لعل الصورة الذهنية المرسومة عن دول الخليج الست (السعودية، الكويت، قطر، البحرين، سلطنة عمان، الإمارات) أن هذه البقعة من العالم تعوم على ثروات مالية ونقدية ضخمة لا حصر لها، وأنها تضم أكبر عدد من المليونيرات والأثرياء في الكرة الأرضية، وأن هذه الثروة متواصلة وناتجة بشكل رئيسي عن تفوق هذه الدول في إنتاج النفط والغاز.
فإيرادات هذه الدول من منتجات الطاقة، بترول وغاز، تبلغ أكثر من مليار دولار يوميا، وإجمالي إنتاج دول الخليج من النفط الخام يبلغ قرابة 18 مليون برميل يوميا، تشكل 19% من إجمالي الطلب العالمي البالغ نحو 100 مليون برميل، وقيمة الصادرات السعودية، في شهر واحد هو مارس/آذار الماضي، بلغت نحو 106.1 مليارات ريال (28.29 مليار دولار)، وتجاوزت 37.86 مليار دولار في مارس/آذار 2022.
إيرادات دول مجلس التعاون من منتجات الطاقة، بترول وغاز، تتجاوز مليار دولار يومياً
كما يتجاوز إجمالي احتياطات دول الخليج 510 مليارات برميل من النفط، تشكل 32.7 % من الاحتياطي العالمي المؤكد والبالغ 1.55 تريليون برميل.
وتُعد قطر، أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم بأكثر من 110 ملايين طن سنويا، وتطمح للوصول إلى 127 مليون طن بحلول 2027. وتنتج 205.7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، تشكل 5.34% من الإنتاج العالمي البالغ أكثر من 3.84 مليارات متر مكعب. وتجاوزت عائدات الصادرات القطرية خلال الـ9 أشهر من العام الماضي 2022 نحو 100 مليار دولار.
وبسبب الثروة النفطية الضخمة وقفزات سعر النفط والغاز تدفقت الأموال بغزارة على خزائن دول الخليج في السنوات الماضية، ومعها تضخمت احتياطياتها من النقد الأجنبي وأرصدتها في البنوك الغربية.
فدول الخليج باتت تمتلك عشرات من الصناديق السيادية الكبرى التي لديها سيولة نقدية تقترب من 3 تريليونات دولار أي 3 آلاف مليار دولار، وتستثمر دول الخليج نحو 250 مليار دولار في سندات الخزانة الأميركية وحدها.
وسجلت دول الخليج مجتمعة فائضا قياسيا في ميزانها التجاري خلال العام الماضي 2022، مستفيدة من ارتفاع صادرات النفط والغاز والتحسن في الصادرات غير النفطية، حيث سجلت الصادرات نموا بلغ 45%.
ورغم امتلاك كل تلك الثروات الهائلة إلا أن الواقع يشير إلى تنامٍ في أعداد الفقراء داخل دول الخليج رغم تضييق بعض حكوماتها على العمالة العربية والأجنبية الوافدة، والتوسع في سياسة توطين الوظائف، والإنفاق بشكل كبير على البنية التحتية.
رغم الثروات الهائلة إلا أن الواقع يشير إلى تنامٍ في أعداد الفقراء داخل دول الخليج
فطبقا لتقرير صادر يوم الأربعاء الماضي عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) تحت عنوان "3.3 ملايين مواطن في بلدان مجلس التعاون الخليجي في براثن الفقر"، فإنه رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها هذه الدول للحد من الفقر وتعزيز الطبقة الوسطى خلال العقود الماضية، لا يزال هناك 3.3 ملايين مواطن يعيشون في فقر يطاول 1 من كل 7 مواطنين في السعودية، و1 من كل 10 في سلطنة عُمان، و1 من كل 13 في البحرين. وفي المقابل، تقل معدلات الفقر في قطر والكويت والإمارات عن 2%.
مكافحة الفقر في الخليج والحد من تلك الظاهرة الخطيرة التي قد تؤثر على الأوضاع الاجتماعية السياسية المستقرة تحتاج إلى خطوات عدة منها التوزيع العادل للثروات، وعدم تركزها في يد عدد محدود من السكان أو أفراد الأنظمة الحاكمة، وتحقيق العدالة الاجتماعية وإطلاق الحريات الاقتصادية، وتخفيف ظاهرة المال السياسي.
كما يتطلب الأمر تنويع أنشطة الاقتصاد وعدم تركزها على قطاعي النفط والغاز، ودعم القطاع الخاص الموفر الأول لفرص العمل، وإصلاح نظام الدعم الحكومي بحيث يوجه للفئات الفقيرة وذات الدخل المنخفض، لا للأسر الثرية القادرة على شراء السلع بالتكلفة وسعر السوق.
الأمر يتطلب أيضا استفادة الشعوب الخليجية من ثرواتها الضخمة المودعة والمستثمرة في الخارج، واسترجاع جزء من الأموال الخليجية المتراكمة في البنوك الغربية لدول المنطقة، على أن توجه لإقامة مشروعات يتم من خلالها خلق فرص تشغيل والحد من البطالة وهو ما يساهم في الحد من الفقر.