تتعاظم الضرورة، بواقع التطورات، لإعادة النظر بكثير من المفاهيم والمصطلحات وحتى القضايا، بعد تفريغ المستجدات محتوياتها أو تغيير منطلقاتها وغاياتها على الأقل.
وربما ينبغي إعادة النظر بمفهوم "المنتجات الحلال" من أساسه، إذ من غير المنطقي أن نرى في مستحضر تجميل منتجاً حراماً لمجرد احتمال أن يدخل في صناعته شحم الخنزير، بينما نرى منتجاً حلالاً في الأسلحة التي تقتل آلاف البشر يومياً.
فحصر مفهوم الحلال باللحوم والدواجن والألبان "الخالية من دهون الخنزير" أو المياه المحفوظة قريباً من تخزين الكحول والحلويات التي تحتوي جيلاتين حيوانيا، هو حقيقة ناقصة إن لم نقل إنها التفاف على المفهوم ومحاولة السيطرة على الأسواق المالية والإنتاجية والخدمية، بلبوس عاطفي روحاني.
إذ من غير المنطقي أن أرى في منتج غذائي محضر على غير "الطريقة الإسلامية" حراماً وأغض عين التحريم عن تنامي التبادل التجاري مع دول وأطراف، في مقدمتها إسرائيل، تقتل البشر وتحتل مقدسات المسلمين، بل وتسعى لطمسها وتقويضها.
فذهنية التحريم التي تلاحق السياحة الحلال تشيح عن تبادل تجاري إماراتي إسرائيلي تعدى 2.6 مليار دولار، ولا تعير اهتماماً لحجم التجارة بين الأردن وإسرائيل التي تعدت 536 مليون دولار أو مع مصر وحتى تركيا، بعد أن بلغ حجم التبادل بين أنقرة والكيان 8 مليارات دولار.
قصارى القول: أسدلت إسطنبول، قبل أيام، ستارة معرض "حلال إكسبو" الدولي بنسخته التاسعة و"القمة العالمية للحلال"، بمشاركة 500 شركة مثلت 40 دولة، من دون أن ترى ضرورة إعادة النظر في تعريف المفهوم أو تدعو، بناء على مستجدات الأحداث واتساع رقعة المقاطعة، لتأطير جديد لتجارة الحلال، بعيداً عن التغرير المنبعث من كعكة 7 تريليونات دولار، حجم سوق الحلال العالمي اليوم، والمتوقع أن يصل إلى 10 تريليونات خلال السنوات الخمس المقبلة.
بل كررت القمة معلومات إنفاق المستهلكين بالدول الاسلامية على المنتج الغذائي الحلال ومغريات تلك الأسواق التي من المتوقع أن يتخطى إنفاق مستهلكيها 1.5 تريليون دولار عام 2026، أيضاً من دون أن تومئ إلى أن الدول الإسلامية هي ثاني أكبر مستورد للأسلحة بشكل ملموس وموّثق، ومن أكثر الدول استهلاكاً للخمور بالخفاء، في حين تحرّم الدول ذاتها منتجاً غذائياً لشكوك تتعلق باحتمال دخول الخمر في مكونات إنتاجه.
نهاية القول: أكيد ليس المقصد الدعوة لنسف إنتاج الحلال أو وصد أبواب المنشآت وإغلاق الأسواق، بل إعادة النظر بهذا الالتفاف الملتبس التي وجدته الدول طريقة عاطفية لزيادة مبيعات إنتاجها بالأسواق الإسلامية والعربية خاصة.
وإن بحثنا عن الدول العشر الأكثر تصديراً للمنتجات الحلال، أي الهند والبرازيل والنمسا والولايات المتحدة والأرجنتين ونيوزيلندا وفرنسا وتايلاند والفيليبين وسنغافورة، والتي تنتج نحو 85% من إنتاج الحلال وجميعها غير مسلمة، فوقتذاك قد نبدأ بفهم الحكاية وطرائق الترويج والتغرير.
أما إن بحثنا عن أول الدول التي قطعت علاقتها مع أُسّ الحرام، إسرائيل، بعد حربها على غزة وتجويعها الشعب وقتلها الأطفال وتهديمها المشافي، فسنجد أيضاً أنها غير مسلمة.
وهذا ما يعزز ضرورة إعادة النظر في ذهنية التحريم التي وجد فيها مفتو الحكام العرب، قبل صناع السياسة والاقتصاد بالعالم، طريقة مثلى لتخدير الشعوب وابتزاز حقوقها.