"كريدي سويس" ... بنوك أوروبا تفلت مؤقتا من الانهيار

17 مارس 2023
سقوط بنك بحجم كريدي سويس كفيل بأن يسحب وراءه عشرات البنوك حول العالم (Getty)
+ الخط -

للمرة الثانية نجح العالم، في أقل من أسبوع، في إطفاء حريق مصرفي كبير، ومحاصرة أزمة كادت أن تطيح القطاع المصرفي الأوروبي، وبعدها يمتد لعشرات البنوك الهشة والخاسرة، وتلك التي تعاني شحاً في السيولة في العديد من الدول.

في المرة الأولى نجحت السلطات الأميركية بداية هذا الأسبوع في محاصرة أزمة فقدان ثقة المودعين بالقطاع المصرفي، عقب إفلاس 3 بنوك أميركية، في مقدمتها "سيليكون فالي".

النجاح جاء عبر الخروج بإعلان رسمي عن ضمان الدولة كل الودائع في البنوك، سواء كانت مؤمناً عليها لدى المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، أو غير مؤمن عليها، مع تقديم دعم مالي للبنوك الصغيرة.

وبسبب هذه الخطوات السريعة هدأت الأوضاع داخل أسواق الولايات المتحدة، رغم خفض مؤسسات عالمية كبرى التصنيف الائتماني للبنوك الأميركية، وتدحرج بنوك جديدة نحو الوقوع في حفرة الإفلاس والتعثر المالي، وسحب المودعين أموالهم من البنوك الصغيرة.

كانت ذروة أزمة كريدي سويس يوم الأربعاء، حيث فقد سهم البنك 30% من قيمته

وفي المرة الثانية نجحت أوروبا، خلال أقل من 24 ساعة، في إنقاذ العملاق المصرفي "كريدي سويس" الذي يعاني من تعثر حاد وخلل في مركزه المالي، وكاد أن يسقط يوم الأربعاء ليكرر تجربة تهاوي "ليمان برازرز"، ويحدث دوياً هائلاً قلما حدث في السنوات العشرين الماضية مع قوة البنك السويسري ونفوذه على مستوى العالم، وتأثيره القوي داخل مجتمع الأعمال وكبار المستثمرين، كذلك فإنه يُعَدّ واحداً من أكبر بنوك الاستثمار الدولية، ويتعامل مع عملاء كبار، من بينهم رؤساء دول وحكومات ومليارديرات ونخب حاكمة.

كانت ذروة أزمة كريدي سويس يوم الأربعاء، حيث فقد سهم البنك 25% من قيمته، إثر نشر تقارير تتحدث عن تعرضه لخسائر حادة وضغوط شديدة بسبب نقص السيولة، وإعلانه وجود نقاط ضعف جوهرية في إعداده للتقارير المالية، وهذا الأمر أثار قلقاً شديداً داخل البورصات العالمية، وخاصة أن سهم البنك خسر نحو 98% من قيمته منذ عام 2007، كذلك سجّل خسارة صافية قيمتها 7.3 مليارات فرنك سويسري (7.8 مليارات دولار) في عام 2022.

مع هذه التطورات الدراماتيكية استشعرت أوروبا، وخلفها العالم، الخطر، ذلك لأن سقوط بنك بحجم كريدي سويس كفيل بأن يسحب وراءه عشرات البنوك الأوروبية والعالمية التي تعاني من خسائر أو نقص في السيولة نحو الإفلاس.

وزاد منسوب الخطر عقب إعلان استبعاد البنك الأهلي السعودي، وهو أكبر مساهم في البنك، صعوبة ضخ المزيد من السيولة في كريدي سويس، لأنه لا يمكن زيادة حصة الملكية فيه على 10% بسبب قواعد تنظيمية، وهو ما دفع أسهم البنك السويسري إلى التراجع بنحو 30% في أكبر تراجع يومي له على الإطلاق.

لا أتوقع حدوث هدوء في النظام المصرفي العالمي، ما دام البنك الفيدرالي الأميركي قد أبقى على سياسته العدوانية القاضية بمواصلة رفع سعر الفائدة

هنا كان البنك أمام خيارين: إما الاستسلام والسقوط المدوي، وإما البحث عن سيولة ضخمة وعاجلة وبعيدة عن دول الخليج تمكنه من التعويم. اختار البديل الثاني، واستنجد بالبنك المركزي السويسري الذي وافق بالفعل على إقراضه 50 مليار فرنك، أي نحو 53.7 مليار دولار، بهدف دعم السيولة لديه.

لم يكتف البنك المركزي بذلك، بل بعث برسالة طمأنة للمتعاملين مع البنك، حيث أكد يوم الأربعاء أن كريدي سويس يمتلك رأس مال جيداً في الوقت الراهن، وأنه على استعداد لتزويده بالسيولة إذا لزم الأمر.

لا أتوقع حدوث هدوء في النظام المصرفي العالمي، ما دام البنك الفيدرالي الأميركي قد أبقى على سياسته العدوانية القاضية بمواصلة رفع سعر الفائدة على الدولار للوصول بمعدل التضخم إلى 2%.

ومع كل رفع للفائدة، من المتوقع أن تتدحرج بنوك أخرى نحو الإفلاس، وخصوصاً التي لديها استثمارات ضخمة في السندات الأميركية، لتبدأ البنوك المركزية والحكومات بعدها جولة جديدة من التعويم وضخ سيولة ضخمة وتقديم ضمانات للمودعين المذعورين.

المساهمون