- **التقارب السوري العربي والتركي وتأثيره**: تقارب الأسد مع السعودية وتركيا دفع إيران للمطالبة بالديون، حيث تقدر الديون الإيرانية على سوريا بنحو 50 مليار دولار، مما يعزز بقاء إيران على الأرض.
- **آثار الضغط الإيراني على الأرض**: الضغط الإيراني أدى إلى شح في المشتقات النفطية وارتفاع الأسعار في سوريا، مع تنافس بين المحسوبين على إيران وأنصار التطبيع التركي والخليجي.
اتجهت إيران إلى ورقة الديون للضغط على نظام بشار الأسد، بعد التقارب السوري مع دول عربية في محاولة للضغط على دمشق من أجل حفاظ طهران على مصالحها ومكاسبها في سورية.
وكان لافتاً، أن يشدد الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان خلال اتصال رئيس النظام السوري، بشار الأسد للمباركة له، الأسبوع الماضي، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية "على تعزيز العلاقات الثنائية وتطبيق الاتفاقيات بين البلدين لما فيه مصلحة الشعبين".
لأن دمشق، وفق الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم، "لم تنفذ الاتفاقات الموقعة مع طهران" بل تماطل ببعضها وتحيل لروسيا البعض الآخر، كاستثمار ميناء اللاذقية والتنقيب عن النفط والفوسفات، الأمر الذي دفع طهران، بحسب الجاسم، لـ"نبش الماضي" والمطالبة بالديون وإظهار الاتفاقية التي وقعها الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، ورئيس النظام السوري بشار الأسد العام الماضي، للعلن، بل وتحويلها للبرلمان للتصديق عليها، لتأخذ الشكل القانوني، تحضيراً للشكايا في المحاكم الدولية كما نصت بعض بنود الاتفاقية إذا لم تسدد دمشق الديون.
تقارب النظام السوري مع العرب وتركيا
ويعتبر الجاسم في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الجديد بنقل الاتفاق للعلن وإرساله للبرلمان للتصديق، هو تقارب نظام الأسد مع الدول العربية "والسعودية خاصة" بالإضافة إلى التقارب مع تركيا ومسار التطبيع المتسارع في هذا الاتجاه، الأمر الذي دفع إيران إلى التلويح بالاتفاقات والمطالبة بالديون، رغم أنها الأعلم، بأن الخزينة العامة فارغة ويعجز النظام، حتى عن كفاية الشعب وزيادة الأجور.
وكانت مصادر إعلامية متطابقة، قد أشارت أخيرا إلى إرسال الرئيس الإيراني السابق بالإنابة، محمد مخبر، مسودة اتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجي الطويل الأمد لمدة 20 عاما بين إيران وسورية إلى البرلمان الإيراني، للتصديق عليها مع الاتفاقات الاقتصادية ومسودة ديون سورية إلى إيران.
وحسب وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء، فقد تم توجيه الرسالة إلى رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، تماشيا مع تنفيذ المادة 77 من الدستور، وتضمنت الرسالة مشروع الاتفاق الاستراتيجي طويل المدى للتعاون الاقتصادي بين إيران سورية. وتقضي المادة الدستورية رقم 77 بأن أي معاهدة أو اتفاق أو عقد دولي بين إيران والدول أو المؤسسات الدولية الأخرى يجب أن يحظى بموافقة البرلمان، بعد الموافقة على مسودة القانون من قبل مجلس الوزراء الإيراني بناءً على اقتراح وزارة الطرق والتنمية الحضرية.
ديون بـ50 مليار دولار
يقول المستشار الاقتصادي السوري، أسامة قاضي، إن رئيس النظام بشار الأسد "لا يمتلك من أمره شيئاً" بعد التمدد الإيراني بمفاصل القرار السياسي والاقتصادي، ومحاولة روسيا لجم هذا التمدد، الأمر الذي حال دون تنفيذ العديد من الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين النظام وإيران "روسيا أخذت استثمار مرفأ اللاذقية وشركة الفوسفات بعد توقيع استثمارهما مع إيران" لتبقى أموال خطوط الائتمان السنوية التي يقدرها قاضي بنحو 30 مليار دولار "منذ عام 2014 حتى اليوم بمعدل سنوي 3 مليارات لكل اتفاقية خط ائتماني" إضافة إلى مبالغ أخرى ما يوصل الديون لنحو 50 مليار دولار.
ويضيف الاقتصادي السوري خلال تصريح خاص لـ"العربي الجديد" أنه بسبب محاولات تسويق بشار الأسد، عربياً وتركياً، بدأت إيران تضغط بورقة الديون وتوثيق التعهدات والاتفاقات، كخط رجعة وضمان البقاء على الأرض قائلا: "أول مرة طهران تعلن الاتفاقات وتسعى لتوثيقها، بعد أن لمّحت وعبر البرلمان، قبل سنوات، إلى ضرورة استرداد الديون".
وعما يقال عن شراء "شركاء الأسد الجدد" سواء بالخليج أو تركيا لاحقاً، ديون طهران بسورية، يقول قاضي: كانت شروط دول الخليج "والسعودية تحديداً" أنها لن تدفع أموالاً، كمساعدات أو إعادة إعمار وإيفاء ديون، قبل خروج إيران وفك يدها عن مفاصل صنع القرار بدمشق، وهذا متعذر جداً "هناك أكثر من 500 نقطة عسكرية متغولة بسورية".
ويضيف: "إيران تؤسس للديمومة بسورية كما أسست في لبنان واليمن، ولا يمكن، برأي قاضي أن تنسحب من الأرض أو الاقتصاد، لأن ذلك سيكون بداية لتهديم مشروعها الفارسي بالمنطقة. لذا ستبقى الأمور على ما هي عليه، ولن تتكفل الدول الخليجية بدفع الديون مع سيطرة إيران على مفاصل الاقتصاد، فما يجري هو شراء الأسد للزمن ومناورات لأن وجود إيران بات أمراً واقعاً، ومطالبة طهران بالديون تتكرر كلما استشعرت أنها ستباع لروسيا أو لدول الخليج، كما حدث وطالبت بالديون عبر البرلمان عام 2019".
أثار الضغط الإيراني
على الأرض، بدأت آثار الضغط الإيراني تظهر جلياً، حسب مصادر خاصة من العاصمة السورية دمشق، إذ لم ترسل "شركة المحروقات الحكومية" رسائل تسليم المشتقات النفطية للمستهلكين منذ 18 يوماً، الأمر الذي زاد من شح حوامل الطاقة ورفع الأسعار بسبب تأخر وصول البواخر الإيرانية منذ نحو 40 يوماً.
وتضيف المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد" أن توزيع المازوت المدعوم "متوقف عدا كميات قليلة لوسائط النفط" في حين زادت أسعار البنزين بالسوق السوداء "السعر النظامي 12360 ليرة في حين يباع بين 20 و25 ألف ليرة حسب المدينة والطلب" كما وصل سعر أسطوانة الغاز المنزلي إلى 300 ألف ليرة في حين سعرها الرسمي 100 ألف ليرة سورية (الدولار = نحو 14800 ليرة).
وتكشف المصادر أن "الصراع بات جلياً بين المحسوبين على إيران وأنصار التطبيع التركي والخليجي، ويظهر ذلك جلياً خلال التنافس بالانتخابات البرلمانية الآن، لرجلي أعمال محسوبين على إيران "أمين سر غرفة التجارة السورية الإيرانية مصان النحاس، ورئيس مجلس رجال الأعمال السوري الإيراني فهد درويش".
اتفاقية الديون لمدة 20 عاماً
تتألف اتفاقية "مشروع التعاون الاستراتيجي" التي وقعها الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، مع رئيس النظام السوري، خلال زيارة رئيسي لدمشق في مايو/ آيار 2023، من مقدمة و5 مواد. وحسب الفقرة 2 من المادة 5 من هذا القانون، فإن مدة الاتفاقية 20 عاماً حتى وفاء سورية بالتزاماتها وسداد الديون المستحقة عليها، ويمكن تمديد خطوط الائتمان من طهران إلى دمشق.
وعن انتظار إيران نحو عام، حتى طالبت بتصديق الاتفاق، تقول مصادر من دمشق: "لأن مسار التطبيع العربي التركي مع النظام، برعاية وضغط روسي، بات متسارعاً وأصبح طرح خروج إيران حديثاً يومياً، كما أن الاتفاقية، ومجرد التصديق من البرلمان التركي، بعد موافقة مجلس الوزراء، ستكون ملزمة بغضون 30 يوماً".
ويقول الباحث الاقتصادي، أيمن عبد النور، إن تعهد النظام السوري موجود بنص الاتفاقية منذ العام الماضي، ولا مجال للتنصل اليوم، لكن إلزامية التنفيذ أو المماطلة، فهذا أمر آخر، وبكل الأحوال، فإن سعي إيران لتوثيق الاتفاق اليوم، يعطي رسالة للنظام السوري وغيره من الدول التي تتعامل مع إيران، سواء كانت بمرونة أو تشدد، حيث ستطالب إيران بكل دولار قدمته خلال مراحل التعاون والمشاريع السياسية المشتركة في حال عدم تنفيذ طلبات طهران.
ويضيف: كنت شاهداً بمصرف سورية المركزي عام 1996 عندما طالب الوفد الإيراني نظام حافظ الأسد بتسديد ديون ثمن النفط الذي أخذته سورية من إيران خلال حربها مع العراق، رغم مواقف حافظ الأسد بدعم إيران ووقوفه ضد بلد عربي وقتذاك.
وتابع: طالبوا بسعر النفط وتم الاتفاق على السداد لعشر سنوات بدفعات نصف سنوية وتسدد بالليرة السورية لحساب السفارة الإيرانية المفتوح بوزارة المالية تستخدمه لشراء بضائع سورية أو عقارات وأراض داخل سورية.
ويقول عبد النور خلال تصريح لـ"العربي الجديد": ذكرت هذه الحادثة التي كنت شاهداً عليها لأني أعتقد أن الأسد سيعتمد الحل ذاته الآن عبر بيع عقارات ومنشآت لإيران، بتبرير أن الأموال لن تخرج من سورية بل ستحرك السوق وتستخدم بالاستثمار.
ويؤكد أن "السعودية أو الإمارات أو حتى تركيا، لن تشتري هذا الدين. وليس من طريقة للضغط الإيراني، سوى بيع العقارات والمنشآت والبضائع والالتزام بالسداد زمنياً سيكون أمرا آخر، لأن السداد بالليرة يؤدي لتراجع قيمة الديون بواقع تراجع سعر الصرف".
ويشير عبد النور إلى أن الموقف الآن "متوتر بين نظام الأسد وإيران" بسبب عدم فتح أي جبهة خلال الحرب على غزة وبسبب التقارب العربي والتركي مع الأسد.
ويختم عبد النور أن نظام الأسد لا يستطيع "اللعب مع إيران" وعدم تسديد الديون أو التنصل بسهولة من الاتفاقات، ولكن يبقى واقع التكتلات الجديدة والمماطلة، هو الحل الممكن أمام دمشق.