دعا رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى اتفاق الأطراف الليبية على "آلية وطنية" تحسم الخلاف حول إنفاق موارد الدولة وتوزيع الثروة بشكل عادل.
جاء ذلك في انطلاق أعمال الاجتماع الأول للجنة الترتيبات المالية العليا لمتابعة الإنفاق الحكومي، التي انعقدت اليوم الخميس في مدينة سرت، وسط شمال البلاد، بحضور رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة و16 ممثلا عن أطراف ليبية أخرى، من بينها حكومة الوحدة الوطنية، والحكومة المكلفة من مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب.
وكان المنفي قد أعلن، مطلع الشهر الجاري، عن تشكيل لإقرار أوجه الإنفاق العام وأبواب الصرف واعتماد الترتيبات المالية للدولة وفقا لعدالة توزيع الثروة، وأيضا متابعة الإيرادات العامة للدولة للتحقق من سلامة وكفاءة تحصيلها، وسلامة وكفاءة الإنفاق الحكومي.
وفيما اعتبر المنفي، في مفتتح كلمته خلال اجتماع اللجنة اليوم، أن اجتماع كافة ممثلي الأطراف باللجنة يعبر عن اتفاق كل الأطراف على وجود "فرصة لإثبات قدرة الشعب الليبي على حسم القضايا محل الخلاف عبر الحوار"، ذكر أن اتفاق الأطراف على آلية وطنية "سيحسم الخلاف حول مسألة إنفاق الأموال العامة وتوزيع الثروات، وتنظيم تحصيل الأموال بشكل يحقق توزيعا للموارد بشكل عادل على كافة البنود والمجالات المستحقة والمخصصة لها".
وتوجه المنفي بخطابه الى أعضاء اللجنة العليا بالقول: "أشجعكم على أن تكون هذه الآلية الوطنية مساهمة فاعلة في تهدئة التوتر ونموذجا ناجحا لإمكانية التوافق الوطني الشامل حول المسائل الخلافية".
وأبلغ المنفي، خلال كلمته، أعضاء اللجنة باستعداد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة لـ"قبول الملاحظات الفنية حول مشاريع التنمية الجارية، أو استبدالها وتطوير توزيعها الجغرافي وتحديد الأولويات في التنفيذ".
وفيما اعتبر أن "مسألة تخصيص الموارد وتوزيعها بشكل عادل هي مسألة فنية سنتمكن من تنفيذها"، إلا أنه أكد ضرورة "وجود إرادة قوية منا جميعا للحفاظ على التئام هذه اللجنة، ومقاومة أي محاولات للتشويش على هذه الآلية الوطنية"، وأضاف "أدعو أعضاء اللجنة إلى ضمان عدم تسييس أعمال اللجنة، والتحلّي بالالتزام المهني لتسيير أعمالها، بعيدا عن أي مواقف سياسية أو استخدام اللجنة كأداة سياسية".
وفي الوقت الذي دعا المنفي الخبراء الليبيين في مختلف المجالات المتعلقة باختصاصاتهم إلى مواكبة عمل اللجنة العليا وإبداء ملاحظاتهم، وتوسيع دائرة التأييد الشعبي لها، أعرب عن أمله أن تلعب الخبرات الأجنبية في المؤسسات الدولية المحاسبية "دورا إيجابيا، وتتولى تقديم المشورة الفنية لأعمال هذه اللجنة الموقرة، بشكل يحقق نزاهة وحيادية أكبر".
ووفقا لنص القرار الذي أصدره المنفي بشأن تشكيل اللجنة العليا مطلع الشهر الجاري، فإن من مهام اللجنة وضع "تصور لإعادة هيكلية الميزانية العامة الدولة، يضمن تمتع كل أفراد الشعب الليبي بموارد بلادهم ويحقق رقابة فعالة وشفافة على الإيرادات بمختلف مصادرها، والنفقات بمختلف أوجهها، لخلق توازن اقتصادي واجتماعي على الأراضي الليبية، يعود بالرفاهية والتنمية على أفراد المجتمع، مع ضمان حق الأجيال القادمة في ثروة وطنهم، بحيث تقسم المبالغ المخصصة للبابين الثاني والثالث في الميزانية العامة إلى نسبتين مئويتين".
وأوصى القرار بأن "تودع النسبة الأولى في الحسابات المالية المفتوحة لدى مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، وتودع النسبة الثانية في الحسابات المالية المفتوحة لدى مصرف ليبيا المركزي في بنغازي، على أن تجرى عملية الإيداع والتحويل باستقطاع هذه النسب مباشرة من إيرادات ومبيعات النفط والغاز ومشتقاته".
وبالإضافة الى ذلك، طالب القرار بأن تقدم اللجنة جملة من المقترحات، يكون من أولويات عملها اقتراح السبل العملية لإعادة هيكلية البابين الثاني والثالث في الميزانية العامة، بحيث يضمن إعادة توزيع المخصصات التسييرية، ومخصصات مشروعات وبرامج التنمية وإعادة الإعمار، واشراك البلديات في وضع برامج التنمية وتحديد مخصصاتها، واقتراح الآلية القانونية والمالية لمعالجة الدين العام.
وجاء تشكيل المجلس الرئاسي للجنة العليا بعد جدل حول توزيع موارد أموال النفط، دفع به إلى المشهد قادة معسكر شرق البلاد، إذ اتهموا حكومة الوحدة الوطنية بالعبث بموارد الدولة، وحقهم في حصص منها.
ومن هؤلاء القادة رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، الذي رفع قضية أمام محكمة بنغازي لفرض حراسة قضائية على الإيرادات النفطية، تلاه اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي هدد بقفل حقول وموانئ النفط بقوة السلاح.
وكانت الحكومة في طرابلس قد أصدرت بيانا بعد تشكيل المجلس الرئاسي للجنة العليا، أوضحت فيه أنها "تقوم بصرف رواتب العاملين في الدولة الليبية كافة من دون استثناء"، كما تقوم بصرف "مخصصات الباب الثاني لكافة مؤسسات الدولة وفق المعتمد من وزارة المالية"، مشيرة الى أن 79% من إجمالي الإنفاق خلال النصف الأول ذهب للمواطن مباشرة، في شكل رواتب وعلاوة الزوجة والأبناء ومنح الشهداء وطلبة الجامعات ودعم المياه والكهرباء والخدمات العامة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها نواب موالين لمعسكر شرق البلاد إلى وقف تدفق النفط واستخدامه ورقةً للضغط للحصول على مكاسب سياسية أو مصلحة خاصة، فقد أقدموا عدة مرات على ذلك، كان آخرها قفل حقلي الشرارة والفيل الأسبوع الماضي، للمطالبة بالإفراج عن وزير المالية الأسبق في حكومة الوفاق الوطني، المعتقل في طرابلس على خلفية تهم تستوجب التحقيق معه.