كشفت بيانات مصرفية أميركية عن إقبال متزايد من قبل كبار المستثمرين ورجال الأعمال على الحصول على قروض مصرفية، خلال الأشهر الأخيرة، للاستفادة من سعر الفائدة الحالي على الدولار قبل زيادته مجددا من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي".
وحسب بيانات نشرها كل من مصرف "مورغان ستانلي" ومصرف "بنك أوف أميركا"، فإن كبار الأغنياء في الولايات المتحدة رفعوا حجم اقتراضهم خلال الربع الثاني من العام الجاري إلى مئات المليارات من الدولارات.
ووفق بيانات مصرف "بنك أوف أميركا"، فإن وحدة إدارة الثروات الخاصة التابعة له سجلت زيادة كبيرة في قروض الأثرياء، بلغت 222 مليار دولار في الربع الثاني من العام الجاري.
من جانبه، قال مصرف "مورغان ستانلي" إن وحدة إدارة الثروات سجلت زيادة في القروض العقارية لأصحاب المال نسبتها 30% خلال الربع الثاني، لترتفع إلى 50 مليار دولار، في حين ارتفعت القروض التي أخذها أصحاب المال مقابل رهن أصول بنسبة 23% إلى 93 مليار دولار.
ويرى القانوني بشركة المحاماة الأميركية "بلسبيري وينثروب شو بيتمان" في نيويورك، مايك كوسنيزكي، أن الأغنياء يستفيدون من أوقات الاضطراب وتراجع الأسواق المالية.
ويقول في تعليقات نقلتها مؤخرا صحيفة "وول ستريت جورنال" إن "الاضطراب في الأسواق هو الوقت المناسب للأثرياء لجني مزيد من الأرباح، لأنه وقت الشراء المناسب لمن يملك المال".
وعادة ما يدفع المليارديرات معدل فائدة منخفض جداً على الأموال التي يستلفونها من البنوك. ومثالاً على ذلك، فإن بنك "ميريل لينش" الاستثماري المتخصص في إدارة الثروات التابع لمصرف "بنك أوف أميركا" يمنح الأثرياء الذين يملكون ثروات تفوق 100 مليون دولار قروضاً مالية تفوق نسبة 50% من أصولهم المرهونة وبنسبة فائدة معدلها 0.87%.
ويعقد مجلس الاحتياطي الفيدرالي اجتماعا يوم27 يوليو/تموز الجاري لرفع سعر الفائدة على الدولار بنسبة قد تصل إلى 0.75%، في محاولة لكبح التضخم الذي وصل إلى معدلات قياسية هي الأعلى منذ 41 سنة.
وهنالك العديد من البنوك السويسرية المتخصصة في إدارة الثروات تمنح فوائد أقل كثيراً من هذه الفائدة، على الرغم من أن الفوائد المصرفية حالياً تفوق 3% و4%. وتشدد البنوك شروط القروض العقارية للعائلات والأفراد.
وحسب بيانات شركة "موديز أنلتيكا"، فإن ثروة الأميركيين ارتفعت بنحو 2.7 تريليون دولار بين يناير/ كانون الثاني 2020 ونهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي 2021. منها أكثر من 50% ذهبت إلى جيوب كبار المليارديرات.
وبحسب عاملون في سوق المال الأميركية، يقترض الأثرياء في العالم الرأسمالي بشراهة، ليس لحاجتهم للسيولة النقدية، ولكن لكسب المزيد من المال واقتناص الفرص الاستثمارية الرخيصة. ويعد الاقتراض واحدة من الحيل التي يستخدمها المليارديرات لتفادي دفع ضرائب على رأس المال.
وعادة ما يتزايد حجم قروض الأثرياء في دورات سعر الفائدة الرخيصة، ويسبقون البنوك المركزية في تكوين "حسابات نقدية" ضخمة في البنوك تمكنهم من تحقيق أكبر الأرباح من لحظات الاضطراب بأسواق المال والدول الناشئة، التي عادة ما تكون بحاجة إلى الدولارات في أوقات الفائدة المرتفعة وقوة الدولار، وربما تضطر لبيع جزء من موجوداتها في الأسهم أو السندات للحصول على سيولة دولارية.
فالقروض بالنسبة للأغنياء تراكم في الثروة وزيادة في الأرباح، بينما بالنسبة للطبقات الوسطى والفقراء ربما تنتهي بهم إلى السجون.
وخلال عامي جائحة كورونا التي هبطت فيها الفائدة المصرفية إلى قرابة الصفر في أميركا وبريطانيا، وتحت الصفر في أوروبا واليابان، تراكمت ثروة الأغنياء بمعدلات خرافية.
على صعيد كيفية استفادة المليارديرات من دورة الفائدة المرتفعة، يقول الخبير المالي البروفسور في جامعة جنوب كاليفورنيا، إدوارد ماك كافري: " كبار أصحاب الثروات لا يحتاجون لبيع مقتنياتهم حينما يرغبون في الحصول على سيولة نقدية، وإنما ببساطة يرهنون أصولهم في السندات أو الأسهم ويحصلون في المقابل على ما يريدونه من أموال.
ويشير البروفسور ماك كافري، في تعليقات نقلتها نشرة "ماركت ووتش"، إلى أن الأثرياء بهذه الطريقة يتفادون دفع ضرائب للدولة على أصولهم المرهونة، كما أنهم يستغلون ثغرات قانون الضرائب الأميركي الخاصة بضريبة الأرباح على رأس المال البالغة حالياً 37%.
وينص قانون الضرائب الأميركي على أن المواطن لا يدفع ضرائب على الأصول ما لم تدفع هذه الأصول أرباحاً نقدية. وبما أنهم لا يبيعون هذه الأصول وإنما يرهنونها، فإنهم لا يدفعون عليها ضرائب. أما بالنسبة للأموال المقترضة، فإنها تظل قروضاً للبنوك لا تدر أرباحاً حتى تدفع عليها ضراب على "أرباح رأس المال".
وبهذه الحيلة، يتمكن الأثرياء في الولايات المتحدة من استخدام نظم الاقتراض للحصول على المال وتنميته وتفادي قوانين الضرائب على أرباح رأس المال. وإضافة إلى تفادى الضرائب، فإنهم كذلك يحصلون على الأموال من البنوك بأسعار فائدة مرتفعة جداً.
وفي أوروبا، يستخدم الأغنياء وسائل عديدة لتفادي دفع ضرائب على أموالهم، من بينها خصم مصاريف الأعمال التجارية وتوظيف أفراد العائلة والتلاعب بالخسائر والاقتراض بين الشركات وفروعها الخارجية وحسابها في سجل الدخل، وتحويل دخل الشركات من الدول ذات الضرائب المرتفعة إلى حسابات مصرفية في الدول التي تفرض ضرائب منخفضة جداً أو تتفاوض مع صاحب الثروة على مبلغ مقطوع، مثل ما هو الحال في المقاطعات السويسرية.
كما يفتح بعض الأثرياء حسابات في دولة مثل إمارة موناكو التي تفرض ضرائب على الدخل الشخصي. وموناكو على الرغم من أنها دولة تابعة للكتلة الأوروبية، ليست لديها العضوية الكاملة. وفي دولة مثل بلغارياً، فإن نسبة الضريبة على الأرباح لا تتجاوز 10%. وكانت الشركات متعددة الجنسيات تستخدم حيل يطلق عليها "السندوتش الهولندي" لتحويل الأرباح من مبيعاتها في أوروبا عبر هولندا إلى مصارف الأوفشور من دون دفع ضرائب على الدخل.