لماذا تطرح مصر سندات "الباندا" في الوقت الضائع؟

16 سبتمبر 2022
العملة الصينية تواجه ضغوطاً اقتصادية منذ شهور (Getty)
+ الخط -

يدفع شح النقد الأجنبي الحكومة المصرية إلى طلب العملة الصعبة بأيّ وسيلة، لمواجهة النقص الحاد في الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، وتغطية صافي الأصول الأجنبية التي أصبحت بالسالب لدى البنوك، ويتوقع استمرارها كذلك لعام آخر. عاد وزير المالية الدكتور محمد معيط للحديث عن طرح سندات سيادية في الأسواق الدولية، بعد تأكيده أنّ الوقت غير مناسب عالمياً، ليبدأ بسندات الباندا المقومة باليوان الصيني.

يختلف كلام الوزير من لقاء تلفزيوني إلى آخر، حول قيمة السندات، فتارة يتحدث عن طرح بقيمة 500 مليون دولار، وثانية بـ 600 مليون، وأخيراً تحدث عن إصدار تتراوح قيمته، ما بين 1.5 مليار إلى 2 مليار دولار. يوازي الطرح القيمة الكلية التي تستهدفها الحكومة، من جمع النقد الأجنبي من سوق السندات، خلال العام المالي الحالي 2022-2023.

تلجأ الحكومة إلى تقديم السندات ضماناً مالياً لسداد حقوق المشترين، على أن توظف قيمتها في تمويل النفقات، المدرجة بالموازنة العامة. بغض النظر عن الكوارث التي تسببت فيها سياسة الاقتراض المفرطة التي اتبعها الوزير، ويعتبرها أفضل وسيلة لمواجهة العجز في موارد الموازنة العامة، و"تلبيسه الطواقي" بقروض، لسداد فوائد وقروض أخرى، إلّا أنّ اعتماده على سندات اليوان في الوقت الحالي، على وجه الدقة، يؤكد أنّه يسير من دون رؤية، بعكس اتجاه الريح.

يتعرض اليوان الصيني إلى حالة من التذبذب منذ 4 سنوات، زادت حدتها مع انتشار وباء كوفيد 19، وزيادة حالات الإغلاق المتكرر للمدن وتوقف المصالح الصناعية والتجارية، وقد أضر الإغلاق بالاقتصاد الصيني، بخاصة سوق الأسهم والسندات.

تكاليف الإغلاق أضافت عبئاً كبيراً على مالية الدولة المركزية، وكذلك الحكومات المحلية، التي تحملت تكاليف 11.5 مليار دولار اختبار كوفيد-19، وفرض إجراءات الغلق الكامل، لعدة أشهر. تعاني الشركات الصينية من واحدة من أسوأ ركود بأرباحها على الإطلاق، ما دفع البنوك المحلية ومؤسسات دولية إلى توقع خفض نسبة النمو إلى ما دون 3%، بدلاً من 5.5% العام الحالي.

وزادت الأزمات العقارية، وخسائر شركات التكنولوجيا، والمقاطعة الغربية لشركات صينية، الضغوط السياسية على اليوان، بعد دعم بكين الموقف الروسي في الحرب على أوكرانيا، وفرض عقوبات أخرى لما ترتكبه من تطهير عرقي ضد المسلمين الأويغور والقازاق في شينجينانغ. وتقلصت سوق السندات بشكل حاد، مع انخفاض حيازة الأجانب من السندات الصينية، التي بلغت 400 مليار دولار في فبراير الماضي، بما يعادل نصف نسبة الإقبال عليها منذ ديسمبر/ كانون الأول 2021.

وأدت زيادة الفائدة على الدولار، إلى مزيد من الضغوط على اليوان وسوق الأسهم والسندات في أكبر ثاني سوق للأوراق المالية، بعد الولايات المتحدة.

اعتماد سندات اليوان في الوقت الحالي، على وجه الدقة، يؤكد أنّ وزارة المالية تسير من دون رؤية، وبعكس اتجاه الريح

ويحتاج اليوان المتذبذب إلى الاستقرار، بينما العلاقات مع الغرب تزداد توتراً، ما دفعه لمزيد من التراجع أمام الدولار، حتى فقد 10% من قيمته، منذ فبراير/شباط الماضي، ليصل إلى 6.98 يوان مقابل الدولار. ولم تمنع تحركات البنك المركزي الصيني الأسبوع الماضي، بخفض نسبة الفائدة ونسبة الاحتياطي للودائع من 8% إلى 6%، من وقف هبوط اليوان، إذ يتوقع محللون المزيد من تراجعه في الفترة المقبلة.

وتشير الأنباء الواردة من الصين إلى محاولة شركات عالمية مغادرة الصين، بسبب القيود الصحية والأمنية المروعة. ويتوقع خبراء أنّ طفرة النمو التاريخية في الصين ستكون على الأرجح شيئاً من الماضي، بعدما قادت البنوك العامة الشركات إلى أزمات مالية حادة، بمنحها تسهيلات للقطاع العقاري والحكومات المحلية، أدت إلى زيادة الدين الداخلي بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي من 150%، إلى 250%، في السنوات العشر الأخيرة.

وساعدت البنوك العامة والمملوكة للحكومات المحلية، على زيادة ديون الأسر والمطورين العقاريين والشركات بشكل أسرع من قيمة دخلهم، بما أضر بقدرة أفراد الشعب على توظيف مدخراتهم في سوق الأوراق المالية.

وترفع الحكومة الصينية يدها الآن عن البنوك والشركات المتهاوية، لتواجه بواقعية سوء إدارتها مدخرات الشعب، التي تبلغ قيمتها في القطاع العقاري فقط، نحو ربع تريليون دولار، بما أدى إلى إفلاس بعض البنوك، وشركات عقارية عملاقة.

وارتفعت الأسعار الحقيقية على السندات الحكومية، وانخفض العائد إلى أدنى مستوى على السندات، خاصة التي تزيد مدتها عن 10 سنوات، مع ارتفاع كبير في تكاليف الإقراض للمستهلكين ومؤسسات الأعمال، ما أدى إلى تراجع سوق الأسهم والسندات.

ما زالت السوق تعاني من ذروة التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة على الدولار، بما يدفع أصحاب الأموال إلى الاستثمار في فائدته المرتفعة. مع خفض قيمة اليوان، وقد ثارت المتاعب بالعملات المرتبطة به في جنوب شرق آسيا، ومنها كوريا الجنوبية وتايوان.

وتستهدف الحكومة المصرية إسالة لعاب المسؤولين الصينيين الباحثين عن تحالفات سياسية دولية، تمكّنها من الالتفاف على الموقف الأميركي المتشدد تجاهها حالياً، بدعم طلب مصر طرح سندات باليوان، لتسير على نهج الإمارات العربية والكيان الصهيوني، اللذين طرحا تلك السندات، من قبل.

موقفنا كمصر يختلف عن التجربتين الأوليين، لأنّنا سنمول بسندات الباندا، شراء بضائع صينية، تدفع الميزان التجاري كالعادة لصالح بكين أو سداد ديون أبراج العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين والقطار الخفيف، التي سيحل موعد سداد أقساطها قريباً.

تستهدف الحكومة المصرية إسالة لعاب المسؤولين الصينيين الباحثين عن تحالفات سياسية دولية

سيؤدي انخفاض قيمة اليوان إلى شرائه بالدولار، أو تصدير بضائع مصرية مقابله، وبذلك ستخسر مصر قيمة تدهور العملة، أو تدفع عمولات شراء اليوان بالدولار، المرتفعة بالأسواق.

وتعهدت الصين بضخ استثمارات قيمتها تريليون دولار، في 138 دولة، تفاهمت معها على مشروعات "الحزام والطريق"، وقد حصلت مصر على قرض قيمته 20 مليار يوان، لدعم احتياطيها النقدي، بعد مشاركتها في قمة العشرين بمدينة هانغتشو، سبتمبر 2016. ويحتاج طرح السندات، دعماً حكومياً مثل القروض، لأنّ الأموال الكبيرة تأتي من بنوك حكومية، بأوامر القيادة السياسية.

بغض النظر عن التنازلات التي تنتزعها الصين من الدول التي تواجه موقفاً مالياً ضعيفاً مثل مصر، فإنّ المخاوف الحقيقية أنّ اليوان أصبح أكثر عرضة للخطر والتذبذب، والمجازفة باقتراضه أو شراء سندات مقوّمة به، يتوقع أن تتقلص عوائدها، فتمنع تهاتف المستثمرين عليها، إلّا بضغط قوي من الحكومة الصينية، بما يمكّنها من الإمساك بأوراق السندات، لأهداف أبعد خطراً من تفاقم قيمة القروض والديون ذاتها.

المساهمون