فعلها النظام السوري

22 ابريل 2022
كانت سورية تصدّر أكثر من 1.5 مليون طن قمح قبل الحرب (فرانس برس)
+ الخط -

يبقى دائماً، فوق كل ذي علم عليم، وتبقى الحلول الاقتصادية ممكنة وبأحلك الظروف وتلاشي الموارد، ما دام ثمة مخططون من وزن رجالات النظام السوري على قيد التخطيط والابتكار والإنجاز.

الأرجح، من الصعوبة البالغة بمكان، الإحاطة بكل التدابير والحلول التي يقوم بها القادة وصنّاع القرار بعصابة النظام السوري، فلقطاع الزراعة حكاية، ببلد كان يوصف بالزراعي، وقت كان يصدر أكثر من 1.5 مليون طن قمح، ونصف كمية الخضر والفواكه وربع القطن، وكيف تحوّل الخبز فيه لمشتهى وتباع الخضر بأسواقه بالحبة وسمح باستيراد الغزول لتظل المنشآت النسيجية المتبقية على قيد الإنتاج.

وهكذا، ومن دون إطالة وشرح، على قطاع الصناعة والنفط والتجارة الخارجية، ببلد تحوّل بهمة هؤلاء الجهابذة، إلى أرذل مراتب التصنيف العالمي، سواء على قوائم الفقر أو البطالة أو حتى الطاردة للأموال والكفاءات والاستثمار.

لذا، ربما لن يعجز النظام الذي ربّى شعوب العالم المتطلعة للحرية، بالشعب السوري، عن إيجاد حلول لتحسين سعر الصرف والاستفادة القصوى من التحويلات الخارجية، التي يستر بها عورة الموارد العامة، بعد بلوغها يومياً أكثر من 5 ملايين دولار، إثر تحوّل سوريي الداخل إلى متسولين يستجدون ذويهم بالخارج، ليستمروا، ولو بالحدود الدنيا، على قيد الحياة.

فجاءت القرارات الأسدية تباعاً، بالتزامن مع زيادة التحويلات الخارجية بشهر رمضان وصدقات الصوم، فأصدر المصرف المركزي قراراً رفع خلاله سعر صرف الدولار الرسمي، من 2512 إلى 2814 ليرة، بعدما لامس سعر الدولار بالسوق عتبة 4 آلاف ليرة، ليدعم الإنتاج والتنمية، حرفياً كما قال ببيان رفع السعر.

وتابع أبو المصارف مفاجآته بقرار رديف، ليمنع الدول المجاورة من الاستفادة من دولار المغتربين ومعونات ذوي السوريين بالخارج، ولتصب العملات الصعبة بالسوق السورية، فتعادل المعروض النقدي وتعود الليرة السورية لسابق عهدها الميمون، فأصدر قراراً رفع بموجبه دولار الحوالات الخارجية إلى 2800 ليرة سورية، معتبراً، على الأرجح، أن بحبوحة السوريين بالداخل وحسهم الوطني العالي وحرصهم على عملتهم الوطنية، ستدفعهم للتنازل عن 1200 ليرة عن كل دولار.

ولم يفت المصرف المركزي قتل التجارة، فأصدر قراراً بملاحقة التجار لسؤالهم عن مصدر دولار التصدير، لأنه مستعد لتمويل مستلزمات العرض بالأسواق وتمويل المنشآت الصناعية، بدولار المركزي، ولكن للأسف، لا توجد بالمركزي عملات صعبة الآن، بعدما بدد نظام الأسد احتياطي سورية الذي ناف عام 2011 على عتبة 18 مليار دولار.

وهكذا دواليك، جاءت مع ملامح إعادة إنتاج الأسد، كإلزام بيع العقارات والسيارات عبر التحويل المصرفي وإبقاء جزء من الثمن بالليرة السورية لدى المصرف المركزي، شريطة عدم السماح بسحب أكثر من 3 ملايين ليرة يومياً.

ولعلّ برفع سعر الفائدة على الإيداع، من 9 إلى 11%، القرار الأكثر اقتصادية وصواباً وعبقرية، فبلد يزيد فيه التضخم السنوي، وبحسب المصرف المركزي نفسه، عن 71.51%، فمن سيتهافت على الإيداع ليكسب 11% ويخسر 60% من قيمة عملته، إلا طبعاً صاحب الحس الوطني العالي والحريص على قيمة وسمعة الليرة والتي هي لا شك، من سمعة وهيبة الدولة والقائد بشار الأسد.

نهاية القول: أغلب الظن، وقع النظام السوري بفخ شرّ قراراته، وسيبدأ السوريون بالداخل بتفنيد غباء هذه القرارات التي ستزيد من تهاوي سعر الصرف ومن تحويل الأموال لأسواق الدول المجاورة، ليعود كل دولار بنحو 4 آلاف ليرة هارباً من إتاوات شركات التحويل الست العاملة لدى النظام، ولن يصمت الاقتصاديون بالتأكيد، عن شرح أثر القرارات على السوق وتفقير السوريين وإكمال الإجهاز على التجارة والصناعة السوريتين.

ولكن أين وعلى من؟!

النظام السوري وبعبقريته المعهودة، أصدر بالتزامن مع تلك القرارات، قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يجرّم بالسجن من 4 إلى 15 سنة وبغرامة مالية من 5 إلى 10 ملايين ليرة سورية، كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو نشر على الشبكة أخباراً تؤدي إلى زعزعة النقد وأسعار الصرف في النشرات الرسمية.

وحتى لمن يخطر له أن يشكو سوء معيشته، بعد تضخم الأسعار وزيادة نسبة الفقر عن 95%، كان له السيد الرئيس بالمرصاد، فالقانون الجديد نصت إحدى مواده بالسجن المؤقت من 3 حتى 5 سنوات وبغرامة مالية تصل إلى 5 ملايين ليرة، لكل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أخبار كاذبة، من شأنها النيل من هيبة الدولة ومكانتها المالية والمساس بالوحدة الوطنية أو إثارة الرأي العام. 

وأما درع الوطن الاقتصادية، صنّاع القرارات ومبتكرو الحلول، فلم ينسهم القانون من الحماية وصون السمعة، فقالت إحدى مواده، يعاقب بالحبس من 3 أشهر حتى سنة وغرامة من 500 ألف حتى مليون ليرة، كل من يذم المكلف بعمل عام أثناء ممارسته لعمله أو بسببه. أي هؤلاء الذين أصدروا أو ساهموا في إصدار تلك القرارات العبقرية.

المساهمون