تُكثف الحكومة اللبنانية اجتماعاتها ومباحثاتها لوضع خططٍ استباقية في العديد من الأنشطة ومنها الاتصالات والإنترنت بهدف مواجهة أي عدوان إسرائيلي في ظلّ الخشية من توسّع رقعة المناوشات النارية بين حزب الله وجيش الاحتلال على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، رغم أن هذا الحَراك، لا يثير اطمئنان المواطنين، خصوصاً أن المسؤولين أنفسهم يتحدثون عن ضآلة الإمكانات وعدم قدرة البلاد ولا سيما اقتصادياً على تحمّل تبعات أي تصعيد عسكري.
ويجمع خبراء اقتصاد في لبنان على أن الوضع اليوم يختلف كثيراً عمّا كان عليه إبان حرب يوليو/تموز 2006 والعدوان الإسرائيلي على لبنان، سواء لناحية أزمة المصارف القائمة منذ أواخر عام 2019، وعدم قدرة الناس على الوصول إلى ودائعهم، عدا عن الانهيار النقدي، وتراجع مستوى الخدمات، والشكوك في تزويد لبنان بالمساعدات نفسها التي حصل عليها في تلك الفترة عربياً ودولياً.
وبدأت انعكاسات المعركة على الحدود الجنوبية تظهر من الناحية الاقتصادية، ولا سيما السياحية، في ظلّ الإجراءات المشددة المتخذة من قبل عدد كبير من السفارات، والتحذيرات من السفر إلى لبنان، والتدابير التي تتخذ من قبل شركات الطيران، وبدء تسجيل إلغاء حجوزات في الفنادق وتذاكر الطيران.
وقد أعلن رئيس اتحاد النقابات السياسية ورئيس المجلس الوطني للسياحة، بيار الأشقر، أول من أمس الاثنين، أن القطاع السياحي خسر موسم أعياد الميلاد ورأس السنة.
وضمن الحراك الوزاري لوضع خطة طوارئ في حال نشوب حرب على لبنان، يصبّ التركيز على قطاع الاتصالات الذي يعدّ من القطاعات الخدماتية الحيوية والأساسية "حياتياً"، والذي يعاني أساساً من تردّ كبير على مستوى خدمات الشبكة والإنترنت>
وواجه في مرات كثيرة خطر الانقطاع، الذي طاول مرافق صحية ومنظمات اجتماعية، وذلك بفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية عليه، وربطاً أيضاً بمشكلة الكهرباء والمازوت، بالإضافة إلى الإضرابات المتكررة لموظفي هيئة أوجيرو، اليد التنفيذية لوزارة الاتصالات اللبنانية، عدا عن الهدر الذي ينخره كمختلف قطاعات الدولة.
وتركز وزارة الاتصالات في خطة الطوارئ على نقاطٍ عدّة ضمنها تأمين المازوت، وقطع الغيار، والإمدادات المطلوبة للمراكز والسنترالات، واحتياجات السوق اللبناني من بطاقات تشريج الهواتف الخلوية، وتأمين الحماية المتواصلة تحسباً لأي خرق إلكتروني، وغيرها من التدابير التي ستتخذها من باب الحيطة ومنع انقطاع الخطوط الهاتفية الأرضية والخلوية.
في السياق، يقول وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم، لـ"العربي الجديد"، إن "هيئة أوجيرو وشركتي ألفا وتاتش، تقدّموا بخطة طوارئ في حال نشوب حرب على لبنان، لها علاقة بالمولدات المتحرّكة وتأمين المازوت، وتوزيع قطع الغيار على مراكز عدة والتحكّم بسنترالات المراقبة والتشغيل عن بُعد، وذلك في حال لم يتمكن الموظفون من الوصول إلى مراكز عملهم، كما ووضع لائحة بالأولويات للعمل عليها".
ويشير القرم إلى أنه "ضمن خطة التأمين توجد مولدات متحركة نقالة والمازوت الكافي لإبقاء الخدمات شغّالة". ويضيف: هناك الخطة "ب" المرتبطة بمسألة توقيع عقد مع شركة ستار لينك (يملكها رجل الأعمال إيلون ماسك)، التي نعمل عليها منذ أشهر ووصلنا إلى خواتيمها ونأمل هذا الأسبوع إيجاد صيغة مقبولة فيها داخل مجلس الوزراء بهدف تأمين اتصال بديل غير النظام التقليدي الأرضي يقوم على الكوابل البحرية وتأمين الإنترنت عبر الأقمار الصناعية"، مستبعداً في المقابل، أن يقوم ماسك لغايات سياسية بقطع الخدمة لاحقاً خصوصاً أن النية موجودة بتوقيع العقد.
ويتابع القرم: "كما أعلن المدير العام لهيئة أوجيرو، عماد كريدية، عن خطة ثالثة، تتصل ببعض المراكز في لبنان، تقوم على مشروع أطلق عليه اسم "فينيكس بروجيكت" للصمود ومواجهة الحرب في حال وقعت، وضمان التواصل بين السلطات والأجهزة الرسمية وفرق الطوارئ".
ويشير وزير الاتصالات اللبناني إلى أن قدرة القطاع على التحمّل ترتبط بحجم الاعتداء بطبيعة الحال، ونحن نعمل وفق خطة طوارئ تكون قادرة على تأمين البدائل لكل المشتركين، وترتكز على أولويات في حال حصل عدوان إسرائيلي على لبنان>
ولفت إلى "أننا نبحث مسألة نقل الداتا سنتر الموجودة في أماكن تعتبر حساسة أمنياً إلى نقطة أخرى آمنة أو نقل الداتا بطريقة يمكن التحكم بها عن بُعد"، إذ من المهم وضع خطة بديلة احتياطية لتخزين الداتا من دون حصرها في مكان واحد في حال تم ضربه وذلك للحفاظ على الخدمة والأنظمة التشغيلية، وهذه عمليات أساسية وغير مكلفة مالياً.
ويشير القرم إلى أن الأموال مؤمنة لناحية الخطة الأولى على صعيد تغطية كلفة المولدات والمازوت وما يلزم من قطع غيار وصيانة، إذ أخذت من الاحتياطي المخصص لدفعه للخدمات الخارجية، وهذه الخطوة لا تحتاج إلى جلسة لمجلس الوزراء بعكس الخطة الثانية، التي تستلزم موافقة من مجلس الوزراء.
في سياق ثانٍ، يشير القرم، إلى أنه حتى الساعة لم تسجل أي مشكلة من ناحية الاتصالات في لبنان ربطاً بالتطورات الأمنية التي تحصل على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، والعمل يسير بشكل طبيعي.
وأعلنت هيئة أوجيرو في بيان لها عن "إجراءات أمنية مشددة لحماية بنيتنا التحتية الحيوية وضمان تقديم الخدمات من دون انقطاع، إلى جانب تعزيز شبكتنا بأنظمة بديلة والنسخ الاحتياطي من أجل تقليص فترات التوقف عن العمل في حال حدوث أي طارئ غير متوقَّع".
ولفتت الهيئة إلى أن هناك فرق استجابة مخصّصة للطوارئ وجاهزة للتعامل مع أي مشكلة عاجلة قد تطرأ، كما تعمل بشكل وثيق مع السلطات المحلية والجهات المعنية لضمان التقيّد بالأنظمة وبإرشادات السلامة ولتلقي التوجيهات منها بشأن التدابير الأمنية اللازمة.
وحول احتمالية انقطاع الخدمة، قالت الهيئة، إنه في حين "أننا نبذل كل ما في وسعنا للحفاظ على الخدمة من دون انقطاع، غير أنه من المهم أن نقرّ بأنه في حال وقوع عدوان، قد يحدث اضطراب في الخدمة، وقد يعود ذلك إلى عوامل عدة، منها تضرر البنية التحتية أو عدم إمكانية الوصول إليها أو انقطاع التيار الكهربائي أو اعتبارات الأمن والسلامة".
وأضافت فيما خصّ الخدمات ذات الأولوية، أنه في حال حصول اضطراب في الخدمة، ستُعطى الأولوية لخدمات الاتصال العائدة للمعنيين بحالات الطوارئ مثل الصليب الأحمر والدفاع المدني وفرق الإنقاذ وفرق الإطفاء والمرافق الطبية والاستشفائية والمؤسسات العسكرية والأمنية وغيرها من الجهات المعنية بحفظ أمن وسلامة المجتمع.
وحثت "أوجيرو" المواطنين على متابعة القنوات الرسمية واتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان سلامتهم وتمنت عليهم إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة معها بحيث ستصبح الهيئة جزءاً لا يتجزأ من الفريق الوطني للطوارئ، وستعمل إن لزم الأمر كحلقة وصل بين المواطنين وفرق الإنقاذ، وسيسعى كل من مركز الاتصال ووحدة الدعم الرقمي لديها إلى نقل المعلومات إلى الجهات المختصة والفرق والمرافق الطبية والاستشفائية.