كابلات الإنترنت... هل تتحول إلى أهداف في صراع روسيا والغرب؟

13 أكتوبر 2022
شبكات الإنترنت حيوية لقطاعات أساسية مثل الغذاء والخدمات المالية (Getty)
+ الخط -

بعد مرور نحو سبعة أشهر على بدئها، تحولت الحرب الروسية الأوكرانية من نزاع محلي بين بلدين متجاورين، إلى مواجهة شاملة متعددة الأطراف بلا قواعد وخطوط حمر، وصلت إلى حد استهداف خطوط أنابيب غاز وعناصر للبنية التحتية المدنية الحيوية في أوروبا، كما جرى لخطَي نقل الغاز الروسي لأوروبا، وكابلات سكك الحديد في ألمانيا، وخطي أنابيب دروجبا النفطيين اللذين يربطان روسيا بألمانيا، واكتشاف تسرب في بولندا يوم الثلاثاء.

ولما كانت قطاعات كاملة من اقتصادات الدول مثل المصارف وحجز تذاكر الطيران، تعتمد اليوم على الإنترنت كأداة لاستمراريتها، زاد ذلك من المخاوف على البنية التحتية للاتصالات، وفي مقدمتها كابلات الإنترنت الممتدة عبر أعماق البحار.

يلفت مسؤول التنمية في شركة "بورصة تيليكوم"، فاسيلي بيمينوف، إلى أن كابلات الإنترنت البحرية هشة، إلى حد كبير، موضحاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن خطر قطع كابلات الإنترنت الممتدة عبر البحار والمحيطات أو إتلافها أسهل من استهداف خطوط أنابيب الغاز.

اضطرابات في الشبكات لفترة طويلة

مع ذلك، يستبعد بيمينوف احتمال انقطاع الإنترنت عن دول كاملة وتعطل قطاعات اقتصادها، مضيفاً: "صحيح أن أي قطع للكابلات سيؤدي إلى وقوع اضطرابات في الشبكات لفترة طويلة، لكنّ الموارد الداخلية لكلّ بلد ستكون كافية لاستمرار عمل الخدمات الداخلية الأساسية، وكأنّها شبكة داخلية في مقر لشركة ما".

يتابع أنه على سبيل المثال، فإنّ خدمة "ميل.رو" الروسية للبريد الإلكتروني ستستمر في العمل في كلّ الأحوال داخل روسيا، لكنّ مستخدمي بريد "غوغل" قد يعانون صعوبات.

لكنّه يؤكد أنّ المشكلات المتعلقة بالخدمات الحيوية مثل الصيرفة وحجز تذاكر الطيران في حال قطع كابلات الإنترنت ستكون مزعجة، بيد أنّها قابلة للحلّ، إذ يمكن توفير اتصالات الإنترنت لها عبر الأقمار الصناعية.

بدوره، يرى الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، قسطنطين بلوخين، أن انتقال أطراف النزاع الأوكراني إلى مرحلة استهداف عناصر البنية التحتية الحيوية سابقة خطيرة وتجاوز لخطوط حمر سابقة، من دون أن يستبعد الاحتمال أن تصبح كابلات الإنترنت ذات يوم هي الأخرى هدفاً لهجمات أو أعمال تخريبية.

ويقول بلوخين، لـ"العربي الجديد": "خلال فترة وجيزة، استهدفت البنية التحتية الروسية مرتين: الأولى عند تخريب أنابيب خطي نورد ستريم 1 و2 في بحر البلطيق، والثانية عند تفجير جسر القرم، ما يعني أنه ليس هناك شيء يضمن حصانة عناصر أخرى للبنية التحتية الحيوية، بما فيها كابلات الإنترنت البحرية".

استهداف البنية التحتية الحيوية

ويعتبر أنّ استهداف البنية التحتية المدنية يشكل سابقة خطيرة، مضيفاً: "نعيش في عالم مترابط اقتصادياً، وحتى الآونة الأخيرة ظل استهداف البنية التحتية الحيوية من المحظورات، إذ إنّ تدميرها لم يكن يصب في مصلحة أحد، لكنّ الوضع لم يعد كذلك، في ما يبدو".

ومن اللافت أنّ خدمة الإنترنت في أوكرانيا لم تعد اليوم تؤدي دوراً حيوياً في الحياة اليومية والاقتصادية فحسب، إنّما أيضاً لتنسيق أعمال قوات الجيش الأوكراني على خط التماس في شرق البلاد.

وفي الأيام الماضية، أفادت تقارير إعلامية أميركية بأنّ العسكريين الأوكرانيين أصبحوا يشكون من تزايد الاضطرابات في أداء الإنترنت فائق السرعة لتبادل المعلومات، المتوفر عبر خدمة "ستارلينك" المقدمة بواسطة شركة "سبيس إكس" المملوكة للملياردير الأميركي، إيلون ماسك، الذي يعد أثرى أثرياء العالم.

وبحسب تقارير سابقة واردة في أغسطس/آب الماضي، فإنّ ما يصل إلى 90% من حركة مرور "ستارلينك" في أوكرانيا، كانت متعلقة بعمل الجهات العسكرية والحكومية.

وتراوحت الروايات حول أسباب وقوع هذه الاضطرابات بين عمل القوات الروسية على التشويش على إنترنت "ستارلينك" وصولاً إلى تراجع ماسك عن دعم أوكرانيا بعد حثه كييف على القبول بالسيادة الروسية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في عام 2014.

وكتبت قناة "ريبار" التحليلية الروسية على "تيليغرام" في نهاية الأسبوع الماضي: "الاضطرابات في أداء ستارلينك في أوكرانيا قد تكون لها علاقة بالاختبارات الميدانية لنظم التشويش الراديوية - الإلكترونية تيرادا المخصصة لردع خطوط اتصالات الأقمار الصناعية للعدو".

من جانب آخر، ذكّر موقع "توب وار" العسكري الروسي بأن ماسك دعا مؤخراً إلى حلّ النزاع في أوكرانيا بطريقة دبلوماسية، مقترحاً الاعتراف بروسيّة القرم، وهو ما أثار استياء كييف. مع ذلك، أقر الموقع بأنّ السؤال حول وجود صلة بين تصريحات ماسك ورد الفعل الأوكراني، يبقى مفتوحاً.

تكنولوجيا جديدة

إلّا أنّ بلوخين يلفت إلى أنّ "ستارلينك" شأنها في ذلك شأن أي تكنولوجيا جديدة، قد تحدث بها اضطرابات لا تعود بالضرورة إلى عوامل خارجية. وفي تلك الأثناء، حظيت دعوة ماسك بترحيب موسكو، إذ وصل الأمر إلى حدّ تعالي أصوات بمجلس الدوما (النواب) تدعو إلى تولي ماسك رئاسة الولايات المتحدة من أجل بناء علاقات براغماتية متبادلة المنفعة، وفق النائب عن القرم ميخائيل شيريميت.

في الوقت الراهن، يزداد الخوف من اتساع نطاق الاستهداف مع توسع الصراع بين روسيا والغرب. وبالنسبة للأوروبيين، فإنّ البنية التحتية لا تقتصر على قطاع تخزين الطاقة فقط، بل تشمل قطاعات حيوية لمجتمعاتها، مثل كابلات الإنترنت وشبكات الهاتف، لما لها من تأثيرات مباشرة على قطاعات مصيرية مثل الخدمات المالية والغذاء والأمن والنقل.

المساهمون