استمع إلى الملخص
- شمل اضطهاد فرعون القمع الديني والثقافي، حيث منع ممارسة الشعائر بحرية وفرض عبادة معينة، مما أدى إلى تآكل الهوية الثقافية والدينية وزيادة شعور الاضطهاد.
- تُبرز قصة فرعون مع موسى سمات الطغاة، حيث أدى الاستبداد والظلم إلى زعزعة استقرار الحكم وظهور حركات مقاومة، مؤكدة أن تجاهل معاناة الشعب يؤدي إلى انهيار الأنظمة.
في الحقبة التي يُعتقد أن فرعون موسى حكم فيها مصر، تشير النصوص الدينية إلى أنه استغل موارد البلاد بشكل جائر، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية للمصريين، وفرعون لم يرَ مشكلة في ذلك، ووقف يسأل ملأه... "أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي"، كما أخبرنا النص القرآني.
فرض فرعون نظاماً صارماً من السخرة، حيث أُجبر الناس على العمل القسري في مشاريع بناء ضخمة، شملت تشييد المعابد والآثار، دون تعويض حقيقي، زاعماً أنه كان "يبني دولة". وأدى هذا الاستغلال المفرط للموارد البشرية والطبيعية وقتها إلى إنهاك الشعب وتفاقم معاناته على عدة مستويات، إذ كانت ظروف العمل شاقة ومرهقة، ولا يقابلها حصول العمال المشاركين على أي مقابل مادي عادل. وبالإضافة إلى ذلك، فرضت الضرائب المرتفعة على المحاصيل الزراعية والموارد الطبيعية، الأمر الذي حرم الفلاحين من الاستفادة من خيرات بلدهم، وجعلهم يعانون من نقص الغذاء وضعف الاقتصاد المحلي.
وأدى التفاوت الكبير بين الطبقات إلى تعميق الشعور بالظلم والإحباط بين عامة الشعب الذين كافحوا لتأمين احتياجاتهم الأساسية، فقد كان المواطن المصري "يطفح الكوتة" لتوفير الحد الأدنى من الطعام لمن يعول، بينما يعيش فرعون وحاشيته في رفاهية. وعلاوة على ذلك، اعتمد فرعون على شبكة من المسؤولين والموظفين الذين استفادوا من هذا النظام القمعي، مما أدى إلى تركز الثروة والسلطة في أيدي قلة قليلة، بذلت أقصى ما في وسعها للحفاظ على استقرار الأوضاع وبقاء فرعون، حتى لا يضيع نفوذهم في البلاد، ويصبح أعزة أهلها أذلة.
لم يقتصر الاضطهاد الذي مارسه فرعون على الاستغلال الاقتصادي فحسب، بل شمل أيضاً القمع الديني والثقافي، حيث منع الناس من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، وفرض عبادة الآلهة التي يفضلها هو ونخبته، قائلاً لمن يحكمهم من المصريين "لا أريكم إلا ما أرى". وأدى هذا القمع إلى تآكل الهوية الثقافية والدينية للمصريين، وزاد من شعورهم بالاضطهاد، وجعل من يتمسك بدينه وفرائضه وأحكامه غريباً، يتوارى من القوم خوفاً من بطش زبانية فرعون به، إن اكتشفوا بقاءه على دينه.
رسمت قصة فرعون مع نبي الله موسى وبني إسرائيل لوحة واضحة المعالم، تكشف بجلاء سمات الطغاة في كل زمان ومكان، وتُبرز طبيعة بعض حكام مصر من الفراعنة الذين سعوا وراء السلطة بكل الوسائل الممكنة، وتشبثوا بكرسي الحكم، فأصبح محور حياتهم ومركز اهتماماتهم. وتؤكد لنا القصة أن الطاغية لا يعرف ولاءً حقيقياً إلا لعرشه، فهو الهدف الأول والأخير، ولا شيء يعلو على أهميته. كل شيء آخر، من قيم وأخلاق ومصالح الشعب، يُصبح ثانوياً لا قيمة له إذا تعارض مع الحفاظ على السلطة، فتجد الطاغية يتقرب ممن يعينه على البقاء في الحكم، حتى لو كان خائناً للأمة أو عدواً للشعب، ولا يتردد في التضحية بأي شيء في سبيل بقائه، حتى لو تطلب الأمر التخلي عن الدين أو تدمير الدولة.
تجلى هذا المعنى بوضوح فيما فعله فرعون عندما رأى رؤيا أن ملكه سينتهي على يد رجل من بني إسرائيل، وبدلاً من أن يبحث عن حلول سلمية، أو أن يحسن معاملة بني إسرائيل لكسبهم، اختار الحل الأكثر قسوة ووحشية. أمر فرعون بقتل كل مولود ذكر، في محاولة يائسة لإجهاض الخطر قبل أن يولد، ولم يتردد في أن يبيد شعباً بأكمله، ليضمن بقاءه على العرش. أعمى حب السلطة قلبه وعقله، فلم يرَ في هذا القرار جريمة عظيمة، ولا تهديداً لقيم الإنسانية.
ويعكس هذا السلوك ما يفعله الطغاة في كل عصر؛ حيث يتحول الحكم بالنسبة لهم إلى معركة وجودية، فيقابلون كل تهديد مهما كان صغيراً بأقصى درجات العنف والبطش. إن قصة فرعون ليست مجرد حدث تاريخي، بل درس عظيم يوضح إلى أي مدى يمكن أن يذهب الطغاة في الحفاظ على سلطتهم، حتى لو كان الثمن دمار الأمة بأكملها.
وتُشير بعض الدراسات إلى أن هذا الاستبداد والظلم الاجتماعي والاقتصادي كان له دور في زعزعة استقرار نظام الحكم في مصر وقتها، حيث أدى الاستياء الشعبي المتزايد إلى ظهور حركات مقاومة ومحاولات للتمرد ضد السلطة القائمة، ليساهم الضغط الداخلي، بالإضافة إلى التحديات الخارجية، في إضعاف قبضة فرعون على الحكم.
كان حكم فرعون موسى مثالاً واضحاً على كيفية تسبب الاستغلال السيئ للموارد، وإفساد اقتصادات الدول، والظلم الاجتماعي، في انهيار الأنظمة الحاكمة، إذ إن تجاهل معاناة الشعب، والتركيز على مصالح النخبة وحدها، لا بد أن يتسبب في تفكك المجتمع، وفقدان الثقة في القيادة. وعلى مر العصور، اتفق الفلاسفة ورجال الساسة والاقتصاد، في مختلف أنحاء المعمورة، على أن رفع مستوى معيشة المواطنين ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي لحكام البلاد، وإلا فقد فشلوا في مهمتهم، وينبغي عليهم أن يفسحوا الطريق لعقول وقيادات جديدة.
يمكن القول أيضاً إن تجربة فرعون موسى تُبرز الحاجة إلى أن يكون الحكام أكثر وعياً بمسؤولياتهم تجاه شعوبهم، وأن يسعوا لتحقيق العدالة والمساواة، لضمان استقرار ورفاهية المجتمع ككل. فالقيادة الحكيمة هي التي تسعى لتحقيق التوازن بين مصالح جميع فئات الشعب، وتمنع استغلال أصحاب النفوذ لمناصبهم وعلاقاتهم، وتحمي الفئات الأضعف من الظلم. أما القيادات التي تتأسى بفرعون، فتمشي مشيته، وتنطق بكلماته، وتزين قصورها بعباراته، وتطلب من شعوبها ألا تسمع كلاماً غير الذي تقوله تلك القيادات، فنهايتها محتومة، مهما طال حكمها.
يدرك المصريون أهمية الوحدة في مواجهة الطغاة من الحكام، للحفاظ على ثروات بلادهم وخيراتها، وانتزاع "حياة كريمة" يكفلها لهم انتماؤهم لهذا البلد، وما به من خيرات، بدون مَنٍّ ولا أذى من أي مخلوق. ويعلمنا تاريخ مصر الطويل أن الويل، كل الويل، لمن حكم مصر فاستخف قومه، حتى لو أطاعوه لسنوات!