تضع مقاطعة سلع الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، التي لقيت تفاعلاً كبيراً في اليمن، القطاعات الإنتاجية والتجارية في اختبار حقيقي إزاء إحياء إنتاج الكثير من السلع في البلد الذي شهد تراجعاً اقتصادياً حاداً خلال السنوات التسع الأخيرة وتقليص فاتورة الاستيراد، بعدما بات يعتمد على الأسواق الخارجية في توفير معظم احتياجاته.
ويستورد القطاع الخاص التجاري في اليمن ما نسبته 96.5% من احتياجات السوق المحلي، في حين شكلت الجهات الفاعلة الإنسانية النسبة المتبقية المقدرة بنحو 3.5%.
وتقدر فاتورة الواردات السلعية بنحو 15 مليار دولار سنوياً؛ حيث تشكل الواردات الغذائية والمشتقات النفطية حوالي 60% من إجمالي قيمة الواردات السلعية، في حين تصل نسبة استيراد السلع والمنتجات الأخرى إلى 40%.
وتثير هذه الفاتورة المتضخمة التي توجه للاستيراد في بلد يعاني من أزمات اقتصادية وإنسانية واسعة جدلاً واسعاً، وسط مطالبات بترشيد الواردات بالتركيز على الضرورية منها واستغلال حملات المقاطعة المتصاعدة بشكل تدريجي للاهتمام بالمنتج المحلي وتنمية الصناعات والمشرعات الصغيرة والمتوسطة ومشاريع إنتاج الغذاء للأسر.
ويرصد "العربي الجديد"، القائمة الأولية بالسلع والبضائع التي تشملها حملات المقاطعة في اليمن، إذ تم تحديد ما يقارب 220 من المنتجات والسلع، منها نحو 35 منتجا من المشروبات والعصائر والألبان ومشتقاتها لشركات دول داعمة لإسرائيل، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، حيث تنفذ الجهات المعنية في اليمن حملات واسعة لمقاطعتها في إطار التضامن الرسمي والشعبي والتجاري والاقتصادي مع الشعب الفلسطيني.
وترافقت مع حملات المقاطعة النشطة حزمة قرارات تقضي بحظر دخول وتداول منتجات مجموعة من الشركات الأجنبية لهذه الدول، وشطب الوكالات والعلامات التجارية للشركات الداعمة للاحتلال.
يقول الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، لـ"العربي الجديد"، إن الضرورة تقتضي إيجاد استراتيجية وطنية خاصة بتوطين الصناعات المحلية محل السلع والمنتجات التابعة لدول داعمة لإسرائيل، مع أهمية إيجاد بدائل لها، كون المقاطعة السلاح الوحيد المتاح أمام المستهلك اليمني والعربي.
ويضيف الحداد أن "المقاطعة تحتاج إلى دراسة الإمكانيات المتاحة في الظروف الحالية، والقدرات الكفيلة بتوطين المنتج المحلي، فهناك سلع ومنتجات كمالية، وهناك منتجات أساسية"، مشيرا إلى ضرورة توفير الدعم الحكومي وخلق بيئة مواتية للاستثمارات المحلية من أجل رفع معدل الإنتاج الوطني، والذي سيخفف فاتورة الاستيراد ويسهم في استقرار أسعار صرف العملة وتوفير فرص عمل للكثير من العاطلين.
ويؤكد أن هناك حاجة ملحة لاتخاذ خطوات عملية مدروسة تؤدي إلى توحيد السياسات المالية والنقدية بين أطراف الصراع وإنهاء الانقسام الحالي لتبديد مخاوف رأس المال الوطني، وكذلك لجذب الاستثمارات الأجنبية، مشيرا إلى أنه يتم استنزاف معظم النقد الأجنبي في استيراد سلع غذائية رئيسية.
وأدت الأزمة الإنسانية التي شهدها اليمن مع تردي الأوضاع المعيشية وفقدان الكثيرين مصادر الدخل التي يعتمدون عليها، إلى انتشار مشاريع صغيرة، لاسيما في مجال الصناعات الغذائية البسيطة، التي تقوم بها الأسر في المنازل في معظم الحالات.
ويرى عبدالرقيب الوصابي، المسؤول في إحدى مؤسسات دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أن هناك أهمية في هذه الظروف الداعمة للمقاطعة لتعزيز الصناعات والمشروعات الصغيرة، مع التركيز على مشاريع الغذاء التي تنتجها أسر يمنية، وكذا أهمية دعم انتشار فروع مؤسسات التمويل الأصغر لتوسيع نطاق خدماتها في المناطق الريفية والمدن.
ويشير الوصابي إلى إمكانية التركيز كذلك على دعم منتجات الطاقة الشمسية، والخياطة والتطريز للنساء، والمشاريع الزراعية، ومستلزمات الري ومشاريع وصناعات إنتاج الأجبان والحليب وتجفيف التمور.
وتقدر بيانات البنك الدولي القيمة الإجمالية للأموال المحولة لغرض الاستيراد بنحو 7 مليارات دولار سنوياً. وتؤكد منظمات أممية أن القدرة الشرائية للحصول على الغذاء بالنسبة للناس في اليمن لا تزال محدودة للغاية، في ظل ارتفاع الحد الأدنى لتكاليف السلة الغذائية بنسبة تصل إلى نحو 74%، في الوقت الذي يحتاج أكثر من 21 مليون يمني إلى المساعدة الإنسانية.
ويرى المحلل الاقتصادي صادق علي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ترشيد الواردات يجب أن يكون بالتزامن مع تفعيل اتفاقيات التجارة الحرة بين الدول العربية وتجديد الاتفاقيات بصورة تشمل ليس فقط التبادل التجاري بل أيضاً إيجاد مشاريع صناعية مشتركة، مع التركيز على السلع الغذائية والدوائية ومواد البناء والمواد الخام والمستلزمات الإنتاجية الصناعية والزراعية والسلع الاستهلاكية الضرورية اللازمة لاحتياجات المواطنين.