تسابق الحكومة المصرية الزمن لإخراج مشروع توسعة قناة السويس الجديد إلى النور وافتتاحه رسمياً يوم 6 أغسطس المقبل، ذلك لأن الحكومة باتت ملاحقة بتهمة رئيسية، هي الإعلان بشكل مستمر عن مشروعات وهمية أو مشروعات غير قابلة للتنفيذ، وأن هدفها من الإعلان عن هذه المشروعات هو، إما للحصول على أصوات الناخبين كما جرى مع مشروع المليون وحدة سكنية، أو بهدف إثبات نجاح حدث، حشدت له الدولة كل الإمكانات، مثل مؤتمر شرم الشيخ والذي تم الإعلان خلاله عن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، أو بهدف رفع الحماس لدى المصريين في مواجهة عدو لا نعرفه كما حدث مع مشروع قناة السويس.
وحسب تصريحات الفريق مهاب مميش، رئيس قناة السويس، أمس الاثنين، فإن الاستعدادات تجري على قدم وساق لافتتاح مشروع القناة الجديد، وأنه تم فتح حساب رقم 201586 تحت اسم "فرحة مصر"، لتلقي المساهمات الخاصة بتمويل تكلفة حفل افتتاح القناة، وأن الدولة لن تتحمل تكلفة الحفل الذي سيموله كاملاً رجال الأعمال.
ما علينا من ملايين الدولارات التي سيتم إنفاقها في حفل الافتتاح، لكن ما يهمنا، هنا، أمران لابد من التوقف أمامهما، هما البحث في السؤال القديم المتجدد، وهو عن الجدوى الاقتصادية المحققة للاقتصاد المصري من تنفيذ مشروع توسعة القناة، وتوجيه 64 مليار جنيه من موارد المجتمع المحدودة لتمويل مشروع واحد.
لن أدخل هنا في تفاصيل حول ما إذا كان المشروع الحالي المقرر افتتاحه يوم 6 أغسطس/آب هو نفس المشروع الذي كانت حكومة د. محمد مرسي تعتزم تنفيذه أم لا، لأن هناك اختلافاً جذرياً بين مشروع تنمية ضفتي قناة السويس، الذي كان يحوي مشاريع صناعية وعمرانية وزراعية وسياحية وتجارية ونقل ولوجستيات وتخزين وغيرها، وبين مشروع آخر تم اختزاله في مجرد توسعة 72 كم من قناة السويس يبلغ طولها الإجمالي نحو 200 كم.
سأتحدث، هنا، عن المشروع بوضعه الحالي، وأقول إن أي قيمة مضافة لقناة السويس مجدية اقتصادياً، أي إن مشروع التوسعة والتعميق الحالي مربح مادياً، ولذا أعترض على من يصفون المشروع بشكله الحالي بالفنكوش، وأنه مشروع وهمي، أو القائلين بأن مشروع توسعة قناة السويس يشبه مشروع توشكي، الذي أغرق مصر في دوامة أزمة اقتصادية طاحنة لمدة سنوات خلال فترة تسعينيات القرن الماضي، وطالما تحدثنا عن استثمارات واقتصاد ومال فيجب أن تكون مرجعيتنا الأولى في التقييم، هي الأرباح والعوائد المحققة، ومدى حاجة المجتمع للمشاريع المنفذة، وفرص العمل التي توفرها هذه المشروعات.
لكن لنأتي إلى النقطة الأهم وهي: هل مصر كانت في حاجة إلى توسعة القناة حالياً، أم أن هناك مشروعات أخرى أهم وأجدى، وهل من المناسب توجيه 64 مليار جنيه من موارد البلاد المحدودة لمشروع واحد قد لا يمثل أهمية قصوى للاقتصاد المصري في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً وأن التجارة الدولية المارة بالقناة ليس من المتوقع أن تشهد طفرة خلال الفترة المقبلة تبرر ضخ كل هذه الأموال الضخمة في مشروع واحد، أو أن رسوم المرور في قناة السويس ستشهد طفرة بمليارات الدولارات، أو أن السفن المارة في القناة ستتضاعف.
اقرأ أيضاً: بالفيديو.. ممدوح حمزة يفضح دولة الفساد العسكرية في مصر
وبمنطق الفرصة البديلة: ماذا لو تم ضخ كل هذه المليارات في شرايين الاقتصاد المصري وتوجيهها لتمويل إقامة آلاف المصانع والمشروعات الصغيرة والمتوسطة؟ ماذا سيكون عليه حال الاقتصاد في هذه الحالة، ألم نكن نوفر فرص عمل حقيقية لمئات الآلاف من الشباب العاطلين؟
لو معك مبلغ محدود من المال قيمته 100 جنيه مصري، وأنت مسؤول عن أسرة لها احتياجات أساسية يجب تلبيتها، يومياً، وتتعلق بالطعام والشراب والتعليم والصحة، هل في هذه الحالة تنفق هذه الموارد المالية المحدودة على الأكل والشرب والدواء، أم تذهب بها إلى السينما أو التنزه على الشواطئ؟
الأمر الآخر يتعلق بالعائد الاقتصادي المتوقع تحققه من توسعة القناة وتعميق جزء منها، وهذه الأمور تحددها دراسات جدوى، وبما أن مشروع توسعة القناة لا يستند إلى دراسات مالية وفنية محددة سلفاً، فإننا هنا لا نستطيع أن نحدد بدقة عوائد المشروع المتوقعة وما تمثله من إضافة للاقتصاد القومي والخزانة العامة التي ستتحمل نحو 7.2 مليارات جنيه كلفة العوائد على شهادات القناة التي تم طرحها في اكتتاب عام الصيف الماضي.
كل ما نستطيع قوله، هو أن إيرادات قناة السويس لم تشهد طفرة خلال السنوات الماضية، وأن عائدها يدور عند 5.6 مليارات دولار سنوياً، وحسب الأرقام الحكومية نفسها فإن عائدات القناة خلال شهر مارس/آذار الماضي بلغت 420.1 مليون دولار، مقابل 441.9 مليون دولار خلال نفس الشهر من العام الماضي بنسبة تراجع بلغت 4.9%، وأن إيرادات القناة خلال الربع الأول من العام الجاري، سجلت ارتفاعاً طفيفاً بلغ 22 مليون دولار أو ما يعادل 1.8%.، حيث بلغت 1.236 مليار دولار، مقابل 1.214 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من العام الماضي.
نعم، قناة السويس تعد واحدة من 5 موارد أساسية، تدر النقد الأجنبي لمصر إلى جانب السياحة والصادرات وتحويلات المصريين العاملين في الخارج والاستثمارات الأجنبية، وتقدر إيراداتها السنوية بنحو 5.6 مليارات دولار، أي أنها مشروع تدر ربحاً وعوائد ضخمة، لكن هذا الرقم لا يمكن مضاعفته، مثلاً، في حال إتمام التوسعة الحالية وتعميق نحو 32 كم منها.
اقرأ أيضاً: مصر تلجأ للتبرعات في تمويل افتتاح قناة السويس الجديدة