تتصاعد مخاوف قطاع الأعمال في تونس من فقدان صفقات إعادة إعمار ليبيا، بعد تضييق السلطات التونسية على رجال الأعمال عبر إجراءات تقييد السفر، فضلاً عن توتر الأجواء بين طرابلس وتونس، بينما تتزايد تحركات المنافسين، لا سيما الشركات المصرية من أجل الحصول على أكبر قدر من كعكة الإعمار التي تقدر قيمة مشاريعها بأكثر من 110 مليارات دولار.
وكشف وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الوحدة الوطنية الليبية محمد الحويج، قبل أيام، أن حكومته وقّعت مع مصر عدداً من العقود بلغت قيمتها 33 مليار دولار، لتنفيذ ما جاء في المذكرات والاتفاقيات خلال الفترة المقبلة، بما يقارب ثلث قيمة مشروعات الإعمار المقدرة في ليبيا.
وعبّر عدد من رجال الأعمال التونسيين عن قلقهم من خسارة تونس لموقعها في السوق اللبيبة أمام التقدم المصري، فضلاً عن زحف السلع التركية على السوق الليبية لتزويد الأسواق بالمواد التموينية الأساسية.
وتسبب إغلاق المعبر الحدودي البري بين تونس وليبيا وتعليق رحلات الطيران في حالة إحباط عامة للمتعاملين الاقتصاديين وللعمالة التونسية، التي كانت تستعد للسفر إلى ليبيا من أجل بحث صفقات إعادة الإعمار أو التشغيل.
ونتيجة تفشي فيروس كورونا في تونس قررت السلطات الليبية بصفة أحادية غلق حدودها أمام التونسيين في يوليو/ تموز الماضي، ليستمر الغلق لمدة ثمانية أسابيع عرفت خلالها الأجواء التونسية الليبية توتراً استدعت تدخلات سياسية على أعلى مستوى.
وجاءت مرحلة غلق الحدود بعد جهد طويل بذلته المنظمات المهنية لرجال الأعمال من أجل استعادة موقع تونس في السوق الليبية وبدء مناقشة حصول شركات تونسية على صفقات لإعادة الإعمار في قطاعات خدمية بالأساس.
وقال رجل الأعمال التونسي عبد الحفيظ السكرافي لـ"العربي الجديد" إن تكتلات رجال الأعمال اشتغلت لأشهر طويلة من أجل ضمان حصة تونس في صفقات إعادة الإعمار التي يرجّح أن تبلغ 10 مليارات دولار على مدى السنوات المقبلة، لكن هناك قلقاً بالغاً من تسرّب الصفقات، حيث تحوّلت ليبيا إلى ساحة نشطة لمفوضي الشركات متعددة الجنسيات التي تبحث عن نصيب لبلدانها من صفقات بلد يستعد لمشروعات إعمار كبرى.
وعمّقت الأزمة الليبية على امتداد السنوات العشر الماضية جراح الاقتصاد التونسي الذي يمر بصعوبات كبيرة جراء حالة الغموض والاضطرابات السياسية والاجتماعية وتراجع السياحة والاستثمار والاحتجاجات.
وكشف تقرير حديث للبنك الدولي أن تونس تخسر نحو 800 مليون دولار سنوياً كتأثير مباشر للأزمة الليبية بين استثمارات وصادرات، وشملت هذه الخسائر.
وحذر معز الحريزي، رئيس منظمة تونس تنتج (منظمة مدنية)، من تعثر العلاقات التجارية بين تونس وليبيا، مشيراً إلى أن تونس كانت قبل 2011 تحتل المرتبة الأولى في الصناعات والمنتجات الغذائية الموجودة في السوق الليبية، غير أنها خسرت جزءاً من وجودها في هذه السوق مقابل توسع الحضور التركي والمصري.
وقال الحريزي لـ"العربي الجديد" إن الشركات التركية والمصرية لا تعمل بشكل منفرد في ليبيا، بل تقف وراءها دولها وحكوماتها، لافتاً إلى أن الدول الحاضرة في الساحة الليبية استغلت إغلاق الحدود بين تونس وليبيا لتعزيز وجودها هناك.
وعقب تسلّم سلطات ليبيا الرسمية مهامها في مارس/ آذار الماضي، تشكل مشهد تجاري جديد في المناطق الحدودية التونسية التي تعيش أساساً من التجارة البينية مع ليبيا، بفرعيها الرسمي وغير الرسمي وشهدت المناطق الحدودية زيادة على الطلب على الدولار من أجل تسيير العمليات الاقتصادية.
وفي مقابل المخاوف التي يبديها الكثير من رجال الأعمال التونسيين بشأن انحسار وجودهم في ليبيا، رأى أنيس الجزيري، رئيس مجلس الأعمال التونسي الأفريقي، أن المخاوف من فقدان السوق الليبية غذتها الدعاية الإعلامية التي تمارسها بعض الدول من أجل إرباك المتعاملين الاقتصاديين، الذين يستعدون للرجوع إلى ليبيا بعد إعادة فتح الحدود.
وقال الجزيري لـ"العربي الجديد" إن لتونس مكانة ثابتة في السوق الليبية رغم الصراع بين الدول الكبرى على المشاريع الكبرى، مشيراً إلى أن العقود التي وقعتها بعض الدول لا تتجاوز حدود النوايا نظراً لعدم إقرار البرلمان الليبي لموازنة تتيح للحكومة البدء في تنفيذ المشاريع.
وأضاف أن "الأسبقية التاريخية لتونس في الساحة الليبية يجعل حصتها من صفقات إعادة الإعمار شبه مضمونة"، مشيراً إلى أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين تجاوز 450 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الحالي.