مع تزايد أنباء اقتراب النظام المصرفي المصري من تعويم جديد للجنيه، اندفع أصحاب المدخرات بالعملة المحلية من جديد نحو تجار السوق السوداء لشراء دولارات كوسيلة آمنة لحفظ قيمة مدخراتهم والنجاة من مقصلة تخفيض سعر العملة، إلا أن حالة من القلق تسود بينهم بسبب انتشار ما يعرف بـ"الدولار المُجمد" أو "المزيف" في الأسواق.
وبالتزامن مع استمرار شح العملة الصعبة وزيادة الطلب على النقد الأجنبي في البلاد، انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي تسوق لبيع دولارات أو نقود في السوق السوداء بأسعار أقل من السعر العادي.
وتزايد القلق من "الدولار المجمد" الذي يطلق في الغالب على العملة التي تم تخزينها خارج البنوك أو التي تم حجزها بشكل غير رسمي داخل الاقتصاد.
أيضاً انتشرت الشكوك حول وجود الدولار "المزيف"، بعد تزايد ظاهرة انتشار عدد من العملات النقدية المزيفة التي تم العثور عليها في الأسواق، فضلاً عن انتشار إعلانات صريحة ضمن مجموعات تداول العملات الأجنبية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يعرض أصحابها بيع عملات يطلقون عليها اسم "Copy" بأسعار تقل عن أسعارها الحقيقية بحوالي 25%، ما دعا متخصصين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مطالبة المواطنين والمتعاملين بضرورة توخي الحذر والحرص عند تعاملهم بأوراق النقد الأجنبي.
وفاقمت هذه التعاملات مخاوف المتعاملين الراغبين في تحويل أموالهم من العملة الوطنية إلى الدولار، إذ باتوا يخشون ضياع مدخراتهم والتعرض لمساءلات قانونية تفضي إلى السجن في حال ثبوت تزوير الدولارات التي باتت في حوزتهم.
قال محمد سعيد (35 عاما): "أعيش حالة من القلق الشديد بعد ما تردد على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن انتشار هذا النوع من الدولارات في السوق المحلي خلال الفترة الأخيرة".
وأضاف سعيد في حديث مع "العربي الجديد": "لم أكن أعلم شيئاً عن ظاهرة الدولار المجمد، وكنت حريصاً أشد الحرص على التعرف إلى علامات التأكد من تزييف العملة، ولم أكن أضع في حساباتي أن يكون هناك دولار صحيح وحقيقي في الأسواق، ولكنه ممنوع من الصرف لأسباب قانونية".
وأكد أن "هذا الأمر أربك حساباتي بشدة، ودفعني للتراجع عن ادخار أموالي بالعملة الأجنبية، وجعلني ألجأ إلى المشغولات الذهبية كوعاء ادخاري آمن وقانوني، فأنا أخاف من أن تضيع تحويشة العمر أو أن أجد نفسي قابعاً في السجن بسبب شيء لم أكن أعرفه وقت شرائي للدولارات، كما يصعب على أمثالي من غير المتخصصين التعرف إليه عند الشراء".
كما قال كامل المصري، الذي يعمل تاجراً ويقبل على شراء الدولار لتعاملاته التجارية: "ما يقلقنا أكثر أن تجار العملة الأجنبية يشترون تلك الفئات المالية بأسعار بخسة، فبعد أن أشتري الدولار بـ50 جنيهاً أجد نفسي مضطراً لبيعه بـ20 أو 30 جنيهاً فقط بدعوى أنه مجمد، ولذلك سأبتعد عن تلك المخاطرة، وسأستثمر أموالي في التجارة والعقارات أو المشغولات الذهبية فقط".
وارتفع سعر الدولار إلى معدلات غير مسبوقة في السوق الموازية في الأيام الماضية ليصل إلى 52.8 جنيهاً، بينما يبلغ سعره رسمياً نحو 30.9 جنيهاً.
حالة الجدل حول ما يعرف بـ"الدولار المجمد" وجدت صدى واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر. وكتب صابر عبد اللطيف أبو كساب على صفحته الشخصية على "فيسبوك": "الدولار المجمد ليس مزوراً ويتم التعامل به في السوق السوداء بشكل عام، ولكنه لا يدخل البنك لأن عليه بلوك من البنك، لكن يمكنك التعامل به في جميع مكاتب الصرافة والسوق السوداء يوجد تسليم في اليد ويوجد تحويل بمعرفة شركات تحويل الأموال".
وفى منشور آخر كتبت نونيا شارل على صفحتها: "يوجد معروض في السوق السوداء للعملة في مصر دولارات غير مزورة بسعر رخيص لكنها قد تعرّض المتعاملين بها للمساءلة القانونية الفورية، نظراً لأن بعضها إما يقع تحت طائلة العقوبات الأميركية، أو مبلغ عنها من جانب أحد البنوك المركزية العالمية".
فى المقابل، قال أحمد جابر، وهو أحد مدخري الدولارات، لـ"العربي الجديد": "أملك مبلغاَ معتبراً من الدولارات، وقد قرأت عن ظاهرة الدولار المجمد، ولكن بالنسبة لي لم يحدث أي تأثير سلبي على استخدامي للدولارات، لقد تعاملت مع العديد من البنوك ومكاتب الصرافة وتم تداول الدولارات بشكل طبيعي وبأسعار مقبولة، ولا أرى أي داعٍ للقلق من هذه الظاهرة".
ويضيف: "أنا مطمئن إلى أن الدولارات المجمدة ليست سبباً للقلق وصعب تداولها في السوق المصري، لقد تعاملت مع العديد من المحلات والشركات، وتم قبول دولاراتي وصرفها بشكل طبيعي، الأمر الذي يهمني هو التأكد من صحة العملة وعدم تعرضي للتلاعب، وقد تمكنت من ذلك من خلال التحقق من العلامات الأمنية الموجودة على الدولارات، أما كونها مجمدة أو لا فهذا لا يهم إلا في البنوك فقط".
بدوره، أكد مصدر أمني لـ"العربي الجديد"، عدم صحة ما يتردد عن انتشار ما يعرف بالدولارات المجمدة في السوق المصري وإنما يتم الترويج لهذه النقود من خلال مجموعات متخصصة تزعم سلامتها من الناحية المالية لتسهيل عمليات بيع عملات ودولارات مزيفة للنصب على المواطنين من خلال المنافذ غير الشرعية بالسوق السوداء للمضاربة على العملة.
وأشار المصدر الذي اشترط عدم نشر اسمه، إلى أن الأجهزة المعنية رصدت بعض الصفحات على مواقع التواصل يديرها عدد من الأشخاص يقومون من خلالها بعرض عملات مقلدة للبيع، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد القائمين على هذا النشاط المشبوه.
وأكد أن الحكومة المصرية تتخذ عدة إجراءات لمكافحة هذه الظواهر، ومنها تعزيز جهود إنفاذ القانون لمكافحة تزوير الدولارات وتداولها على نحو غير قانوني، عبر تشكيل فرق خاصة لمراقبة العملة والتحقيق في حالات الاشتباه والتلاعب المالي.
من جهته، قال أحمد صبري، الخبير المصرفي، إنه مع وجود أنباء عن قرب عملية تعويم جديدة للعملة المصرية يعتبر انتشار ظاهرة الدولار "المجمد أو المزيف" من أبرز المشاكل التي تواجه المتعاملين أو مدخري الدولارات في مصر، ويتعلق الأمر هنا بالأوراق النقدية التي تعرّض المتعاملين بها للمساءلة القانونية بسبب وقوع ذلك تحت طائلة القانون، في حال حيازتها أو التعامل بها.
وأشار صبري إلى أنه تترتب على انتشار ظاهرتي "المجمد والمزيف" آثار سلبية جوهرية على الاقتصاد المصري وحياة المواطنين على حد سواء نتيجة زيادة حالات الاحتيال والنصب، حيث يستغل بعض الأشخاص الفرصة لتزوير العملات والتلاعب في الأسعار، وهو ما يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ولكنها في الوقت ذاته تزيد حرص المواطنين على التعامل من خلال المسارات الرسمية والقانونية وحدها في ما يتعلق بالمدخرات الدولارية، وعدم التعامل مع شبكات التداول في السوق السوداء.
وطالب بتنظيم حملات توعية وتثقيف للمواطنين حول خطورة التعامل مع المسارات غير الرسمية في هذا الشأن، وخطورة الوقوع في فخ الدولارات المزيفة والمجمدة، وتوضيح الإجراءات الرسمية للتحقق من صحة العملات والتحويلات، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع البنوك وتوفير الدعم والتدريب للمصارف للكشف عن العملات المزيفة وتحديد المصادر غير القانونية للدولارات.