كيف تنهي الحرب على غزة وهم الاستثمار الآمن في إسرائيل؟

02 فبراير 2024
تظاهرات غاضبة في تل أبيب تطالب بإنقاذ الاقتصاد (Getty)
+ الخط -

وضعت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة الاقتصاد الإسرائيلي أمام مأزق حقيقي، وربما يستمر لسنوات.

ويرى البنك المركزي الإسرائيلي، في تقرير الاستقرار المالي الصادر مساء الأربعاء، أن تأثير الحرب على غزة بات محسوسًا في جميع القطاعات الاقتصادية، ويمثل مخاطر رئيسية رغم التدابير التي اتخذت لتفادي صدمة الحرب على غزة.

ويقول البنك في تقريره الذي يصدر مرتين في العام إن صدمة الحرب تركزت في الاقتصاد الكلي، إذ رفعت علاوة المخاطر في البلاد، ويشير إلى أن تداعيات الحرب رفعت كذلك مخاطر الائتمان بشركات المقاولات، بالإضافة إلى ارتفاع مصاريف التمويل، مما كان له أثر سلبي على الوضع المالي لشركات المقاولات.

في السياق ذاته، ترى تقارير غربية أن الكلفة المرتفعة للحرب وتداعياتها المالية ربما تستمر لسنوات على الرغم من التطمينات التي تصدر عن الجهات الرسمية في تل أبيب.

وترى مؤسسة "راند" الأميركية أن التكاليف الاقتصادية للحرب على غزة يمكن أن تتسبب في خسارة إسرائيل لنحو 400 مليار دولار من النشاط الاقتصادي على مدى العقد المقبل، وتهدد مستقبل إسرائيل الاقتصادي. وهذا الرقم أكبر بكثير من تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية لكلفة الحرب البالغة 51 مليار دولار.

ويقول تقرير "راند" إن 90% من الصدمة الاقتصادية لإسرائيل ستأتي من التداعيات غير المباشرة على الاقتصاد المتمثلة في انخفاض الاستثمار، واضطراب سوق العمل، وتباطؤ نمو الإنتاجية، وارتفاع حجم الدين الخارجي، وارتفاع كلفة الاستدانة الجديدة، وهروب الاستثمارات من السوق الإسرائيلية.

من جانبها، أكدت شركة "برايس ووترهاوس كوبرز"، في تقرير عن قطاع التقنية الذي يعد من ماكينات النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية للاقتصاد الإسرائيلي، أن قيمة عمليات التخارج من التكنولوجيا الإسرائيلية، بما في ذلك عمليات الاندماج والاستحواذ والاكتتابات العامة، تراجعت بنسبة 56 في المائة إلى 7.5 مليارات دولار من 16.9 مليار دولار في العام السابق.

وأشارت الشركة إلى أن العديد من الشركات الناشئة المحلية تكافح من أجل جذب التمويل الأساسي، وخاصة من المستثمرين الأجانب، في حين أنه من غير المرجح أن تتم الصفقات الكبرى.

من جانبه، قال المستثمر الإسرائيلي جون أفيريت، في مقابلة مع صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية نشرت الاثنين الماضي: "يوجد حاليًا تريليون دولار محاصرة في صناديق رأس المال الاستثماري بإسرائيل"، مضيفا أن "وضع السوق الحالي في إسرائيل يمثل عاصفة حقيقية بالنسبة لنا في صناديق الاستثمار".

ويلاحظ أن هؤلاء المستثمرين في هذه الصناديق في حاجة ماسة إلى السيولة، ولكنهم ربما لن يتمكنوا من ذلك بسبب الخسائر الضخمة التي سيتكبدونها في حال بيع أصولهم.

ضرائب مرتفعة

ويرى تقرير "فورين ريبورت" الصادر الأربعاء أن "الضرائب المرتفعة التي تنوي الحكومة الإسرائيلية فرضها لتغطية نفقات الحرب ستؤدي إلى إعاقة تطوير الأعمال والنمو، وفي نهاية المطاف، النمو الاقتصادي".

ويشار إلى أن إسرائيل تمتعت لسنوات عديدة بتصنيف ائتماني قوي بشكل غير عادي بفضل مواردها المالية الحكومية، ولكن بيئة الأمن القومي الأقل أمانًا بعد عملية "طوفان الأقصى" والحرب رفعت المخاطر الاستثمارية أمام المستثمرين الأجانب لاستثمار أموالهم في إسرائيل.

وأكد التقرير أن البيئة الأمنية ستكون لها آثار عميقة على قطاع الشركات الناشئة في إسرائيل، الذي يجمع نصف رأسماله أو أكثر من الخارج، ويعتمد بشكل كبير على قوة عاملة غالبيتها الساحقة من الشباب والذكور الذين سيؤدون الآن المزيد من الخدمة العسكرية. كما أن المخاطر الأمنية قد تدفع مهندسين ورجال أعمال للهجرة إلى الخارج. وببساطة فإن "وهم إسرائيل كواحة آمنه لبناء الثروة انهار بشكل كبير بسبب الحرب على غزة وتداعياتها"، حسب التقرير.

على الصعيد الداخلي، يعاني المواطن الإسرائيلي من ارتفاع معدل التضخم الذي يثير الغضب الشعبي ضد حكومة بنيامين نتنياهو، ويهدد ببقاء الفائدة المصرفية مرتفعة، وبالتالي عرقلة تمويل الاقتصاد وحرمانه من النمو.

وفي الشهر الماضي، تعرضت إسرائيل لموجة ارتفاعات شديدة في أسعار السلع وبعض الخدمات، كان آخرها ارتفاع أسعار الوقود أول أمس.

ويقول تقرير بصحيفة "غلوبس" الإسرائيلية، في هذا الشأن، إن "أسعار المواد الغذائية ترتفع بشكل حاد في إسرائيل، وتواصل الشركات فرض أسعار مرتفعة".

وحتى الآن، وفرت الحرب على غزة وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر العذر للشركات الإسرائيلية لـ"رفع أسعار السلع الغذائية كما تشتهي"، حسب ما يقول منتقدو المتاجر الكبيرة في إسرائيل. ولكن التقارير الدولية تشير بوضوح إلى أن هجمات الحوثيين رفعت كلف نقل السلع، حيث تراجعت العديد من الشركات عن مسار الرحلات عبر البحر الأحمر ولجأت إلى رأس الرجاء الصالح، وهو ما رفع تلقائياً من كلف النقل، ورفع كذلك من شهادات التأمين.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإن العديد من شركات الشحن البحري تفادت الرسو في الموانئ الإسرائيلية بسبب كلفة مخاطر الحرب. وارتفعت أسعار شحن الحاويات من 1500 دولار إلى 7200 دولار، كما تضاعفت مواعيد التسليم بسبب طول الرحلات حول أفريقيا.

ويرى محللون إسرائيليون أن ضعف الشيكل مقابل الدولار ساهم كذلك في رفع أسعار السلع المستوردة.

قطاع التقنية

ولاحظ تحليل "فورين ريبورت"، الصادر يوم الأربعاء، أن الأعوام الثلاثين التي سبقت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كانت سنوات "فورة الشركات الناشئة"، إذ تبنت إسرائيل نموذج الشركات الناشئة في وادي السليكون بحماسة ملحوظة، الأمر الذي أدى إلى نموها كقوة عالمية هائلة في مجال التكنولوجيا الفائقة.

وقد خلق هذا القطاع أعداداً هائلة من الوظائف ذات الأجور الجيدة، واجتذب مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية، كما خلق فائضاً تجارياً غير مسبوق، وبالتالي ساهم في بناء الثروات، ومكن بالتالي الحكومة من خفض الضرائب الشخصية إلى مستوى أقل بقليل من المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. لكن بعد عملية "طوفان الأقصى" وتداعيات الحرب، يقدر أن يرتفع الإنفاق الدفاعي بنسبة تقترب من 80 في المائة هذا العام (بإضافة المساعدات الأميركية)، أو نحو 70 مليار شيكل (حوالي 20 مليار دولار).

ولا يزال هذا الرقم محل نقاش، ولكن المؤكد أن الإنفاق على الحرب سيرتفع بنحو 20 مليار شيكل ( 5.46 مليارات دولار) خلال العام الجاري. ولدفع هذه التكاليف، اختارت حكومة الاحتلال خفض الإنفاق في الخدمات وزيادة عجز الموازنة إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، لذا يرى تقرير "فورين ريبورت" أنه إذا ظل الإنفاق العسكري عند مستوى مرتفع على مدى السنوات القليلة المقبلة، فسوف تضطر إسرائيل إلى زيادة الضرائب على المواطنين. و"يبدو أن ارتفاع الإنفاق العسكري أمرٌ لا مفر منه، حتى لو انتهت حرب غزة أو أصبحت حرباً أقل حدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة".

الديون الإسرائيلية

يقول مراقبون إن السوق العالمية لا تزال تضع علاوة مرتفعة للغاية على ديون إسرائيل الدولية، بالنظر إلى أن الحرب مستمرة، وتشعر السوق بالقلق بشأن كيفية تأثير الحرب على نمو إسرائيل ومستويات الدين العام، والتصنيفات السيادية اللاحقة.

ويفوق الدين الإسرائيلي نسبة 60% من إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي الذي كان يقدر قبل الحرب بنحو 522 مليار دولار، وفق بيانات صندوق النقد الدولي. ويرى بنك إسرائيل أن "الزيادة المستمرة، وليس المؤقتة، في صافي الدين الحكومي العام دون اتخاذ تدابير تعويضية يمكن أن تشكل مخاطر على الاقتصاد الإسرائيلي". وقال البنك إن "هذا هو أحد الأسباب التي تجعل التصنيفات في الوقت الحالي تتمتع بنظرة مستقبلية سلبية".

يذكر أن حجم الدين الخارجي الإسرائيلي كان يبلغ 155.2 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول 2023، أي قبل عملية "طوفان الأقصى".

المساهمون