في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، يتوجه الناخبون في الولايات المتحدة للاقتراع، في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس 2022، والتي يتوقع أن تكون لها تأثيرات جمة على الكثير مما يهم المواطن، وفي مقدمة ذلك سوق الأسهم الأميركية، التي طاول تأثيرها الأغلبية العظمى من الأميركيين خلال السنوات الأخيرة.
ويسيطر الديمقراطيون على مجلسي الكونغرس، ولكن بهوامش ضئيلة للغاية، حيث يسيطرون على مجلس النواب بـ 220 مقعداً، بينما يشغل الجمهوريون 212 مقعداً. وفي مجلس الشيوخ، هناك انقسام بنسبة 50/50، إلا أنّ الديمقراطيين يسيطرون على القرارات، بفضل الصوت الفاصل لنائبة الرئيس كامالا هاريس.
وفي الطريق إلى يوم الانتخابات، سيكون تركيز المستثمرين، المعني أغلبهم بأحوال الاقتصاد، على مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، الذي يستعد لإعلان قراره الخاص بمعدل الفائدة على أمواله ثاني أيام الشهر، والذي تشير أغلب التوقعات إلى أنه سيكون رفعاً بـ45 نقطة أساس.
ومع توالي رفع معدلات الفائدة، تراجعت أسهم شركات التكنولوجيا أكثر من أي قطاع آخر، وبات مؤشر ناسداك، الذي تغلب عليه أسهم تلك الشركات، الأسوأ أداءً بين المؤشرات الرئيسية، بنسبة تراجع تجاوزت 30%.
ولن يقتصر تأثير ارتفاع الفائدة على شركات التكنولوجيا، كونه يضع الأميركيين في حالة توتر؛ بسبب استمرار تزايد المخاوف من الركود.
تقلبات عنيفة
وعلّمت الخبرات التاريخية الأميركيين أنّ الأسواق عادة ما تشهد تقلبات عنيفة، بالسلب أو الإيجاب، في أعقاب الانتخابات، إلا أنّ الضعف الحالي للاقتصاد الأميركي، بحسب تعبير العديد من الرؤساء التنفيذيين لبعض أكبر الشركات الأميركية، قد ينتج عنه بعض الآثار طويلة المدى.
وخلال الأسابيع الأخيرة، أعرب كل من الرئيس التنفيذي لشركة أمازون جيف بيزوس، والرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، والرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار "غولدمان ساكس" ديفيد سولومون، والرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان" جيمي ديمون، عن تخوفهم من تسبب استمرار رفع معدلات الفائدة في دفع البلاد نحو الركود.
ووفقاً لمجموعة CNC Financial Group، فإنّ حزب الرئيس الديمقراطي جو بايدن خسر مقاعد في 13 مرة بمجلس النواب، وتسع مرات في مجلس الشيوخ، على مدى العقود الستة الماضية، في 15 انتخابات تجديد نصفية.
ويعتقد محللو الأسواق في أميركا أنّ أفضل نتيجة يمكن توقع ارتفاع الأسواق بعدها، هي احتفاظ الحزب ذي الأغلبية بسيطرته على المجلس، كما حدث في احتفاظ الحزب الجمهوري بسيطرته على مجلس الشيوخ في انتخابات 2018، إلا أنّ الديمقراطيين تمكنوا وقتها من استعادة مجلس النواب، وهو ما حدّ من ارتفاع مؤشرات الأسهم في اليوم التالي، وأبقاها بالقرب من 1%.
وتقول وكالة بلومبيرغ إنّ الخبرات التاريخية تشير إلى أنّ أداء السوق في الغالب كان دون المستوى، في العام الذي سبق انتخابات الكونغرس، وهو ما سيكون متسقاً مع ما حدث العام الحالي في سوق الأسهم الأميركية. وبخلاف ذلك، فقد شهدت الأسهم ارتفاعات كبيرة في العام التالي لتلك الانتخابات، حيث تجاوز متوسط ارتفاع مؤشر إس آند بي 500 في 12 شهراً تلت الانتخابات نسبة 16%.
وتقول شركة تشارلز شواب، المتخصصة في السمسرة وعمليات البورصة ومختلف الخدمات المالية، إنه منذ عام 1946، في ما يقرب من 90% من المرات، أو في 17 من آخر 19 انتخابات تجديد نصفية، تحسن أداء الأسواق خلال الشهور الستة التالية للانتخابات، مقارنة بالأشهر التي سبقتها.
تأثير محدود
وفي بيان منشور على موقع "تشارلز شواب"، الخميس الماضي، قالت كبيرة محللي الاستثمار بالشركة ليز آن سوندرز: "غالباً ما يكون الأداء المتفوق بعد الانتخابات مدفوعاً بتوقعات السوق بزيادة الإنفاق الحكومي من الكونغرس الجديد، إلا أنّ احتمالات ضخ المزيد من الأموال تكاد تكون منعدمة هذا العام، بعد مستويات الإنفاق التاريخية التي أعقبت ظهور وانتشار الوباء، وتسببت على الأرجح في معدل التضخم الأعلى في أكثر من أربعة عقود".
وأشارت سوندرز إلى أنّ تعقيدات الفترة الحالية، التي تجمع بين التضخم المرتفع، والحرب في أوكرانيا، والوباء المستمر، تجعل التوقعات تصب في صالح عدم وجود تأثير للانتخابات المقبلة، مقارنةً بانتخابات التجديد النصفي السابقة.
وأظهرت أحدث بيانات لأرقام للناتج المحلي الإجمالي الأميركي، أنّ الاقتصاد قد انتعش في الربع الثالث بمعدل سنوي 2.6%، بعد الانكماش الذي أنكره الجميع في الأشهر الستة الأولى من العام.
وجاء أكبر دعم من صافي التجارة، بعد ارتفاع الصادرات وتراجع الواردات، كما جاء الاستهلاك الحقيقي متماشياً مع التوقعات، في حين كانت سوق العقارات هي الأكثر تباطؤاً خلال الربع الأخير، حيث انخفضت بنسبة 26% مقارنةً بنفس الربع من العام الماضي.
نسبة رضا متدنية
وقبل عشرة أيام من موعد انتخابات الكونغرس 2022، لفت بنك "جي بي مورغان تشيس"، إلى أنّ الرئيس جو بايدن يتمتع برضا 41% فقط من الناخبين عن أدائه، وأقل من 25% يؤيدونه بشدة. ويظهر التاريخ، كما يقول البنك، أنه عندما تكون نسبة الرضا عن أداء الرئيس أقل من 50%، يخسر عادة حزبه في المتوسط 36 مقعداً في مجلس النواب.
وقال البنك إنه بعد الحرب العالمية الثانية، خسر الحزب صاحب الأغلبية، في المتوسط، 12 مقعداً في مجلس النواب وواحداً أو اثنين في مجلس الشيوخ، في انتخابات التجديد النصفية.
وأضاف "خلال الثلاثين عاماً الماضية، خسر (بيل) كلينتون 52 مقعداً، وخسر (جورج) بوش الابن 30 مقعداً، وخسر (باراك) أوباما 63 مقعداً، وخسر (دونالد) ترامب 40 مقعداً. وفي الواقع، فاز الرئيس المنتخب حديثاً بمقاعد مرتين فقط في القرن الماضي، كانت أولاهما عام 1934، في أعقاب الكساد الكبير والأخرى عام 2002، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر".
وفيما يتعلق باستطلاعات الرأي الأخيرة، يقول "جي بي مورغان تشيس"، إنّ "التضخم المرتفع باستمرار أدى إلى تآكل الدعم للديمقراطيين"، مشيراً إلى أنّ القضايا الاقتصادية، مثل ضغوط تكلفة المعيشة المستمرة، والقضايا الاجتماعية، مثل حكم المحكمة العليا بشأن الإجهاض، قد تكون عوامل متأرجحة لبعض الناخبين، إلا أنّ استمرار البنك الفيدرالي في إبطاء النشاط الاقتصادي يمكن أن يزيد من سلبية هذه القضايا".
احتمالات ثلاثة
وقسّم البنك، الذي يعد الأكبر في أميركا من حيث الأصول، الاحتمالات بشأن انتخابات الكونغرس الأميركي 2022 إلى ثلاثة:
- أولها انتزاع الجمهوريين للسيطرة على واحد فقط من مجلسي الكونغرس، واعتبر هذا الاحتمال الأقل تأثيراً على الأسواق الأميركية، "حيث لا تمر التشريعات الشائكة عادة من خلال كونغرس منقسم بين الحزبين".
- وفي الاحتمال الثاني، الخاص بانتزاع الجمهوريين السيطرة على المجلسين، فسيكون معنى ذلك، عجز الديمقراطيين عن تمرير أغلب ما تبقى من تشريعات وعدوا بها خلال الانتخابات الأخيرة، وهو ما يعني تراجع فرص "زيادة الضرائب، وفرض التشريعات الخاصة بشركات التكنولوجيا الكبرى، وتنظيم صناعة الوقود الأحفوري، وغيرها من القضايا المتعلقة بالتغيرات المناخية والبيئية"، بحسب البنك.
- أما الاحتمال الأخير، غير المرجح من جانب "بنك جي بي مورغان تشيس"، فهو الخاص باحتفاظ الديمقراطيين بالسيطرة على الكونغرس بحزبيه، إذ سوف يؤدي إلى مزيد من التقلبات في الأسواق، كما يتوقع البنك، كونه سيؤدي إلى "فرض ضرائب أعلى، وتشريعات أكثر مراعاة للبيئة للشركات، كما التضييق على شركات التكنولوجيا الكبرى".