تواصل منظمات مدنية مساعيها من أجل إجبار السلطات التونسية على اتخاذ قرارات صارمة تكبح الفساد في القطاع المصرفي مطالبين بإقالة محافظ البنك المركزي، مروان العباسي، الذي يواجه تهمة تعطيل إصدار قوانين تحمي حسابات المودعين من شطط العمولات الموظفة عليها.
وأمس الاثنين، أصدر مرصد الشفافية والحوكمة (منظمة مدنية) بيانا للرأي العام أعرب فيه عن "قلق بالغ من التجاوزات المرتكبة من قبل المصارف، في حق مستهلكي الخدمات المصرفية من عموم التونسيين وذلك بسبب شلل جهاز الرقابة المصرفية، وعدم حماية مستهلكي الخدمات المصرفية".
وقال المرصد إنّ "المودعين يتعرضون للابتزاز والتحايل والتهديد من قبل المصارف وشركات استخلاص الديون التي تطالبهم بدفع فوائد وعمولات غير مستحقة".
كما اتهمت المنظمة المدنية البنك المركزي بالصمت إزاء ما تقترفه المصارف من تجاوزات رغم امتلاكه للسلطة التأديبية تجاه ما وصفه بـ"البنوك المارقة" معتبرة أنّ شلل الجهاز الرقابي للبنك المركزي تسبب في إفلاس البنك التونسي الفرنسي وتفحم ديون البنوك الحكومية.
وتتوالى في تونس الحملات المدنية ضد ما يوصف بـ"كارتل المصارف"، بهدف كبح أسعار الفائدة المرتفعة والعمولات المتصاعدة التي تزيد من أعباء المقترضين، بينما تشهد البلاد أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية.
وتراهن المنظمات على تشكيل جبهة ضغط شعبية من أجل إجبار المصارف على تغيير سياساتها تجاه العملاء، وإعادة دورها في تمويل الاقتصاد والأفراد بدلاً من مراكمة الأرباح والإيرادات المغالية فيها.
ويضم الجهاز المصرفي التونسي 24 مصرفاً، من بينها 6 مصارف تستحوذ على 70 بالمائة من السوق، حسب بيانات رسمية.
وفي هذا السياق، يقول عضو مرصد الشفافية والحوكمة الأسعد الذوادي، إن الجهاز المصرفي يدوس على كل القوانين والمناشير (التشريعات) المتعلقة باحترام قواعد الحيطة والحذر ونسب العمولات الموظفة على حسابات المودعين، مشيرا إلى أن البنك المركزي التونسي يتواطأ مع المصارف ويتجنّب توظيف الغرامات المالية على البنوك المخالفة.
وأفاد الذوادي في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن تعطيل العمل بالقوانين التي تحمي مستهلكي الخدمات البنكية هو فساد يستحق التجريم وفق قوانين البلاد، مشيراً إلى أنّ تقريراً رقابياً لمحكمة المحاسبات حول الرقابة المصرفية أثبت أنّ البنك المركزي لم يوظف خطايا (غرامات) بقيمة 171 مليون دينار أي ما يعادل 57 مليون دولار على المصارف المخالفة.
وتابع: "أجهزة الرقابة المالية تتعمد إخفاء تقارير مهماتها الرقابية للبنك المركزي والبنوك الحكومية وذات المساهمات الحكومية لطمس حقائق خطيرة بشأن تجاوزات المصارف بما يعرض أموال المودعين للمخاطر".
وتحدث الذوادي عن امتناع محافظ البنك المركزي مروان العباسي، عن إصدار منشور يمنع حصول المصارف على أي عمولات عن 14 خدمة مصرفية يفترض أن تكون مجانية بينما تتقاضى عنها المصارف عمولات كبيرة.
كما أكد عضو مرصد الشفاقية والحوكمة رفض محافظ البنك المركزي التونسي تسليط عقوبات مالية على المصارف المارقة التي توظف رسوما غير مستحقة على أموال المودعين.
وطالب المرصد في البيان الصادر أمس الاثنين، بتسخير كل هياكل الرقابة العمومية بقيادة محكمة المحاسبات للتدقيق بصفة معمقة في وضعية المصارف العمومية وذات المساهمات العمومية ومصادرة أملاك من نهبوها.
ويقول التقرير السنوي الثاني والثلاثون لمحكمة المحاسبات (حكومية) الصادر في فبراير/ شباط 2021 إنّ "البنك المركزي التونسي لم يقم بتسليط عقوبات على عدّة مخالفات تمّ الوقوف عليها ضمن مهمات التفقّد الميداني أو بمناسبة أعمال الرقابة المستندية والتي تعلّقت أساسا بمجالات الحوكمة والرقابة الداخليّة ومجال مكافحة غسل الأموال وإسناد قروض بنسبة فائدة مشطّة والمغالاة على نسبة تأجير الودائع".
وقدّرت المحكمة مبلغ العقوبات غير المسلّطة في مجالي الحوكمة والرقابة الداخليّة بما يناهز 123 مليون دينار أي نحو 41 مليون دولار، وفي مجال مكافحة غسل الأموال بحوالي 47.8 مليون دينار ما يعادل 16 مليون دولار.
كما لم يقم البنك المركزي بنشر قرارات العقوبات التي تمّ تسليطها من قبل محافظ البنك المركزي على المصارف خلافاً لما يقتضيه القانون البنكي، وفق ذات التقرير.
وأوصت المحكمة بالحرص على تفعيل منظومة العقوبات بما يدعم السلطة التأديبية للبنك المركزي وبالتالي ضمان احترام البنوك للشروط الترتيبيّة والقانونية المنظمة للقطاع المصرفي.
ويقول رئيس منظمة "آلارت" التي تقود الحملة الوطنية ضد "كارتل المصارف" لؤي الشابي، إن المجتمع المدني مطالب بتشكيل جبهة مضادة لقوة الجهاز المصرفي، بهدف فرض سياسات جديدة تمكن العملاء التونسيين بمختلف شرائحهم من النفاذ إلى قروض مصرفية وتمويلات بطريقة سلسة وكلفة أقل.
ويؤكد الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن البنوك والمؤسسات المالية توجه السياسات المصرفية في البلاد لصالحها على حساب المودعين والاقتصاد المحلي، مستفيدة من ضعف أجهزة الرقابة تشابك العلاقات بين العائلات النافذة اقتصادياً والمالكة للبنوك، أو الممثلة في مجالس إدارتها.
واعتبر المتحدث أن غياب المنافسة في القطاع المصرفي أدى إلى وضعية احتكارية مضرة بالأفراد والاقتصاد.
وكشف تقرير الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية لسنة 2021 أن المصارف التونسية حصلت على ما قيمته 1.3 مليار دينار في شكل عمولات على ما يزيد عن 10.2 ملايين حساب مصرفي مسجلة زيادة بنسبة 13.3 بالمائة في العمولات الموظفة مقارنة بعام 2020.
وتسجّل المصارف التونسية أعلى نسبة في العمولات الموظفة على الحسابات مقارنة بالسنوات الأربع الماضية، بينما يعاني التونسيون من تداعيات أصعب أزمة اقتصادية تمر بها البلاد، ما تسبب في ارتفاع نسبة الفقر إلى مستويات قياسية تطاول نحو 3 ملايين أسرة.
وتشكّل العمولات التي توظفها المصارف التونسية على حسابات المودعين مصدر ضغط مالي إضافيا على المواطنين، بمن في ذلك أصحاب الحسابات غير النشطة ممن تجبرهم البنوك على تحمّل أعباء مالية لحسابات لا تجرى عليها أي نوع من المعاملات المصرفية.