فوضى لبنان تتسارع بفعل الانهيار المالي

23 اغسطس 2021
الحصول على البنزين من محطات لبنان مهمة شبه مستحيلة (Getty)
+ الخط -

يدفع الانهيار المالي لبنان نحو الفوضى بوتيرة متسارعة، مما يضع قادته المتنافسين أمام الاختيار بين التحرك لمعالجة الأزمة أو مواجهة مزيد من الفوضى وانعدام الأمن.

ووصل الانهيار المالي، الذي سبب مصاعب متزايدة للبنانيين على مدى عامين، إلى مرحلة الأزمة هذا الشهر مع نقص الوقود الذي شل حتى الخدمات الأساسية، وتشكلت إثره طوابير طويلة للغاية في محطات الوقود للحصول على القليل من البنزين الذي أصبح الحصول عليه شبه مستحيل.

وأطلق التزاحم على محطات الوقود الشرارة لمشاهد فوضوية واشتباكات عملت القوى الأمنية في الدولة المفلسة على احتوائها، وعمد الجيش في بعض الأحيان إلى إطلاق نار خلال سعيه للحفاظ على النظام.

وفي وقت تنفد فيه الأدوية الضرورية وتحذر فيه الأمم المتحدة من أزمة مياه، ما زالت النخبة الحاكمة في مناوشات بشأن الحقائب الوزارية في حكومة جديدة.

واكتسبت الأزمة بعداً جديداً بعد قرار "حزب الله" العمل بمفرده على استيراد الوقود الإيراني. ويقول الحزب، وهو جزء من النظام الحاكم في لبنان منذ فترة طويلة، إنه لا يريد من قراره سوى تخفيف حدة نقص الوقود.

وقال الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصرالله، الأسبوع الماضي: "لا نريد الدخول في تحد مع أي شخص، ولا نريد الدخول في مشكلة مع أي شخص. نريد مساعدة شعبنا".

لكن منتقدين قالوا إن هذه الخطوة تهدف الى توسيع نفوذ الحزب على حساب الدولة وجر لبنان إلى فلك إيران، مما يعقد الطريق أمام دولة تأمل في الحصول على مساعدات غربية ويوجه ضربة أخرى لسلطتها الآخذة في التضاؤل.

ودفع الانهيار الناجم عن الفساد المستشري في الدولة منذ عقود وطريقة تمويلها غير المستدامة أكثر من نصف سكان لبنان، البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، إلى براثن الفقر وأفقد العملة المحلية أكثر من 90% من قيمتها.

وبلغت أزمة الوقود المتفاقمة ذروتها الأسبوع الماضي حين أجبر انقطاع التيار الكهربائي بعض المستشفيات والمخابز والشركات والخدمات الأساسية الأخرى على تقليص العمل أو إغلاق أبوابها.

وفي 11 أغسطس/آب، مرت الأزمة بمنعطف خطير عندما أعلن "مصرف لبنان" المركزي أنه لم يعد بإمكانه تمويل واردات الوقود بأسعار الصرف المدعومة لأن احتياطياته من الدولار قد استُنفدت.

وفي محاولة لتخفيف أزمة الوقود قررت حكومة تصريف الأعمال يوم السبت رفع الأسعار. لكن حتى الأسعار الجديدة لا تزال قليلة للغاية مقارنة بسعر السوق، إذ يسمح اقتراض جديد من البنك المركزي بتعويض الفارق.

لكن الاقتصاديين يقولون إن القرار الذي من المقرر أن يستمر حتى نهاية سبتمبر/أيلول لا يشكل حلا، مما يترك مجالا كبيرا للتهريب والتخزين والبيع بالسوق السوداء.

وبات رفع الدعم الكلي أمرا حتميا فيما يبدو مع نفاد الدولار. في غضون ذلك ازدهرت السوق السوداء، حيث يباع البنزين في قوارير بلاستيكية بأسعار مرتفعة للغاية.

وأضحت الحوادث الأمنية، ومنها خطف صهاريج الوقود، حدثا يوميا. وقتل ما لا يقل عن 28 شخصا الأسبوع الماضي في شمال لبنان عندما انفجر خزان خلال التدافع للحصول على البنزين.

وقال مسؤول أمني تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إن "هناك الكثير من المجموعات الصغيرة التي صارت تعلم أنها تستطيع أن تصادر أي صهريج على الطريق بالقوة، ويقع ما لا يقل عن 8 حوادث في اليوم عند محطات الوقود أو استهداف صهاريج".

وقالت مجموعة دعم دولية، تضم فرنسا والولايات المتحدة، يوم الجمعة: "التفاقم المتسارع لتلك الأزمة يبرز الضرورة الملحة لتشكيل حكومة قادرة على وضع الأمور في نصابها".

وقال جهاد فخرالدين، بينما كان ينتظر في طابور منذ 7 ساعات للحصول على غاز: "شو بدو يصير أكثر من هيك. نحن نصلي وأكثر من هيك ما فينا نعمل الآن".

هل تشكيل الحكومة قريب؟

وتجسد فشل الدولة في خلاف علني بين رئيس الجمهورية ميشال عون والبنك المركزي بشأن دعم الوقود، إذ أعلن حاكم البنك المركزي، رياض سلامة، أنه لا أحد يدير لبنان، حيث كان العديد من ساسة اليوم زعماء فصائل في الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 و1990.

وحتى الآن لم يتوصل عون، وهو مسيحي ماروني، ورئيس الوزراء السني المكلف نجيب ميقاتي، إلى اتفاق بشأن الحكومة لتحل محل أخرى استقالت بعد انفجار مرفأ بيروت قبل عام.

وتقول مصادر سياسية إن الخلاف بسبب بضعة أسماء أكثر من كاف لفشل عملية التشكيل في ظل نظام تُعرض فيه المصالح الفئوية الاتفاقات الوزارية للفشل.

وقال آلان عون، العضو البارز في التيار الوطني الحر وابن شقيقة الرئيس عون، إنه يعتقد أن الحكومة ستتشكل قريباً. وقال لـ"رويترز" إن "ثمن الفشل - الانحدار السريع إلى مزيد من الفوضى - باهظ للغاية".

وفي حال تشكلت الحكومة بالفعل، فإن ميقاتي يعتزم استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يرغب في رؤية إصلاحات منها تنظيم المالية العامة وإعادة تأهيل النظام المصرفي وإعادة هيكلة الدين العام.

وتعتقد النخبة الحاكمة أن ما قيمته 860 مليون دولار من الاحتياطيات الجديدة لصندوق النقد الدولي يجب أن تشكل متنفساً للبنانيين.

لكن الإصلاحات ضرورية، ويشك البعض فيما إذا كان بوسع حكومة جديدة النجاح فيما فشلت فيه حكومة تصريف الأعمال.

ومن المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في الربيع المقبل، على أن تعقبها جولة جديدة كاملة من مفاوضات تشكيل الحكومة.

قال ناصر سعيدي، وهو وزير اقتصاد سابق: "هل ستكون هناك الشجاعة للقيام بهذه الإصلاحات؟ أشك في ذلك. يبدو أن السياسيين مهتمون بالمماطلة والقيام بلعبة كسب الوقت حتى الانتخابات في العام المقبل.

وأضاف النائب السابق لحاكم "مصرف لبنان": "الأمور بحاجة إلى إصلاحات فورية، وبحاجة إلى المعالجة بالصدمة لإعادة الثقة".

وإذا تكمن "حزب الله"، في غضون ذلك، من توفير إمدادات مستمرة من الوقود الإيراني، فإن الوضع سيصبح أكثر تعقيداً. ويقول منتقدوه إن ذلك قد يعرض لبنان لعقوبات أميركية.

وقال غسان حاصباني، نائب رئيس الوزراء السابق وعضو "حزب القوات اللبنانية" المسيحية: "في حين أن ما يفعلونه الآن هو رمزي مع هذه الباخرة المحملة بالمازوت، إلا أنها قد تكون نقطة انطلاق لشيء أكبر".

وأضاف لـ"رويترز" أنه "إذا استمر الأمر واستطاعوا الاستمرار في فعل ذلك على نطاق أوسع فسنشهد بداية محاولة تفتيت البلاد".

وقال الخبير الاقتصادي في "حزب الله"، عبدالحليم فضل الله، إن الخطوة تهدف إلى تنويع الخيارات وبناء شراكات اقتصادية في الشرق"، مضيفاً لـ"قناة المنار" التابعة للحزب أن ذلك يعكس "فشل الخيار الغربي".

(رويترز)

المساهمون