في مئوية الحزب الشيوعي الصيني

10 يونيو 2021
ركّز الحزب على قطاعات وأنشطة الزراعة والتجارة دعماً للإنتاج في المناطق الريفية (Getty)
+ الخط -

لما كان يوم الثالث والعشرين من شهر يوليو/ تموز عام 1921، أعلن إنشاء الحزب الشيوعي، بحضور عدد كبير من الساسة الصينيين والمنظّرين لفلسفة الحزب، أمثال ماو تسي تونغ وشوان لاي، والذين حققوا النصر، وبسطوا هيمنتهم على البلاد.

وقد كان سؤالان كبيران يشغلان بالي، بوصفي دارسا للاقتصاد: ما هي أوجه الاختلاف بين الماركسيتين، اللينينية والماوية؟ كيف طبقت هذه الأفكار على أرض الواقع، ونجحت في تحويل المجتمع الصيني إلى مجتمع منتج فَعَّال، بعدما عانى سنوات طوال من الاحتلال والاستغلال وانتشار المخدّرات، وانطفاء الروح والقبول بالأمر الواقع؟

وباستعراض تاريخ بعض مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني، وقرارات التحوّل، وابتكار منهج جديد، وجدت أن الميزة الكبرى كانت في عزيمة الإرادة، وحسن الإدارة.

وقد قرّر الحزب الشيوعي، في البدايات، أن يركّز على قطاعات وأنشطة الزراعة والتجارة دعماً للإنتاج في المناطق الريفية، وتأميناً للغذاء لكل أبناء الشعب الصيني، حتى ولو كان نصيب الفرد من الطعام قليلاً.

وقد ضرب القادة من جميع المستويات المثل في التقيد بذلك، ما حفز الشعب على التضحية والعمل. وقد حققت الصين في هذين القطاعين فوائض كبيرة مكّنت الصين من تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية بدون غلاء، أو ارتفاع في تكاليف المعيشة.

واستثمرت هذه الفوائض في إرساء قواعد الاستثمار في الصناعات المختلفة، معتمدة على ذاتها، وبدون السماح لغير الصينيين بالمساهمة حتى تتطوّر القدرات الذاتية.

ولما نجحت الصين في الصناعات، صار الوقت مناسباً لكي تبدأ بالانفتاح. وهذا بالطبع سوف يُحدِث تحدياتٍ كبيرة، بدءاً من المعارضين لهذا النهج على أسس فلسفية مرجعية، أو بسبب الخوف من التحول من حالة العزلة إلى حالة الاندماج في العالم. وقد تعلمت الصين، منذ العصور الوسطى، أن النجاح يجب أن يتمازج بالإنتاج الغزير المنافس.

وقد قدّمت الصين للعالم منتجات هامة جداً مثل الحرير، والشاي، وملح البارود، والورق والحبر وغيرها. وهي التي طوّرت صناعة الخزف والسيراميك والأدوات المنزلية الصينية (Chinaware)، ولكن هذه كلها لم تؤهل الصين لإحداث ثورةٍ صناعية، لأن هذه الصناعات احتكرها الرّهبان لأغراضهم، ولم يجعلوها صناعاتٍ منتشرة لدى الشعب عامة.

واستطاعت الصين، في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي، أن تروّض الثورة الثقافية، وأن تجري في العام 1981 أول إحصاءٍ سكاني شامل، وكان لي شرف المساهمة في المؤتمر الذي عُقِد لهذه الغاية، وأن تفتح معرض جوانشو، وأن تقرّر إنشاء موانئ حرّة ومناطق مفتوحة للاستثمار.

وأرسلت الصين آلافا مؤلفة من مواطنيها المختارين بعناية، بعد اجتياز فحصٍ تشرف عليه الدولة، وأرسلتهم في بعثاتٍ إلى الخارج، لينهلوا العلوم التقنية، والحاسوبية، والاقتصادية، والادارية، والمالية وغيرها من أرقى جامعات العالم. وعاد معظم هؤلاء، بعدما تخرّجوا وعملوا ليساهموا في بناء الصين.

وحققت الصين، خلال سنوات قليلة، قفزةً نوعيةً كبيرة في معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة الصادرات، وتكاثر النجاح، حتى صارت الصين ذات أكبر فائض في العملات الأجنبية، وصاحبة أكبر فائض في الميزان التجاري. (زاد احتياطي النقد الأجنبي للصين بمقدار 28.1 مليار دولار، إلى 3.22 تريليونات دولار خلال شهر مايو/أيار الماضي، مدفوعا بتحسن إيرادات البلاد من النقد الأجنبي. وتملك الصين أكبر احتياطي للنقد الأجنبي في العالم، كما تأتي ثانيا كأكبر مستثمر في أدوات الدين الأميركية بنحو 1.2 تريليون دولار، بحسب بيانات وزارة الخزانة الأميركية الأخيرة).

وانتقلت الصين اقتصادياً واجتماعياً إلى مرحلة الدفعة الكبيرة في كل القطاعات. وإبّان سنوات النمو، وحتى عام 2008. كانت الصين تنأى بنفسها عن إبراز قوتها الاقتصادية، وعن التناحر مع الدول القوية اقتصادياً مثل الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو اليابان أو غيرها من الدول والمجموعات.

وقد كنت أُعجب في أثناء زياراتي المتكررة للصين، واطلاعي على التطور الهائل فيها، كيف ترفض الصين منافسة الولايات المتحدة في رفع قيمة عملتها الرامبي (RPM) أو اليوان، ليدخل منافساً للدولار كعملة احتياط دولية، على الرغم من أن اقتصاديين صينيين كتبوا عن "حرب العملات".

ولكن بعد الانهيار الاقتصادي الذي انطلق من الولايات المتحدة عام 2008، بدأت الصين في تلقي التهم من الغرب الملهوف على إلقاء اللوم على الآخرين. ووصلت هذه المعركة إلى أن بدأت الحرب التجارية التي بلغت ذروتها إبان حكم دونالد ترامب.

ومن بعدها، صار واضحاً أن عصر هيمنة القطب الواحد قد انتهى، وأن الصين صارت القطب الآخر، وما عادت تستطيع أن تستمر في سياسة التواضع، لأن التحدّي الذي تواجهه الصين صار يتطلّب قراراتٍ جديدة.

تدخل الصين الدائرة الدولية قوة عسكرية سياسية اقتصادية وتكنولوجية عظمى، تنافس أكثر الدول تقدّماً. ولذلك كان لا بد من أن يحصل تغيير في المنهج، من دون تغيير الثوابت في النهج الأساسي. ولذلك بدأت الصين تعزّز وجودها بالاستثمار في دول العالم، وتكوين تحالفاتٍ جديدة، وبناء علاقاتٍ مع الجيران. 

والأهم من ذلك كله أن الصين أنشأت بنك آسيا للتنمية، وأطلقت مشروع طريق الحرير (أو الطريق والحزام) لتربط الصين بالعالم. وتسعى الصين الآن إلى تغيير دورها في الاعتماد على التجارة الخارجية، واستبدال النمو القائم على التجارة الخارجية بنمو قائم على الاستهلاك المحلي، ما يعني أن الطبقة المتوسطة تنمو بسرعة وقادرة على التحكّم في الدورة الاقتصادية.

كل منهجية التحول جرت ضمن إطار الحزب الشيوعي الذي أبدى، مع الوقت، حكمة وحضوراً، وتمكّن من جعل الصين من أقوى الدول إن لم تكن أقواها.
العالم بحاجة لأن يتكيف مع وجود قطبين أساسيين، الولايات المتحدة والصين. ولكن لا تنسى أن الاتحاد الأوروبي وروسيا تسعيان إلى البقاء في مضمار المنافسة. وهنالك دولة كالهند تنتظر فرصتها السانحة.

المساهمون