أمس، كشف رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع عن وجود خطة تستهدف ازدواج القناة التي تصنف بأنها أهم ممر مائي عالمي، وهو ما يعني وجود قناتين متوازيتين بطول 192 كيلومتراً لكلّ منهما بدلاً من قناة واحدة حالياً، وتدشين تفريعة جديدة قد تطول مساحتها عن تفريعة العام 2015.
والهدف من المشروع الجديد، كما تردد، هو حل أزمة انتظار السفن داخل القناة، والقضاء على نقاط الاختناق، وهو ما يفتح الباب أمام زيادة عدد السفن العملاقة المارة، وسرعة العبور من البحر الأحمر للبحر المتوسط والعكس.
وبحسب تصريحات ربيع فإن الدولة اتخذت خطوات جدية تجاه تنفيذ هذا المشروع العملاق، فقد أجرت الحكومة بالفعل دراسات مبدئية لمشروع ازدواج قناة السويس وعرضتها على القيادة السياسية، وهناك شركات متخصصة تعمل بالفعل على إعداد دراسات الجدوى الخاصة بمشروع ازدواج قناة السويس، لتحديد الشركاء الذين يمكن للحكومة العمل معهم، وأنه بمجرد الانتهاء من الدراسات سيتم التصديق عليها، قبل بدء العمل.
رفع الروح المعنوية للمصريين، المبرر الذي سيق في تفريعة 2015، لن يجدي نفعا هذا المرة، ولن يقنع أحدا، مع التكاليف الضخمة التي تحملها الاقتصاد جراء المشروع
هذا يعني أن خطوات تنفيذية بدأت بالفعل لتدشين قناة السويس الجديدة، ولمن لا يعرف طبيعة قناة السويس حاليا، فإنه حتى الآن لا يوجد ازدواج كامل للقناة رغم التفريعة العملاقة التي تم إنجازها في العام 2015 بتكلفة حوالى 8 مليارات دولار وبطول 35 كم.
وإن القناة تحتاج إلى تطوير وتفريعات جديدة مع توسيع وتعميق التفريعات القائمة ومنها تفريعات البحيرات المرة والبلاح، وذلك رغم التفريعات الكثيرة التي تم إنجازها إبان فترات حكم عبد الناصر والسادات ومبارك، وإنه بالحسابات باق 80 كيلومترا في قناة السويس لم يحدث لها ازدواج منها 50 كيلومترا في الشمال و30 كيلومترا في الجنوب وفق الأرقام التي قدمها الفريق ربيع.
وعدم الازدواج الحالي يعني فترة أطول لبقاء السفن والشاحنات العملاقة داخل ممر قناة السويس، ففي بعض الأماكن يتم التناوب بين سفن النفط والغاز الطبيعي والسلع الضخمة في حركة المرور، وهو ما يعني فترة أطول وتكلفة أكبر. لكن هل الحركة الحالية أو المتوقعة تتطلب شق قناة سويس جديدة.
ومع تسليمنا المطلق بأهمية أي مشروع يستهدف تطوير قناة السويس الحالية والعمل على زيادة مواردها الدولارية باعتبارها واحدة من أبرز موارد الدولة من النقد الأجنبي، خاصة مع زيادة المنافسة الشرسة من قبل ممرات دولية بديلة ومعابر برية يجري تجهيزها سواء في الخليج وروسيا أو إيران ودولة الاحتلال.
ومع تسليمنا أيضا بأن القناة زادت أهميتها عالميا بعد حرب أوكرانيا، وحادث جنوح ناقلة الحاويات العملاقة إيفرغيفن التي شلت حركة المرور في الممر الملاحي لمدة ستة أيام في عام 2021، وهو ما أزعج الأسواق الدولية بشدة خاصة أسواق السلع والمواد الخام ومدخلات الإنتاج.
قناة السويس تتعرض لمنافسة شرسة من قبل ممرات دولية بديلة ومعابر برية يجري تجهيزها سواء في الخليج وروسيا أو إيران ودولة الاحتلال
ومع تسليمنا ثالثا بأهمية قناة السويس عالميا بسبب ما حدث لقناة بنما المنافسة من جفاف، فإن مشروعا عملاقا هو ازدوج القناة الذي قد لا تقل تكاليفه الاستثمارية عن 10 مليارات دولار، يجب أن يسبقه مئات من علامات الاستفهام التي يجب على صانع القرار وضع إجابات شافية ومقنعة لها سواء للمصريين أو الممولين الدوليين.
فرفع الروح المعنوية للمصريين، وهو المبرر الذي سيق في تبرير مشروع شق تفريعة 2015، لن يجدي نفعا هذا المرة، ولن يقنع حتى طفلا، خاصة مع التكاليف الضخمة التي تحملها الاقتصاد جراء المشروع السابق.
من أبرز تلك الأسئلة المتعلقة بتدشين قناة سويس جديدة، هل الخزانة المصرية وسوق الصرف واحتياطي النقد الأجنبي قادرة على تحمل تكلفة المشروع الضخمة في هذا التوقيت بالذات الذي تعاني فيه الدولة ندرة في السيولة الدولارية؟
والإجابة بالطبع لا في ظل الالتزامات الضخمة الحالية والمستقبلية على الدولة المصرية، سواء في شكل أعباء ديون خارجية أو تمويل واردات سلع غذائية واستراتيجية وغيرها، وفي ظل الأعباء المالية القائمة أصلا على القناة بسبب توسعها في الحصول على قروض ضخمة في السنوات الأخيرة.
وهنا ننتقل إلى السؤال التالي: في حال اتخاذ قرار تنفيذ مشروع ازدواج القناة، من أين سيتم تمويل هذا المشروع الضخم، هل عبر طرح سندات محلية أمام المصريين كما حدث في التفريعة السابقة، أم عبر الحصول على قروض دولية ضخمة وبضمان القناة، وهو ما يكبل القناة بأعباء مالية ضخمة قد تقود إلى رهنها في وقت لاحق.
هل الخزانة المصرية وسوق الصرف واحتياطي النقد الأجنبي قادرة على تحمل تكلفة المشروع الضخمة في الوقت الذي تعاني فيه الدولة ندرة في السيولة الدولارية؟
ونصل إلى السؤال الثالث والأهم وهو: هل هناك دراسات مؤكدة تقول إن التجارة الدولية ستنتعش خلال السنوات المقبلة على مستوى الحجم والقيمة، وبالتالي فإن إيرادات قناة السويس المتوقعة سترتفع وبشدة وتغطي التكلفة، أم أن الإيرادات ستثبت مع ميل للتراجع كما حدث في بعض السنوات عقب إطلاق تفريعة 2015، ولولا حرب أوكرانيا والقيود الشديدة التي فرضتها العقوبات الغربية على السلع الروسية ومنها النفط والغاز ما زادت إيرادات القناة لتقترب من 10 مليارات دولار.
ولنأتِ على السؤال الرابع: هل سنكرر أخطاء تفريعة 2015 عندما اختصرنا فترة التنفيذ من 3 سنوات لسنة واحدة، وهو ما ضغط بشدة على إيرادات الدولة الدولارية، ودفع الحكومة لإعلان تعويم الجنيه في أكتوبر 2016، والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد للحصول على قروض ضخمة تجاوزت 20 مليار دولار في السنوات الماضية، وذلك بسبب ما سببته أعمال حفر التفريعة وتمويل شركات الحفر الأجنبية والموردين من نقص في السيولة الدولارية؟
أما السؤال الخامس فيتعلق بالظروف الصعبة التي تواجه قناة السويس حاليا جراء اضطرابات البحر الأحمر وهجمات جماعة الحوثي اليمنية على السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي أو تتجه نحو موانئ الكيان، وما نجم عنها من حدوث تراجع حاد في إيرادات قناة السويس، وخسارة الخزانة المصرية نحو 745 مليون دولار من إيرادات القناة خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2024 بسبب تراجع عدد السفن المارة بالقناة.
وهناك سؤال على الهامش وهو: في حال اتخاذ قرار إطلاق القناة الجديدة وازدواج قناة السويس، هل سيصاحب المشروع زفة إعلامية وحملة علاقات عامة غير مسبوقة تقول إن الحكومة ستقدم على حفر قناة سويس جديدة، وإن القناة هي بمثابة هدية مصر للعالم، وإن الإيرادات المتوقعة تزيد عن 100 مليار دولار في السنة، أم نكون أكثر واقعية ومصداقية مع المصريين ودافعي الضرائب الذين سيسددون وحدهم كلفة القناة وتفريعاتها؟