لهذه الأسباب يهرب الأثرياء من أميركا

12 ابريل 2024
متداولون في بورصة نيويورك، 10 أبريل 2024 (سبنسر بلات/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- جواز السفر الأميركي واجه تحديات خلال جائحة كورونا، مما دفع الأثرياء الأميركيين للبحث عن جواز سفر ثانٍ أو إقامة بديلة، مع زيادة كبيرة في الطلب على برامج الجنسية والإقامة عن طريق الاستثمار.
- الدوافع وراء الاهتمام بجواز السفر الثاني تشمل البحث عن استقرار سياسي واجتماعي، تسهيل السفر للعمل، والتحوط ضد التفاوت الطبقي والضرائب الأميركية، مع تفضيل وجهات مثل البرتغال ومالطا.
- الولايات المتحدة لا تزال تعتبر ملاذًا آمنًا ووجهة رئيسية للمليونيرات والمليارديرات عالميًا، مستقبلة صافي تدفق يصل إلى 2200 مليونير في العام الماضي، مما يؤكد على جاذبيتها كمركز لخلق الثروة.

بينما يعد جواز السفر الأميركي واحدًا من أقوى جوازات السفر ويسمح لحامله بالسفر بدون تأشيرة إلى أكثر من 180 وجهة، لكن حرية السفر هذه ليست مضمونة، حيث منعت بعض الدول دخول بعض حملة الجواز في فترة جائحة كورونا.

وتقول "بارتنرز أند هيلي"، كان الوباء هو المناسبة الأولى التي تشهد فيها أميركا زيادة كبيرة في الاهتمام بجواز سفر ثانٍ من قبل الأثرياء الأميركيين. وتقول شركة المحاماة الأميركية المتخصصة في الهجرة والإقامة "كان لدينا عملاء لديهم طائرات خاصة لم يتمكنوا من الهبوط بها في بعض الدول، وآخرون لديهم منازل لقضاء العطلات لم يتمكنوا من العودة إليها". وتضيف "أدرك العديد من الأميركيين أن الاعتماد على خيار تنقل واحد، وهو الجواز الأميركي، يشكل خطرًا أو قيدًا لم يكونوا مرتاحين له".

ورغم أن هذه حالة استثنائية طارئة وانتهت، ولكن الاهتمام بخيارات الإقامة والمواطنة الإضافية استمر في التزايد. وتقول "هينلي آند بارتنرز " في تقرير على موقعها، إن عدداً أكبر من الأثرياء الأميركيين لايزال يبحث عن جواز سفر ثان أو إقامة بديلة في الخارج أكثر من أي جنسية أخرى.

وحسب الأرقام سجل العام الماضي 2023 وحده، عدد الاستفسارات من الأميركيين الباحثين عن جنسية أخرى زيادة بنسبة 504% مقارنة بما تلقته الشركة قبل أربع سنوات. وتقول إن معظم هذا الاهتمام مدفوع من العائلات ذات الثروات العالية الذين يعتبرون هجرة الاستثمار بمثابة بوليصة تأمين ضد عدم اليقين الاقتصادي والسياسي في ظل المشهد غير المستقر في الولايات المتحدة. ويشير كثيرون إلى أن الانتخابات المقبلة تزيد من احتمال العنف المسلح من كلا جانبي الطيف السياسي في الولايات المتحدة، وهذا يقلق الأثرياء في أميركا.

ويشير التقرير إلى أن عدداً متزايداً من الأميركيين من ذوي الثروات العالية يتحوطون ضد الاضطرابات السياسية الاجتماعية المتوقعة في البلاد من خلال السعي للحصول على جنسيات في الخارج. ووفقًا لتقرير الثروة الأميركية لعام 2024 الذي أصدرته شركة استشارات الهجرة الاستثمارية " هينلي آند بارتنرز"، فإن عدد الأميركيين المتقدمين للحصول على برامج الإقامة والمواطنة عن طريق الاستثمار، أكبر الآن من مواطني أي دولة أخرى في العالم. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، زادت الاستفسارات الواردة من الولايات المتحدة حول هذه البرامج بنسبة 500%.

ويرى محللون أن هنالك ثلاثة أسباب رئيسية تدفع الثري للبحث عن جواز آخر غير الجواز الأميركي وهي: تزايد عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو ما يجعل الحصول على جنسية دولة أخرى، وخاصة تلك التي تعتبر أكثر حيادية أو محايدة سياسيا، يوفر خياراً احتياطياً أو بديلاً قيماً.

أما العامل الآخر، فهو السفر بغرض العمل، والذي يمكن أن يكون أكثر أمانًا وأقل وضوحًا باستخدام جواز سفر غير أميركي في العديد من البلدان التي قد يكون رجال الأعمال الأميركيون أهدافاً "للاستياء أو الاحتجاز كرهائن أو الإرهاب العشوائي في فوضى الدول المنهارة أو البلدان عالية المخاطر التي يحتاجون للسفر إليها لأغراض تجارية". يضاف إلى ذلك فإن التفاوت الطبقي وزيادة الفقر في أميركا رفع من الجريمة والغبن الاجتماعي لدرجة جعلت الأثرياء يعيشون في أحياء مغلقة ومحاطة بالحرس الشخصي كما هو الحال في نيويورك وشيكاغو ولوس أنجليس. كما يقلق الأثرياء من قانون الضرائب الأميركي الذي يزيد من كلف الضرائب على أرباحهم في بلد يتفاقم فيه حجم الدين العام إلى أكثر من 32 تريليون دولار ويتزايد عجز الميزانية باستمرار.

وعن المناطق المفضلة، تقول "هينلي آند بارتنرز"، لا تنوي الغالبية العظمى من الأثرياء الأميركيين مغادرة الولايات المتحدة بشكل دائم ولا ينوون قضاء أكثر من ستة أشهر في بلد آخر لتجنب دفع الضرائب، ولذلك يفكر البعض في قضاء وقت طويل في أوروبا بعد التقاعد أو أثناء إدارة استثماراتهم، وهو ما يمكن القيام به من أي مكان في العالم.

ورغم أن الجواز الأميركي يسمح لحامله حاليًا بالدخول إلى أوروبا بدون تأشيرة، إلا أنه مقيد من حيث المدة التي يمكن له قضاؤها هناك. ولا يدرك الكثيرون أن هذا الجواز يسمح بالبقاء في أوروبا لمدة 90 يومًا فقط من كل 180 يومًا. ونتيجة لذلك، غالبًا ما يستكشف الأثرياء الطرق التي تسمح لهم بالبقاء في أوروبا لفترة أطول وغالباً عبر "الفيزا الذهبية". وتختلف خيارات برنامج الفيزا أو "الإقامة الذهبية" وفقًاً لمتطلبات الثري ومن بلد لآخر. فالذين يريدون قضاء المزيد من الوقت في بلد معين، سيختارون إقامة تسمح لهم بالعيش لمدة 12 شهرًا سنويًا في ذلك البلد.

ففي أوروبا مثلاً، يمكن تحقيق ذلك بسهولة في حالة برامج الإقامة التي تقدمها اليونان أو إيطاليا أو إسبانيا. ولكن إذا كانوا يريدون الحصول على الحرية لقضاء وقت طويل في بلدان متعددة في أوروبا، فيمكنهم الحصول على الجنسية مثل تلك التي تقدمها النمسا أو البرتغال، والتي من شأنها أن تسمح لهم بالعيش في أي مكان في الاتحاد الأوروبي وكذلك في سويسرا مقابل القليل من المال.

وفي تعليق نقلته قناة "سي أن بي سي" الأميركية قال رئيس مجموعة عملاء القطاع الخاص في شركة هينلي آند بارتنرز، دومينيك فوليك: "لا تزال الولايات المتحدة دولة عظيمة، وما زال لديها جواز سفر رائع، لكن إذا كنت ثريا، وتود التحوط ضد مستويات الاضطرابات وعدم اليقين السياسي والاجتماعي، فإن فكرة التنويع مفهومة جيدًا من قبل الأفراد الأثرياء فيما يتعلق بما يستثمرونه". ويتابع، "ليس من المنطقي أن يكون لدى الثري جنسية وإقامة واحدة في بلد واحد عندما يكون لديه القدرة على تنويع أماكن إقامته".

ولا تزال أميركا موطنًا لأكثر المليونيرات والمليارديرات في العالم، وعلى الرغم من الاضطرابات الموجودة فيها، فإنها لا تزال "ملاذًا آمنًا" نسبيًا على مستوى العالم. ويمتلك نحو 5.5 ملايين أميركي ما لا يقل عن مليون دولار من الأصول السائلة القابلة للاستثمار، وهو رقم ارتفع بنسبة 62% على مدى السنوات العشر الماضية.

ووفقاً لشركة هينلي آند بارتنرز، فإن الوجهات الرئيسية لجوازات السفر الإضافية بين الأميركيين هي البرتغال ومالطا واليونان وإيطاليا. ويحظى برنامج "التأشيرة الذهبية" في البرتغال بشعبية خاصة، لأنه يوفر طريقا للإقامة والمواطنة، مع السفر بدون تأشيرة في أوروبا مقابل استثمار بقيمة 500 ألف يورو (نحو 541 ألف دولار) في صندوق أو أسهم خاصة.

من جانبها، تقدم مالطا تأشيرة ذهبية مقابل استثمار 300 ألف يورو في العقارات، والتي قال فوليك، إنها أصبحت "تحظى بشعبية خاصة لدى الأميركيين". وقال: " بالحصول على جنسية مالطا تصبح مواطناً أوروبياً، مع حقوق التوطين الكاملة في جميع أنحاء أوروبا، حيث تتمكن من العيش في ألمانيا، كما يمكن لأطفال الأميركي الذهاب والدراسة في فرنسا والحق في العيش والعمل والدراسة في جميع أنحاء أوروبا".

لكن رغم هذا الهروب من قبل أصحاب المال، ما تزال الولايات المتحدة الوجهة الأولى لأصحاب الملايين العالميين الذين يغادرون بلدانهم مع تدفق صافي يصل إلى 2200 مليونير هاجر إلى أميركا في العام الماضي وتدفق متوقع قدره 3500 مليونير في العام الجاري. كما لا تزال الصين أكبر مصدر لهجرة المليونيرات إلى الخارج، حيث خسرت 13500 مليونير في العام الماضي. ويرى العديد من أغنياء العالم والشباب الباحث عن الثراء السريع، أن فرص خلق الثروة في الولايات المتحدة لا مثيل لها على مستوى العالم.

المساهمون