قفزات جنونية في الإيجارات تستنفر الحكومة التركية

28 يوليو 2023
تضرر مئات آلاف المباني بفعل الزلزال تسبب في زيادة الطلب على العقارات (Getty)
+ الخط -

تشهد الإيجارات في تركيا قفزات جنونية وسط ارتفاع الطلب على العقارات ونقص المعروض، ما استنفر الحكومة التي توعدت أصحاب العقارات الشاغرة بغرامات وعقوبات تصل إلى سجن المستغلين ورافعي الإيجارات بنسب تتجاوز المحددة حكوميا.

ويشكو الكثيرون من عدم التزام أصحاب العقارات، بنسبة زيادة الإيجارات التي حددتها هيئة الإحصاء التركية لهذا العام البالغة 25%، أو بالحد الأقصى الذي سمحت به الهيئة في يونيو/ حزيران الماضي بنسبة أقصاها 39.33% من قيمة الإيجار الأخيرة، لمن انتهت عقود إيجارهم، مؤكدين أن زيادة إيجارات المنازل في عموم تركيا وخاصة إسطنبول تتراوح بين 100% و300% على حسب حالة المنزل والمنطقة التي يقع بها.

وتشابكت العديد من الأسباب في القفزات التي سجلتها قيمة الإيجارات، منها تهاوي قيمة الليرة وارتفاع التضخم الذي زاد من الأعباء المعيشية، ما دفع ملاك العقارات إلى رفع قيمة الإيجارات بنسبة كبيرة، مستغلين في ذلك ارتفاع الطلب بفعل الزلزال المدمر الذي ضرب عشر ولايات جنوب البلاد في فبراير/ شباط الماضي وتبعته آلاف الهزات العنيفة، ما تسبب في تضرر مئات آلاف المباني. وحصرت وزارة البيئة والتطور العمراني وتغير المناخ، الأضرار في 481 ألفا و865 مبنى.

المعلمة السورية، زينب عطية تشكو خلال تصريحات لـ"العربي الجديد" ما وصفته باستغلال صاحب العقار لحاجتها، كاشفة عن رفع سعر إيجار منزلها وهو عبارة عن قبو منزل في حي الفاتح في إسطنبول من 5 آلاف ليرة إلى 10 آلاف ليرة (372 دولاراً) دفعة واحدة هذا العام.

وتشير إلى أن الانتقال لحي آخر "لن يكون أرحم فأسعار الإيجارات زادت أكثر من 100% هذا العام، ووصلت في الأحياء الجديدة بإسطنبول مثل اسينيورت وباشاك شهير إلى نحو 20 ألف ليرة وفي المناطق الراقية مثل كايا شهير وكادي كوي نحو 25 ألف ليرة".

وضيقت وزارة الداخلية التركية على الأجانب، إذ لم تبق لهم سوى بعض الأحياء في إسطنبول للإيجار تتضمن "كوتشوك تشكمجة، وباشاك شهير، وباغجلار، وأفجيلار، وباهجيليفلر، وسلطان غازي، وأسنلر، وزيتون بورنو"، في حين منعت التأجير لهم وإبرام العقود في بقية الأحياء، الأمر الذي زاد الطلب على الأحياء المغلقة وارتفاع قيمة الإيجارات التي تجري بعقود تراض أو بأسماء تركية بالوكالة.

وكانت الحكومة التركية، قد أصدرت مطلع العام الجاري قراراً للحد من ارتفاع إيجارات المنازل، لكن صلاحية القرار انتهت مطلع يوليو/تموز الجاري، ما فتح المجال مجدداً أمام ملاك العقارات لرفع الإيجارات بحسب حسن محمد صاحب مكتب وساطة عقارية في منطقة اسينيورت بإسطنبول.

ويشير محمد لـ"العربي الجديد" إلى أن تصريح وزير المال السابق، نور الدين النباتي، حول ضرورة تضحية المستأجر والمالك للوصول لاتفاق "دون المساس بقانون المستأجر" أعطى فرصة لأصحاب العقارات للرفع بالنسبة التي يريدونها، رغم أن هيئة الإحصاء أكدت عدم تجاوز الزيادة 39.3% خلال تجديد العقد هذا العام عن قيمة الإيجار في العقد السابق.

وتعاني المناطق الجنوبية التي شهدت تضرر مئات آلاف المباني بسبب الزلزال المدمر، من زيادة الإيجارات أيضا، بينما لم تنته الحكومة من بناء وتسليم 200 ألف مسكن في المدن المتضررة، والتي وعدت ببنائها وتسليمها في غضون عام.

ويقول أنور عساف من منطقة نيزب في ولاية غازي عنتاب إن إيجار المساكن ارتفع بين 70% و100% رغم محدودية الأضرار وتهديم المنازل، لكن الطلب من المناطق الأكثر تضرراً، زاد أسعار الإيجارات ليأتي تراجع سعر صرف الليرة كعامل إضافي بمضاعفة قيمتها، مشيراً إلى أن متوسط الإيجار يتراوح بين 2000 ليرة و5000 آلاف ليرة على حسب المنزل ومساحته وموقعه.

والحال أسوأ، بحسب إبراهيم عوض من ولاية هاتاي الأكثر تضرراً بالزلزال، إذ ارتفعت أسعار الإيجارات بأكثر من 200% خلال عام، رغم تأمين مساكن مؤقتة ومخيمات للمتضررين.

ويشير عوض خلال اتصال مع "العربي الجديد" إلى أن مدينة أنطاكيا شهدت ارتفاع أسعار الإيجارات بعد الزلزال بأكثر من 200%، ولم يعد هناك مسكن لائق للأسرة بأقل من 12 ألف ليرة (446 دولارا)، لكن منطقة الريحانية التي لم تتأثر بالزلزال والقريبة من معبر باب الهوى الحدودي مع سورية، هي الأعلى أسعاراً، إذ لا يقل إيجار المنزل عن 15 ألف ليرة وتصل إيجارات بعض المنازل إلى 25 ألف ليرة تركية.

وتساهم ارتفاعات الإيجارات، إلى جانب غلاء أسعار السلع والمواد الاستهلاكية، خاصة بعد رفع أسعار الوقود أخيراً، في ارتفاع تكاليف المعيشة، وتشكل المكونات الأكثر ثقلاً في سلة التضخم الرسمية التي تقول بيانات الحكومة إنها تراجعت إلى 38.2% الشهر الماضي.

ودفعت هذه الأجواء المعارضة التركية، قبل يومين، لطلب اجتماع للبرلمان ومناقشة زيادة الأسعار والفقر. واستنفرت الحكومة لهذه التطورات، فيما شدد الرئيس رجب طيب أردوغان على ضرورة ضبط فلتان قيمة الإيجارات قائلاً "علينا أن نتخذ خطوات إجبارية بالنسبة للإيجارات.. لن نضحي بـ 85 مليون شخص لحفنة من جشع الناس من أجل الربح".

وأضاف أردوغان خلال تصريحات بعد عودته من الجولة الخليجية أخيراً: "يجب أن نأخذ خطوات أكثر حزماً، حيث يجب أن تتخذ وزارة العدل تدابير قاسية جداً في هذا الخصوص"، مشيرا إلى عزمه فرض ضرائب عالية على المنازل الشاغرة، خاصة في المدن الكبرى. وتابع: "لن يبقى هؤلاء الأشخاص بلا عقاب. إذا لزم الأمر، سنلجأ إلى العقوبات لوقف زيادة الإيجارات المفرطة وأسعار العقارات".

في المقابل يقول ملاك عقارات إنهم يضطرون لزيادة الإيجارات في ظل الغلاء الذي طاول كل شيء. ويقول سيرين أرال صاحب عقارات في منطقة الفاتح بإسطنبول، إن تراجع سعر صرف الليرة وزيادة الطلب على العقارات، دفعاه لرفع نسبة الإيجار بنحو 100% هذا العام بعد رفع 100% العام الماضي.

ويضيف "كنت أؤجر ثلاث شقق في منطقة درامان في الفاتح، ولم يكن يزيد إيجارها مجتمعة عن 5 آلاف ليرة قبل وباء كورونا، ولكن كان سعر الدولار وقتذاك نحو 7.5 ليرات في حين يلامس سعر الدولار اليوم 27 ليرة، فكيف سيقبل بنسبة هيئة الإحصاء المحددة لزيادة الإيجارات؟".

ويشير إلى أن تضخم أسعار السلع والمنتجات زاد عن 100% خلال عام، ولم تزل الأسعار بارتفاع مستمر، والشقق التي يؤجرها هي استثماره الوحيد، قائلا إن "من حقي رفع الإيجار.. الأمر عرض وطلب".

ويلفت إلى أن "منطقة الفاتح من بين الأحياء التي أغلقتها وزارة الداخلية بوجه الأجانب، الأمر الذي زاد الطلب عليها، وبالتالي رفع الإيجار يجري بالتراضي".

لكن الخبير الاقتصادي التركي، مسلم أويصال، يقول لـ"العربي الجديد" إن ثمة خللا كبيرا للأسعار في تركيا، سواء إيجار المنازل أو أسعار السيارات، فسعر السيارة يزيد الضعف بعد استخدامها لخمس سنوات، كما أن إيجار المنزل في تركيا يفوق الحد الأدنى للرواتب والأجور".

ويضيف أويصال أن زيادة قيمة إيجار المنزل عن راتب العامل "جريمة تفقير ولا بد للحكومة من اتخاذ إجراءات صارمة وتطبيقها"، واصفاً فرض عقوبات على أصحاب المنازل الشاغرة بداية صحيحة، ولا بد أن تتوج بضريبة تصاعدية على حسب عدد المنازل والعقارات التي يملكها الشخص.

المساهمون