فريق البنك المركزي المصري الجديد ومهمة شاقة

29 اغسطس 2022
مضاربون يتحينون الفرصة للانقضاض على سوق الصرف وإعادة احياء السوق السوداء (فرانس برس)
+ الخط -

بات يشرف على إدارة البنك المركزي المصري فريق محترف يقوده حسن عبد الله، القائم بأعمال المحافظ، ويساعده كلّ من هشام عز العرب ومحمد نجيب اللذين تم تعيينهما مستشارين للمحافظ.

المهمة أمام هذا الفريق المصرفي المحترف ليست سهلة على الإطلاق، وخاصة أن خيوط اللعبة ليست كلها في يد البنك المركزي، وليست كلها في يد الإدارة المصرية.

فهناك مخاطر جيوسياسية عالمية لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد المصري، وهناك حرب أوكرانيا وصندوق النقد الدولي وتحركات البنوك المركزية العالمية نحو تشديد السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة.

ولذا يمكن القول إن هذا الفريق أمامه مهمة معقدة وشاقة جدا وتبدو أحيانا شبه مستحيلة. فاحتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي يتراجع بشدة منذ شهر فبراير/ شباط الماضي رغم تغذيته بودائع خليجية تبلغ 13 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، ورغم فرض قيود صارمة على حركة رؤوس الأموال وعملية الاستيراد وفتح الاعتمادات المستندية.

وهناك ضغوط شديدة على العملة المحلية يمكن أن تتبعها اضطرابات في سوق الصرف وظهور السوق السوداء للعملة إن لم يتم وأدها بتلبية احتياجات السوق الدولارية من قبل البنوك وعملائها، وإقناع أصحاب المدخرات بدوام استقرار السوق وعدم حدوث قفزات في سعر الدولار أو تعويم كامل للعملة المحلية خلال الفترة المقبلة.

وهناك التزامات خارجية ضخمة مستحقة على البنك المركزي، منها مثلا سداد أعباء ديون خارجية تقدر بنحو 35 مليار دولار خلال العام المالي الجاري، وهناك كلفة الواردات المصرية المتزايدة بسبب التضخم العالمي وزيادة أسعار القمح والوقود، وهي فاتورة قدرها وزير المالية محمد معيط بنحو 9 مليارات دولار شهرياً مقابل 5 مليارات قبل حرب أوكرانيا.

الفريق أمامه مهمة معقدة وشاقة جداً وتبدو أحياناً شبه مستحيلة

وينتظر الإدارة الجديدة للبنك المركزي أيضاً جدول سداد مزدحم لديون خارجية مستحق على البلاد خلال الأعوام القليلة المقبلة، فبالإضافة إلى 26.4 مليار دولار ديون قصير الأجل مطلوب سدادها خلال عامين، هناك ديون متوسطة وطويلة الأجل تجاوزت 72.4 مليار دولار خلال الفترة من نهاية 2022 وحتى نهاية 2025.

وهنا نجد أن البنك المركزي مطالب بسداد تلك الديون في ظل احتياطي يتراجع، وجفاف في بعض إيرادات الدولة الرئيسية ومنها قطاعات السياحة والاستثمارات الأجنبية والأموال الساخنة التي هرب منها 22 مليار دولار وفق أرقام وزارة المالية الصادرة اليوم.

وبحسب بيانات الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل، يتعين على مصر سداد 8.57 مليارات دولار خلال النصف الثاني من العام الحالي. وفي 2023، يجب سداد 9.33 مليارات دولار في النصف الأول من هذا النوع من الديون، و8.32 مليارات دولار في النصف الثاني. وفي 2024، فان مصر ملتزمة بسداد 10.9 مليارات دولار في النصف الأول و13.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام.

وإضافة إلى ملف الديون الخارجية هناك ملفات أخرى تتعلق بالقطاع المصرفي نفسه، فهناك ملف عاجل وهو استرداد ثقة شريحة من عملاء البنوك الذين قاموا بسحب ودائعهم الدولارية وإيداعها في المنازل عقب انتشار شائعات حول إفلاس مصر وتعثرها عن سداد الديون الخارجية. هؤلاء مطلوب طمأنتهم بشكل عملي وعدم التعامل مع هذه المسالة بتجاهل وكأنّها غير موجودة.

يتعين على مصر سداد 8.57 مليارات دولار خلال النصف الثاني من العام الحالي

ومطلوب أيضا إعادة بناء الجسور بين البنك المركزي وقيادات القطاع المصرفي في ظل تذمر بعضهم من أسلوب الإدارة السابقة للبنك المركزي الخشن في التعامل معهم والنظر إليهم على أنهم جزء من معسكر يديره جنرال قابع في البنك المركزي يحمل صفة محافظ.

فالتدخل اليومي للبنك المركزي في أنشطة البنوك غير مطلوب، وتحديد سعر الدولار بالتلفون وطبقاً لتعليمات إدارية أمر يضر بسوق الصرف كما رأينا في سنوات سابقة، واستهداف قيادات مصرفية منافسة لمحافظ المركزي وتشويه صورتها أمر يجب أن يتوقف. واجبار البنوك على الاكتتاب في اذون الخزانة والسندات التي يطرحها البنك المركزي بالدولار واليورو هو أمر يجب أن يختفي من القطاع المصرفي.

وهناك ملف أصول البنوك الأجنبية المتآكل من النقد الأجنبي والذي يجب أن يحظى باهتمام الإدارة الجديدة للبنك المركزي، إذ وحسب البيانات الرسمية، فإنّ صافي الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي المصري، بما فيه البنك المركزي، شهد تراجعاً بمقدار 370 مليار جنيه (نحو 20 مليار دولار)، في فترة لم تتجاوز الـ12 شهراً، بعدما هوى الرصيد من 320 مليار جنيه (17 مليار دولار)، في فبراير/ شباط 2021 إلى نحو "سالب" 50 مليار جنيه (2.7 مليار دولار)، في فبراير 2022.

وإضافة إلى الملفات المحلية، هناك تحديات خارجية يمكن أن تعرقل فريق البنك المركزي الجديد، فهناك تأثيرات حرب أوكرانيا التي لا تزال مستعرة، وهذه الحرب تغذي مخاطر التضخم والعملة، وتؤثر سلباً على إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، وتعطل جهود المركزي في إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي من مورد ذاتية.

صافي الأصول الأجنبية للجهاز المصرفي شهد تراجعاً بنحو 20 مليار دولار في نحو 12 شهراً

وهناك في الجانب الآخر البنك الفيدرالي الأميركي الذي يرفع سعر الفائدة على الدولار بشكل متواصل، وهو ما يضغط على سوق الصرف الأجنبي في مصر ويرفع من تكلفة الاقتراض الخارجي.

وبعيداً عن العوامل الخارجية، فإنّ هناك وزارات وهيئات في مصر لا تزال تعمل في جزر منعزلة رغم علاقتها الوثيقة بموارد البلاد من النقد الأجنبي وملفات تستنزف الاحتياطي الأجنبي مثل عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ولا تعرف تلك المؤسسات والقائمين عليها شيئاً عن علم وفن التنسيق بين السياسات المالية والنقدية والاقتصادية.

وهناك مجلس تنسيقي بين السياسات الاقتصادية معطل ولم نسمع له صوتاً أو قراراً مؤثراً، وهناك تجار عملة ومضاربون يتحينون الفرصة للانقضاض على سوق الصرف وإعادة احياء السوق السوداء والتربح على حساب الدولة واقتصادها واسواقها.

وهناك المناوئون للسلطة الحاكمة والذين يتمنى بعضهم إفلاس مصر للتدليل على فشل النظام، كأنّ هذا الأمر يريحهم نفسياً أو لا يدركون مخاطره الشديدة على الدولة والاقتصاد.

في ظل هذا المشهد المعقد تبدأ الإدارة لجديدة للبنك المركزي المصري مهامها في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وفي المقدمة ضبط سوق العملة.

المساهمون