياسات ترامب أن تقلل عدد المهاجرين الذين شكلوا على مدى العقد الماضي غالبية نمو القوى العاملة في الولايات المتحدة. كذلك إن تحديد موقع المصانع البرية وتمويلها وإنشاءها وتشغيلها أمور تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب قدراً كبيراً من رأس المال. ومن الممكن أن تؤدي سياسات ترامب المقترحة إلى زيادة العجز ورفع أسعار الفائدة، ما يجعل تكلفة تمويل المصانع الجديدة كبيراً وأقل مردوداً من ناحية الجدوى الاقتصادية.
5 تداعيات سلبية للرسوم ترامب الجمركية
يرى مصرفيون أن "رسوم ترامب الجمركية" ستكون لها نحو خمسة تداعيات سلبية على التجارة الأميركية والاقتصاد العالمي، وهذه العوامل هي: أولاً زيادة التكاليف على الشركات، إذ تؤدي التعريفات الجمركية إلى رفع تكلفة السلع المستوردة. على سبيل المثال، إذا استوردت إحدى الشركات الصلب من بلد آخر، وطُبِّقَت التعريفات الجمركية، فإن سعر هذا الصلب يرتفع. وهذا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج للمصنعين الذين يعتمدون على هذه المواد في الولايات المتحدة.
وثاني تلك التداعيات، يتعلق باضطرابات سلسلة التوريد، إذ تعمل العديد من الشركات مع سلاسل التوريد العالمية المعقدة، وبالتالي يمكن أن تؤدي التعريفات إلى تعطيل هذه الشبكات التجارية من خلال جعل بعض الموردين أكثر تكلفة أو أقل سهولة في الوصول إليهم، وتبعاً لذلك يؤدي الاضطراب إلى تأخير في مواعيد الإنتاج والتسليم في الأسواق الأميركية.
أما ثالث التداعيات السلبية، فيتعلق بأسعار المستهلك. فعادة تنقل الشركات التكاليف المرتفعة بسبب التعريفات الجمركية إلى المستهلكين في شكل ارتفاع أسعار السلع. وهذا يمكن أن يقلل من إنفاق المستهلكين ويؤثر سلباً بحجم مبيعات الشركات. ومعروف أن نمو الاقتصاد الأميركي يعتمد على نمو القوة الشرائية للمستهلكين، كذلك إن أداء الشركات في سوق "وول ستريت" يعتمد على نمو الأرباح، وبالتالي فإن الرسوم الجمركية قد تكون لها تداعيات سلبية على نمو الأعمال التجارية ونمو الاقتصاد الأميركي.
ووفق بيانات موقع "تريدنغ إيكونومكس"، ارتفع حجم الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 0.4% خلال العام الجاري حتى أكتوبر/تشرين الأول إلى 20.1 تريليون دولار. وكان حجم الإنفاق الاستهلاكي في العام الماضي أكثر من 19 تريليون دولار وفي عام 2022 نحو 17.5 تريليون دولار.
في هذا الشأن سلط مصرف "جي بي مورغان" الاستثماري في دراسة في أكتوبر الماضي الضوء على تداعيات "رسوم ترامب الجمركية" السلبية ومخاوف الشركات بشأن ارتفاع تكاليف المدخلات بسبب التعريفات الجمركية، وحث المصرف الأميركي على النظر في التعديلات التي من شأنها تخفيف الضغوط المالية على الشركات الأميركية. ويلاحظ أن الشركات الأميركية الكبرى، معظمها متعددة الجنسيات، وتنتج في أسواق العمالة الرخيصة في الصين والهند ودول النمو الآسيوية ودول أميركا اللاتينية، وحتى بعض دول أفريقيا، وتصدر منتجاتها إلى السوق الأميركي. وبالتالي ستكون الشركات الأميركية الكبرى من كبار المتضررين من الرسوم.
وأشار محللو مصرف "مورغان ستانلي" في دراسة خلال الحملة الانتخابية في يونيو العام الماضي، إلى أن العديد من الرؤساء التنفيذيين بالشركات الأميركية كانوا يدعون إلى تغيير في سياسة التعريفات الجمركية، في جزء من جهود التعافي الاقتصادي الأوسع بعد الوباء، مع التركيز على الحاجة إلى التعاون بدلاً من المواجهة في العلاقات التجارية.
وقد يؤدي عدم القدرة على التنبؤ بتغييرات التعريفة الجمركية لترامب إلى خلق بيئة أعمال غير مستقرة، إذ يفضل الرؤساء التنفيذيون الظروف المستقرة لتخطيط الاستثمارات واستراتيجيات النمو، والتغيرات المفاجئة في التعريفات يمكن أن تؤدي إلى التردد في النفقات الرأسمالية.
أما رابع التداعيات السلبية، فيرتبط بالتدابير الانتقامية، إذ لا يستبعد محللون أن تستجيب دول أخرى لتعريفات ترامب برفع تعريفاتها ورسومها الخاصة على البضائع الأميركية، ما يؤدي إلى حرب تجارية تزيد من تعقيد التجارة الدولية وتقلل من الوصول إلى الأسواق.
أما بالنسبة إلى خامس التداعيات، فهنالك مخاوف النمو على المدى الطويل، إذ غالباً ما يركز الرؤساء التنفيذيون على استراتيجيات النمو طويلة المدى بدلاً من المكاسب قصيرة المدى. ومن المتوقع أن تؤدي التعريفات المرتفعة إلى إعاقة التوسع في أسواق جديدة، أو الاستثمار في الابتكار بسبب انخفاض الربحية. في هذا الصدد، يقول محللو مصرف "غولدمان ساكس" في دراسة في نوفمبر الماضي إن التوترات الجمركية المستمرة يمكن أن تضعف توقعات النمو الاقتصادي الأميركي.