تطوّرٌ جديدٌ طرأ على الموازنة اللبنانية لعام 2022 مع توالي الطعون في القانون، وارتفاع وتيرة الحراك ضدّه لإبطاله أو تعليق العمل ببعض بنوده، وذلك في وقتٍ يدخل لبنان غداً الخميس مرحلة جديدة في مسار تغيير سعر الصرف الرسمي الذي يبدأ مع الدولار الجمركي الذي تقرّر احتسابه على 15 ألف ليرة لبنانية بدلاً من 1507 ليرات.
وتقدّم 12 نائباً بطعنٍ بقانون موازنة عام 2022 أمام المجلس الدستوري، مطالبين بتعليق مفعوله إلى حين البتّ بالمراجعة، وفنّدوا المخالفات الدستورية التي يحويها القانون، لا سيما إقراره ونشره من دون قطع حساب ومن خارج المهل الدستورية، وبناءً على تقديرات غير صحيحة، ما يفاقم معاناة المواطنين ويمسّ برواتبهم، في وقتٍ تغيب عنه العدالة الضريبية والحماية الاجتماعية والتقديمات الصحية.
الأخطر أيضاً هو ما جاء على لسان النائبة بولا يعقوبيان، من مقدّمي الطعن، بتصريحها أن "ما نُشر في الجريدة الرسمية غير المصادَق عليه في مجلس النواب"، ما يدلل على وجود فضيحة تشريعية تتجه إليها الأنظار لكيفية التعاطي معها، لا سيما أن يعقوبيان أكدت أن هذه الواقعة حصلت أيضاً على صعيد قانون السرية المصرفية الذي أقرّت تعديلاته حديثاً.
ودعا نوابٌ يمثلون حزب "القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع) المتضررين وهيئات المجتمع والنقابات إلى الطعن بالقرارات المالية أمام مجلس شورى الدولة، مؤكدين معارضتهم للموازنة وتصويتهم ضدّها لخلوّها من أي خطوة إصلاحية ورؤية إنقاذية، ولما تشكله من سرقة جديدة للناس بعد سرقة ودائعهم.
وتوقف النائب في "القوات" رازي الحاج، في مؤتمر صحافي، عند قرارات مالية مجحفة صادرة عن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، منها ما يتعلق بالشطور الضريبية والضرائب على رواتب الموظفين نقداً بالدولار.
وأشار الحاج إلى أن الموظفين يتقاضون هذه الأموال تعويضاً عن الانهيار الكبير الذي أصاب رواتبهم وقدرتهم الشرائية، منتقداً تطبيق الشطور (المعدلات) العادية عليهم ضرب 3، ما يعني تكبيدهم 20 إلى 25% ضريبة، معتبراً إياها "جريمة بحق الموظفين وهم من أبناء الطبقة الوسطى الذين يستمرون بالحياة في لبنان".
ولفت النائب إلى أن بعض الشركات تتجه في حال لم يحصل تغيير بهذا الصدد إلى تقديم طعن أمام مجلس الشورى، وذلك بالخطأ المادي، وبعدم تغيير بعض بنود الموازنة المفترض تعديلها.
طعون قانونية
كذلك، يتجه محامون في منظمة "ريفورم" (منظمة مختصة بتطوير وإصلاح التشريعات والنظم القانونية) إلى تقديم طعن بقرار وزير المال المتعلق بسعر الصرف المعتمد وفق منصة "صيرفة" التابعة للبنك المركزي (على مستوى 30300 ليرة وهو سعر متحرك) في تحصيل ضريبة الدخل، التي تصل إلى 25%، والذي على حدّ تعبيرهم قرار مجحف، بحق من يقبض راتبه بالدولار "فريش" أو "لولار"، أي وفق الدولار المصرفي، وغير عادل، خصوصاً أنه يساويهم بالتجار الذين يجنون أرباحاً طائلة.
وهناك سبعة شطور في السلم الضريبي، 2%، 4%، 7%، 11%، 15%، 20%، و25%، المتضرّر الأكبر منها من يتقاضى رابته بالدولار الأميركي الذي سيحتسب وفق سعر صيرفة، ما يرفعه بشكل كبير بالليرة اللبنانية ويعرّضه للضريبة الأعلى، وذلك في وقت ترتفع فيه تكاليف العيش والصحة والتعليم في لبنان، وتغيب الدولة عن أداء واجباتها تجاه المواطنين وتحرمهم من أبسط الخدمات.
وينظر اللبنانيون بقلقٍ إلى انعكاسات الموازنة على حياتهم ومفاقمة معاناتهم، وذلك في وقتٍ وصفها خبراء اقتصاد بـ"اللاإنسانية"، لما لها من تداعيات قاسية على المواطنين ورواتب موظفي القطاع الخاص، الذين دائماً ما يدفعون ثمن تمويل الدولة بالدرجة الأولى لرواتب موظفي القطاع العام من جيوبهم بدل قيامها بالإصلاحات اللازمة في قطاع يحوي آلاف الموظفين المعيَّنين بالواسطة، وعلى أسس حزبية طائفية وغير قانونية.
توسع ضريبي
ويعتبر الخبراء أن هذه الموازنة المجحفة المثقلة بالضرائب والرسوم لا تقدم في المقابل للمواطن أي خدمات صحية أو حماية اجتماعية، كما أن موظفي القطاع العام الذين سيستفيدون من زيادة رواتبهم لن يلمسوا هذا "التطوّر" في ظلّ الغلاء الذي سيجتاح السوق والخدمات الأساسية الحياتية ومواصلة دولار السوق السوداء ارتفاعه.
واعتبرت النائبة في تكتل التغييريين بولا يعقوبيان أن الإصلاح الجذري مفترض أن يكون داخل القطاع العام ومن خلال شطب الوظائف غير القانونية التي يصل عددها إلى 32 ألف وظيفة، مشيرة إلى أن "هذه الموازنة لم يسبقها قطع حساب، كما أن المجلس الدستوري يمكنه ليس فقط إبطال القانون، بل التصويب في حال حصول أي خطأ أثناء إصدار القوانين أو نشرها".
في السياق، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والباحث القانوني صادق علوية، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ملاحظات كثيرة على الموازنة، التي يصفها بـ"اللاإنسانية"، والتي تفرض الضرائب بلا مقابل، الأولى، والتي يستغرب أن أحداً من النواب تنبّه لها، أن شركات الأموال التي في عزّ نشاطها حالياً مميزة عن كل اللبنانيين، ضريبتها محددة بـ17 في المائة، في حين أن باقي المواطنين، ولا سيما العمّال، تصل ضريبة الدخل التي تطاولهم إلى 25 في المائة.
كذلك، يقول علوية إن "هناك نوعين من السلع التي أخضعها قانون الموازنة للضريبة تحت عنوانين، السلع الفاخرة وحماية السلع المصنعة داخلياً، لكن كلا الأمرين لا يراعيان أن تلك المصنعة داخلياً يجب أن تترافق مع توزيع كافٍ كي لا نخلق محتكراً جديداً اسمه المصنّع المحلي".
ويستغرب علوية كيف باشرت الجمارك بتقاضي نسبة 3% تأميناً على كافة السلع، قبل أن يصدر مرسوم يحدد ما هي السلع المعفاة.
من ناحية أخرى، يقول علوية إن "الأصل خضوع جميع الرواتب لضريبة الدخل، سواء كانت بالدولار أو الليرة اللبنانية، إلا أن الراتب بالدولار يجب أن يتم تقويمه بالليرة اللبنانية ليتم تحديد بأي شطر هو. الإيجابي أن هذه الرواتب تم تقويمها بقيمتها التي تقارب الحقيقية، لا بل أقل، أي حسب سعر صيرفة، وإنما يقتضي رفع الشطور لكي تخضع هذه الرواتب لضريبة أقل"، مشيراً إلى أن "خطأ طاول تعديل الشطور الموضوعة في الموازنة، الأمر الذي سيسبب معضلة، خصوصاً أن التعديل يحتاج إلى قانون، وهذا أمر غير محبّذ".
ويلفت علوية إلى احتواء الموازنة مخالفة إنسانية، خصوصاً بحق الأسر الأكثر فقراً، قائلاً إن "التنزيل العائلي الذي تقرّر جيد، ولكن الشطور الضريبية لم يتم تعديلها، ما يبقي العملية مجتزأة، كما أن الدولة ساوت بين كبار أصحاب العمل والعمال لجهة إخضاعهم للضريبة نفسها، من هنا الخلل بالآلية والشطور (عددها سبعة) ضوعف 3 مرّات، وغابت العدالة الضريبية".
مراجعة دستورية
في السياق القانوني، يقول منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي" المحامي جاد طعمة، لـ"العربي الجديد"، إنه "عند قيد المراجعة في قلم المجلس الدستوري يقوم رئيسه بتوجيه دعوة من أجل تدارس ما إذا كان يقتضي وقف تنفيذ النص القانوني موضوع المراجعة وتعليق العمل به إلى حين البتّ بالطعن، فإن قرّر المجلس ذلك كان لا بدّ من نشر قراره في الجريدة الرسمية وإبلاغ نسخة عنه مصدّقة إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء".
ويضيف: "يقوم رئيس المجلس أيضاً بتعيين مقرّر من أعضاء المجلس من أجل وضع تقرير في موضوع المراجعة، وذلك خلال مهلة عشرة أيام من تاريخ إبلاغه قرار تكليفه بهذه المهمة".
ويردف طعمة: "فور ورود تقرير المقرر يقوم رئيس المجلس بإبلاغ سائر أعضاء المجلس بنسخ عن مضمون التقرير ويدعوهم إلى جلسة تعقد خلال خمسة أيام من تاريخ ورود التقرير للتداول في موضوع المراجعة".
ويلفت إلى أن "قرار المجلس الدستوري يصدر في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاد الجلسة، ويوقع القرار من الرئيس ومن جميع الأعضاء الحاضرين، ثم يدوَّن في سجل خاص للحفظ لدى رئيس المجلس، علماً أن القرارات المتعلقة بمراجعة الطعن بدستورية القوانين تتخذ بأكثرية سبعة أعضاء على الأقل".
ويشير طعمة في المقابل إلى أنه "إذا لم يصدر قرار المجلس الدستوري ضمن المهلة، نتيجة عدم التوّصل إلى قرار مشترك أو نتيجة فقدان النصاب، فيعتبر القانون موضوع المراجعة مقبولاً وصحيحاً".
ويتابع: "في معرض البت بالمراجعة، يعلن المجلس الدستوري ما إذا كان القانون مطابقاً أو مخالفاً كلياً أو جزئياً للدستور. فإن وجده مطابقاً ترد المراجعة، أما إذا وجد مخالفات فإنه يقضي بإبطال القانون المطعون فيه كلياً أو جزئياً بقرار معلل يرسم حدود البطلان. ويعتبر النص الذي يقرر المجلس بطلانه كأنه لم يصدر".
ويلفت أيضاً المحامي طعمة إلى أنه "بعد أن جرى تقديم الطعن، فقد سعت بعض الكتل النيابية والنواب إلى التقدم بمراجعات أمام مجلس شورى الدولة للمطالبة بإبطال بعض القرارات الإدارية لتجاوز حد السلطة استلحاقاً وحفظاً لماء الوجه، علماً أن تقديم المراجعة أمام مجلس شورى الدولة متاح لكل صاحب مصلحة وصفة، وإن كان مواطناً، شرط أن يكون متضرراً من القرار الإداري النافذ والضار".