لماذا تفشل مؤتمرات إصلاح الاقتصاد المصري؟

30 سبتمبر 2022
تراجع سعر صرف الجنيه المصري يفاقم الغلاء في مصر (Getty)
+ الخط -

مصر في أزمة، والكل يعرف حجمها وتوابعها منذ فترة طويلة، ولكن سياسة إنكار الواقع التي يصر عليها النظام عجلت باستفحالها.

لم يكن وباء كورونا سبباً، ولا الحرب الروسية في أوكرانيا وراء اشتعالها بهذه القسوة، رغم حدة التوابع التي خلفتها. فالأزمة الاقتصادية متأصلة، منذ عقود، وجاء النظام ليسكب الزيت على النار وينشرها من قطاع لآخر.

أخيراً.. أعلن النظام أنه يبحث عن حلّ، ودعا إلى مؤتمر اقتصادي عاجل، يعقد نهاية الشهر الحالي، يحضره رجال أعمال، ورموز من المعارضة والمسؤولين.
أظهرت الشخصيات المختارة في مجلس أمناء المؤتمر وجود رغبة في الاستماع إلى القطاع الخاص، وأصحاب الرؤى المختلفة، عما يسمعه الجنرالات، من المسؤولين البيروقراطيين، الذين يتقنون فنون الولاء والطاعة.

يريد النظام فتح ملفات الصناعة، للنهوض بها بتعميق ودعم الصناعة الوطنية، لتوفير السلع للمواطنين وزيادة التصدير.

عناوين برّاقة وجامعة، لا يختلف عليها أحد، ولكن قبل أن يجلس الجمع للمشاركة في مؤتمرات جديدة يهدر الوقت أو تصبح مكالمة أخرى فارغة من المضمون، بينما يظل الاقتصاد يعاني من كوراث، تهدد الاستقرار الاجتماعي والدولة للخطر، وعلى الحكومة وجنرالات البيزنس الجدد أن يدركوا أن الوقت قد أزف.

لم يعد هناك وقت لتصبح مصر مختبراً دائماً للهواة، الذين أهدروا ثرواتها منذ عصر التأميم، ومروراً بانفتاح استهلاكي، وتحالفات السلطة وأصحاب المال.

على الدولة أن تحدد دورها بصراحة، هل سيكون النظام قائماً على حرية السوق أم نظاماً رأسمالياً أو رأسمالياً اشتراكياً، أم شيوعياً، يتحول فيه المواطن إلى آلة من آلات الدولة التي تُطعم وتعلم وتنفق على الجميع؟

في ندوة بجمعية الاقتصاد السياسي، حاضر بها مؤخراً الدكتور أحمد جلال وزير المالية الأسبق الليبرالي التوجه، ومقرر اللجنة الاقتصادية، فيما يسمى الحوار الوطني حالياً، والدكتور جودة عبد الخالق وزير التضامن الاجتماعي الأسبق واليساري العتيق، لوضع روشتة لإنقاذ الدولة من الأزمة الطاحنة، اتفق الطرفان في 7 نقاط رئيسية، واختلفا في واحدة فقط، حول طبيعة الدعم الذي تقدمه الدولة للمواطنين.

أظهر النقاش أن أمراضنا الاقتصادية مستعصية، وأنها تنتشر في جسد الأمة كالسرطان، وأن استمرار التجارب، من هواة لا خبرة لهم ولا يطلبونها من أهلها الحقيقيين، لن يفيد معه مؤتمر أو عشرات المؤتمرات.

يكفي ما تفعله الحكومة حالياً، من غلق لمصانع عملاقة رابحة، لتبيعها بأسعار بخسة، طمعاً في أرضها أو إثراء بعض المسؤولين، وفي نفس الوقت تنشأ جهات عسكرية وشرطية مئات الشركات، لتدير محلات الأكل والمقاهي والشواطئ ومواقف السيارات ومحطات الوقود، وإذا أقامت مصنعاً، فيكون لتوريد البسكويت والمعكرونة للحكومة ذاتها.

قبل أن تفكر الحكومة في المؤتمر الجديد، عليها أن تراجع أوراق المؤتمر الأعظم الذي عقدته في شرم الشيخ في مارس/ آذار 2015، والذي هيّأ للدولة فرصة ذهبية، لن تتكرر بهذه السهولة.

شارك في هذا المؤتمر 2500 شخصية محلية ودولية، يمثلون 100 دولة، و25 منظمة دولية، على رأسهم من البنك الدولي وصندوق النقد والمؤسسات المالية الكبرى، و755 شركة يشار إليها بالبنان في كل المجالات.

جاءت الوفود، لدعم نظام سياسي يعاني وقتها من الهشاشة، ويتحسس شرعية وجوده، لديها رغبة في إنقاذه من السقوط، لذلك كان الدعم المالي عظيماً، لدرجة مدهشة.

إذا كانت الحكومة الحالية جادة في إصلاح اقتصادي حقيقي فعليها الاطلاع على أوراق منسق مؤتمر شرم الشيخ، السفير ياسر النجار مساعد وزير الاستثمار الأسبق أشرف سلمان، الموضح فيه نتائج الأعمال والتوصيات التي طرحها الحضور بجدية، لو نفذ جزء منها لما كنا وصلنا إلى هذا الحال المخزي والمؤلم للجميع.

كتب السفير النجار أن قيمة الاستثمارات التي حصدتها مصر بلغت 175.2 مليار دولار، منها 15 مليار دولار باتفاقيات نهائية، و18 مليار توريد وتشغيل مشروعات، و5.2 مليارات منح وقروض و92 مليار مذكرات تفاهم و45 مليار دولار من "إعمار" الإماراتية للعاصمة الجديدة.

بمراجعة تلك المشروعات تبيّن عدم تنفيذ إلا النزر اليسير الذي مولّته الموازنة العامة للدولة أو بقروض أجنبية، وودائع من دول الخليج. بُنيت مشروعات قيمتها 15 مليار دولار، في البترول والكهرباء، وأودعت الكويت والسعودية والإمارات 3.25 مليارات دولار، بينما لم تأت 45 مليار للعاصمة الإدارية كما تعهدت بذلك - كمرحلة أولى - شركة "إعمار"، ولم تؤسس شركة صينية مصرية لتصنيع عربات السكك الحديدية، رغم مرور 8 سنوات، ولم توف شركة كويتية بوعدها لإقامة مجمع فوسفات أبو طرطور، ولم تنفذ مجموعة "بن لادن" 15 منطقة صناعية تعهدت بها، ولم تشارك الشركات الأجنبية في مشروعات تصدير العقار، والتي استهدفت جلب استثمارات قيمتها 70 مليار دولار للعاصمة الجديدة فقط.

كان أولى بالحكومة أن تراجع تقاريرها، لتعرف لماذا لم تنفذ كل هذه المشروعات، التي توافرت لها سبل التمويل، في وقت لم يكن العالم قد شهد وباء ولا حرباً، وتتدفق الأموال على مصر بسهولة؟! لو فعلت ذلك، لعلمت أن أسباب الفشل، التي ذكرها الحضور ما زالت كما هي!

عدّد المشاركون ما سمّوه تأدباً "تحديات" أمام الحكومة لعلاج تشوهات الاقتصاد المصري.

أشار الخبراء إلى اعتماد الحكومة على أنشطة الخدمات والعقارات، على حساب الصناعة والزراعة، بما لا يحقق الاستدامة في النمو، ويؤدي إلى عدم توافر السلع الكافية للمواطنين والاعتماد على الاستيراد من الخارج، بدلاً من دعم صناعات قوية، تساهم في التصدير، بما أدى إلى تحول العجز في الميزان التجاري إلى مرض مزمن ومتصاعد القيمة.

قال الخبراء إن غياب المردود الاجتماعي، وضعف مستويات العدالة، ووجود معوقات تشريعية وبيروقراطية، يتطلب التزام الحكومة بإصلاح اقتصادي حقيقي، يهيئ مناخ الاستثمار، ويزيل المعوقات، ليجذب ثقة القطاع الخاص المصري قبل الأجنبي، وأن يكون الاستثمار تحت إشراف جهة مستقلة، تابعة للرئاسة تتميز بالشفافية والمصداقية، والقدرة على حل مشاكل المستثمرين.

لن نخترع العجلة من جديد، فالمرض واضح وروشتة الدواء الناجع جاهزة، ولكن مدّعي المفهومية يصرون على إدارة الدولة وفق أهوائهم، وما نخشاه أن يستمروا كذلك، إلى أن يموت المريض.

المساهمون