لبنان: ارتفاع كلفة إفطار رمضان لمستويات قياسية
"نحن صائمون منذ عام 2019".. عبارةٌ يمكن أن تسمعها من كلّ لبناني تسأله عن وضعهِ في شهر رمضان، على وقعِ انهيار الليرة اللبنانية والغلاء الفاحش وجشع التجار الذين ينتظرون هذه المناسبات لرفع الأسعار واحتكار البضائع واحتلال السوق مستغلين غياب الرقابة والمحاسبة وفشل المسؤولين في إدارة الأزمة واعتكاف الحكومة عن تأدية مهامها في الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد.
يقول روني أبو خاطر، وهو موظف في شركة خاصة لـ"العربي الجديد" "لم نذق طعم اللحمة أو الدجاج أو السمك منذ أكثر من ستّة أشهر، البراد فارغ وحتماً لا موائد للإفطار هذا العام، راتبي الشهري لا يتجاوز مليوني ليرة، أي 160 دولارا فقط وفق سعر الصرف في السوق السوداء في حال احتسبناه على 13 ألف ليرة، وبالتالي تدهورت قيمته، فيما أسعار السلع والمواد الغذائية ارتفعت أربعة وخمسة اضعاف، حتى الخضار لا قدرة لنا على شرائها".
وفي جولةٍ على بعض السوبرماركت في بيروت، كانت الزحمة موجودة، ولكن السلال شبه فارغة، حيث يمكن رصد مواطنين يتفرّجون على البضائع، يدقّقون في أسعارها، ويردّدون بغضب، "لماذا السلع غالية وما تزال مسعرة على 15أالف ليرة للدولار رغم أنه شهد انخفاضاً في الأسابيع الماضية إلى 11 ألف؟ وكيف يعقل أن تكون المواد الغذائية المحلية بهذا الغلاء؟" ومنهم من يصل الى الصندوق ليدفع ثمن أغراضه فيُصدَم بأن قيمتها تخطت المال الموجود في جيبه نظراً لعدم ثبات الأسعار وتغيّرها يومياً، ويبدأ بإعادة بعض السلع التي يراها ثانوية رغم أنها تصنَّف من الأولويات والحاجات الأساسية.
ويقول صاحب سوبرماركت في بيروت لـ"العربي الجديد" إنّ ارتفاع سعر صرف الدولار الذي عاود التحليق من جديد في السوق السوداء يكبّلنا في شهر رمضان، ويحول دون محاولة تخفيض الأسعار لرفع القدرة الشرائية بعض الشيء، ولكن مع ذلك، نحاول قدر المستطاع جذب الزبائن وتخفيف وطأة الأزمة عليهم من خلال عروض بدأنا بها مخصصة لهذه الفترة، كضمّ سلعتين معاً بسعرٍ واحدٍ، أو منح هدايا رمزية عند الشراء بمجموع معيّن، أو طرح بضائع على الرف بماركات أخرى لم يعتد عليها اللبنانيون لكن يبقى سعرها أقلّ.
في الإطار، نشر مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت مع بداية شهر رمضان المؤشر الأسبوعي لكلفة إفطار أساسي.
وقام باحثو المرصد بحسب تقرير نشر مؤخراً، باحتسابٍ دقيقٍ لكلفة وجبة إفطار مكوَّنة من حبة تمر، حساء العدس، سلطة الفتوش، وجبة أرزّ مع دجاج ونصف كوب من لبن البقر، وذلك اعتماداً على المقادير والكميات المنشورة في كتاب "ألف باء الطبخ" وعلى أسعار التعاونيات في بيروت، مع العلم بأنه تم احتساب الأطعمة والكميات لتقدم 1400 سعرة حرارية للفرد كمعدل ضروري لإفطار شخص.
وتبعاً للتقرير والحساب المشار إليه، تقدَّر كلفة الإفطار اليومي المؤلَّف من مكونات ووجبة أساسية للفرد الواحد بـ 12.050 ألف ليرة أي 60.250 ألف ليرة (40 دولارا وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 1515)، يومياً لأسرة مؤلفة من 5 أفراد، أي ستقدر الكلفة الشهرية للإفطار لأسرة مؤلفة من 5 أفراد بحوالي مليون و800 ألف ليرة لبنانية (1200 دولار).
مع العلم بأن هذه الكلفة لا تتضمن المياه، أو العصائر، أو الحلويات والغاز، أو الكهرباء ومواد التنظيف.
وفي مقارنة مع السنوات الماضية، يظهر الارتفاع في كلفة الإفطار الأساسي من حوالي 445 ألف ليرة في الشهر عام 2018 و467 ألف ليرة في الشهر عام 2019 الى حوالي 600 ألف شهريا عام 2020. وبالتالي، ستتكبد الأسر في هذا الشهر أكثر من مرتين ونصف (2.6) الحد الأدنى للأجور لتأمين إفطارها، وستجد 42.5% من الأسر في لبنان، والتي لا تتعدى مداخيلها 1.2 مليون ليرة شهرياً، صعوبة في تأمين قوتها بالحد الأدنى المطلوب.
ويقول مدير مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، ناصر ياسين، لـ"العربي الجديد" إن الحكومة اللبنانية لم تتخذ إجراءات محددة لتوفير احتياجات شهر رمضان، ولجم الأسعار التي تحلق عالياً، وترتفع أكثر في خلال فترة رمضان، في ظلّ استغلال التجار لهذا الشهر، مشيرا إلى أن الدعم الذي ما يزال مستمراً على بعض المواد الغذائية والسلع الأساسية، ومنها المحروقات أيضاً والأدوية، ما من شأنه أن يخفف بعض الشيء من التكاليف للأسر، علماً أنّ هذا التخفيف هو معنوي أكثر في ظلّ عدم وجود بضائع مدعومة في الأسواق أو عدم عرضها كلها في المحال وهو ما يؤدي إلى تكرار الإشكالات بين الزبائن على حيازة المواد المدعومة، إضافة الى أنّ هذه البضائع تذهب هدراً وتهرب إلى الخارج، علماً أنّ الدعم أصلاً لم يكن من الدولة بل من مصرف لبنان وبالتالي من أموال اللبنانيين وودائعهم.
ويرى ياسين أنّ الدعم ما كان يجب أن يحدث، وخصوصاً بهذه الطريقة غير المنظمة، وكان الأجدى ولا سيما اليوم في ظلّ الظروف الطارئة تقديم مساعدات مباشرة إلى الناس، والعائلات الأكثر حاجة، بدل صرف ملايين الدولارات سنوياً لدعم مواد تهرب للخارج وتبقى محتكرة ومحتجزة عند كبار التجار. كذلك، كان الأجدى بالوزارات المعنية خصوصاً الاقتصاد والزراعة، أن تبحث عن مصادر أرخص للأمن الغذائي، وتركز الدولة جدياً في دعم الإنتاج المحلي.