تعقد القمم العربية وتنفضّ من دون حسم ملف اقتصادي واحد، وتتواصل قمة الزعماء والقادة العرب من دون مناقشة الواقع الصعب والمعقد الذي يعيشه المواطن العربي.
ولم تبحث قمة عربية قضية واحدة تتعلق بكيفية معالجة الأزمات المعيشية الصعبة لهذا المواطن سواء داخل بلده أو في الخارج، ومواجهة الارتفاعات القياسية في أسعار السلع والخدمات ومعدلات التضخم، وتفاقم الديون الخارجية والداخلية، أو حتى وضع حد لأزمات باتت مستعصية مثل الفقر والبطالة وهروب الأموال والاستثمارات للخارج وتزاوج السلطة بالمال والفساد السياسي.
الملفات الاقتصادية المطروحة أمام القمم العربية المتلاحقة مملة ورتيبة وباتت محصورة في عناوين مكررة لا علاقة لها بواقع المواطن وحياته، منها مثلاً بحث الجهود الرامية لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وإنشاء الاتحاد الجمركي العربي، وتحقيق الأمن الغذائي العربي، وزيادة التعاون في مجالات الأمن المائي والربط الكهربائي والطرق والنقل والمواصلات والتكنولوجيا والبيئة والطاقة النظيفة.
وتعقد القمة العربية وراء الأخرى ولا نجد منطقة تجارة حرة رأت النور، بل نرى أن العكس هو ما يحدث وهو تراجع التجارة البينية العربية، وزيادة الاعتماد على الخارج، خاصة في استيراد السلع الغذائية والرئيسية، وحدوث مزيد من نزوح الأموال العربية للخارج وتهريبها لمصارف سويسرا ولندن وأميركا تحت زعم ضعف الفرص الاستثمارية داخل المنطقة وتفاقم المخاطر الجيوسياسية واضطرابات أسواق الصرف والقوانين المعطلة للاستثمار، أو تحت جناح الظلام إذا ما كانت مسروقة وناتجة عن أعمال غير مشروعة مثل الرشى وغسل الأموال وتجارة السلاح والأثار وغيرها.
ولا بوادر ظهرت على السطح في قمم العرب المتلاحقة لإقامة اتحاد جمركي يتم من خلاله إعفاء التجارة المتبادلة بين الأقطار العربية من جمارك ورسوم، فالجمارك العالية ما زالت تخنق تجارة العرب الخارجية.
ولن أتحدث هنا عن منطقة اقتصادية عربية موحدة تشبه منطقة اليورو، ويصبح الحديث عن إطلاق عملة عربية موحدة من نسج الخيال، حتى محاولات دول الخليج إطلاق عملة موحدة وتأسيس بنك مركزي موحد ذهبت أدراج الرياح، في ظل خلافات حول اسم العملة ومقر البنك وأي العملات الخليجية ستختفي وما هي آليات تحديد سعر العملة الجديدة، وهل سيتم ربطها بالدولار، أم يتم ربطها بسلة عملات؟
القمم العربية باتت قمم التقاط الصور التي تجمع القادة العرب وتجديد الحديث عن مبادرة السلام العربية الوهمية مع دولة الاحتلال، وإصدار بيان شجب وإدانة لممارسات إسرائيل العنصرية ضد الشعب الفلسطيني الصامد، ورفض لمحاولات إيران التدخل في شؤون دول المنطقة الداخلية ودعم محاولات الانقلاب على الحكام الشرعيين.
وتمر القمة وراء الأخرى من دون أن نلمس أي تحسّن في معيشة المواطن العربي، بل العكس هو ما يحدث حيث توجيه الحكومات مليارات الدولارات من إيرادات الدولة العامة لشراء السلاح وتخزينه حتى يصدأ، وتخصيص مليارات أخرى للإنفاق على الأمن وبناء السجون وملاحقة المعارضين وشراء أجهزة حديثة للتنصت عليهم.
والنتيجة حدوث مزيد من الفقر والغلاء والبطالة والفساد بين المواطنين العرب، ومعها مزيد من التبعية للغرب في ملفات مهمة حلمنا ببحثها في قمم سابقة منها الاكتفاء من الغذاء والمشرب والسلاح والدواء والملبس ومواد الإنتاج والسلع الوسيطة وغيرها.
فهل يأتي اليوم الذي تحقق فيه القمم العربية آمال وتطلعات الشعوب خاصة الفقير والشباب منهم؟ وإذا كان هذا اليوم مستبعداً، فلماذا إنفاق ملايين الدولارات على قمم تصدر بيانات ينساها الكثير منا قبل أن تنفض؟