خلال 10 أيام فقط، هوى الريال اليمني إلى قاع جديد في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليا، حيث تسارع الانهيار من 1007 ريال أمام الدولار في الأول من سبتمبر/ أيلول الجاري، وصولا إلى 1095، أمس السبت، في مستوى هو الأدنى منذ اندلاع الحرب قبل 7 سنوات.
وأرغم الهبوط الحاد للعملة، البنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها دولياً، التي تتخذ من عدن، جنوبي البلاد، عاصمة مؤقتة، على إصدار قرار بوقف عمليات وشراء العمليات الأجنبية في كافة المدن الخاضعة لنفوذ الحكومة، لكن مصادر مصرفية في مدينتي عدن وتعز (جنوب صنعاء) أكدت لـ"العربي الجديد"، أن تلك التوجيهات لم تُنفذ.
وخلافا للإخفاق الحكومي في كبح الانهيار الحاصل للريال بعد إغلاق العشرات من شركات الصرافة غير المرخصة، لم ينعكس الإعلان عن حصول اليمن على 665 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي، أواخر أغسطس/ آب الماضي، بشكل إيجابي على العملة اليمنية التي واصلت الهبوط إلى مستويات قياسية. بينما اعتقد اليمنيون أن التدهور الاقتصادي قد بلغ نقطة النهاية عندما لامس الدولار حاجز 1000 ريال أواخر يوليو/ تموز الماضي.
ويبدو أن الانحدار السريع للعملة المحلية لم يكن سوى مقدمة لانهيار دراماتيكي بدأ يتسارع في الأيام الأخيرة، ما ينذر بكارثة معيشية ومجاعة وشيكة. وتوقع خبراء اقتصاد وعاملون في سوق الصرف، أن تشهد الأشهر المتبقية من العام الجاري، مزيداً من الانهيار، وخصوصا في حال استخدام نفس الأدوات والأساليب الحكومية التي وصفوها بـ"العقيمة" لمعالجة الكارثة الحاصلة.
وقال أحمد العريقي وهو صراف في مدينة تعز: "الأمر بات خارج السيطرة مع ظهور شبكة مضاربين ضخمة تعمل على سحب العملة الأجنبية من المدن الخاضعة للحكومة الشرعية نحو مناطق الحوثيين بشكل يومي، ومع زيادة الطلب، من الطبيعي أن يحصل انهيار مثل هذا".
وتشكو الحكومة اليمنية، من "انهيار غير منطقي" للعملة تقف خلفه شبكات سماسرة تتبع أطرافاً مختلفة، فضلا عن الإصرار الحوثي على توجيه ضربات متتالية لبنك عدن من أجل إظهار فشله، مقارنة بالاستقرار الحاصل في مناطق نفوذ الجماعة بالعاصمة صنعاء والتي لا يزال الصرف فيها ثابتا عند 600 ريال أمام الدولار.
وجراء نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2016، تعمل السلطات الحوثية جاهدة على إفشال عمل بنك عدن، وخلافا لسحب العملات الأجنبية من خلال شبكة مضاربة غامضة، تشن جماعة الحوثيين حربا شديدة على الفئات النقدية المطبوعة حديثاً من العملة المحلية، بما فيها نسخة الألف الريال الجديدة المشابهة للنسخة المتداولة في مناطق نفوذ حكومة صنعاء، كما يتم منع القادمين من مناطق الحكومة الشرعية من نقل أكثر من مبلغ 100 ألف ريال يمني للمسافر الواحد (أقل من 100 دولار).
في ظل استنفاد كافة الوسائل المتاحة لكبح الانهيار الحاصل للعملة الوطنية، تبدو الحكومة اليمنية عاجزة بالفعل عن إنقاذ الموقف، ووفقا لمصدر في البنك المركزي في تعز لـ"العربي الجديد"، فإنه ما من وسيلة متاحة سوى تدخل دولي عاجل لتحييد الاقتصاد من الصراع وتوحيد العملة في عموم مدن اليمن.
وأكد المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ، في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، أول من أمس الجمعة، هذه النظرية، عندما أشار إلى أن كافة تفاصيل الحياة اليومية في اليمن، من العنف إلى نقص الوقود والكهرباء وارتفاع أسعار الغذاء وانهيار العملة "ترتبط على نحو ما بمسائل سياسية معقدة تتطلب حلا شاملا".
يدرك غروندبرغ، أن الحرب الاقتصادية الحاصلة من جانب كافة أطراف الصراع، بذرت عواقب مدمرة طويلة المدى، لكن حظوظه في تحقيق اختراق بالملف الاقتصادي تبدو شبه مستحيلة، على المدى القريب، في ظل التعنت الحاصل من جماعة الحوثيين في تجزئة الملفات ورفضهم لحل يشمل الأزمة اليمنية بكافة تفاصيلها الإنسانية والاقتصادية والعسكرية.
ومع استحالة حدوث اختراق بالملف الاقتصادي بين الحكومة اليمنية والحوثيين، يؤكد خبراء أن تخفيف التوتر السياسي والعسكري بين شركاء حكومة المحاصصة، وعودة حكومة معين عبد الملك لممارسة مهامها من عدن، سينعكس بشكل سريع على تعافي العملة، كما حصل عند العودة الأولى مطلع العام الجاري، عندما شهد الريال تعافيا ملحوظا بتسجيله 700 ريال أمام الدولار الواحد بعدما كان قد تجاوز حدود الـ 900 ريال للدولار.
وقال محمد قحطان، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز لـ"العربي الجديد": "عودة الحكومة ستحسن الوضع الاقتصادي من خلال ضبط الأوعية الإيرادية وتفعيل قطاع التصدير للنفط والغاز. هذه الأمور توحي بأنّ المستقبل واعد لتدفق النقد الأجنبي لخزينة الدولة، وسيتراكم رصيد نقدي للبنك يمكنه من السيطرة على السوق النقدية".
جراء الهزات العنيفة التي تعرض لها خلال الحرب، فقد الاقتصاد اليمني أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما فقد الريال نحو 400% من قيمته التي كان عليها في 2014، عندما كانت أسعار الصرف توازي 214 ريالا للدولار الواحد.
وتقول الحكومة اليمنية، إن اقتصادها، استنفد مدخراته المحدودة لتغطية السلع الأساسية، وسط هروب ملحوظ لرؤوس الأموال إلى الخارج بحثًا عن ملاذات آمنة، في محاولة لتجنب المزيد من التآكل في قيمتها بسبب انخفاض العملة المحلية.
ومع انسداد آفاق الحل داخليا وغياب أي توجه دولي لإنقاذ الاقتصاد اليمني، سيكون على المواطن دفع ثمن الانهيار المريع للريال، إذ تفقد آلاف الأسر اليمنية قدرتها الشرائية مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى معدلات قياسية، عما كانت عليه مطلع العام الجاري.
وفقا لتقرير أممي حديث، ارتفع متوسط كلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء (القدرة الشرائية للفرد الواحد) في مناطق نفوذ الحكومة، نحو 33.4%، وذلك من 7 آلاف و497 ريالا يمنيا أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى أكثر من 10 آلاف ريال أواخر أغسطس/ آب 2021 (ما يوازي 9 دولارات).
وعلى الرغم من استقرار سعر الصرف في المناطق الخاضعة لنفوذ الحوثيين، عند 600 ريال أمام الدولار الواحد، إلا أنها شهدت هي الأخرى، أكبر زيادة في أسعار الغذاء خلال ثلاثة أعوام، إذ وصلت سلة الغذاء إلى أكثر من 7 آلاف ريال في يوليو/ تموز، مقابل 5 آلاف و445 ريالاً لسلة الغذاء في مارس/ آذار الماضي، بزيادة بلغت نسبتها 28.5%.