قال رئيس غرفة صناعة الأردن، فتحي الجغبير، في مقابلة مع "العربي الجديد" إن الاضطرابات المحيطة بالأردن وجائحة كورنا أحدثت ضرراً كبيراً للاقتصاد، وأكد وجود تحديات عديدة تواجه القطاع الصناعي. وفيما يلي نص الحوار:
• كيف تقيّم أداء الوضع الاقتصادي الأردني في ظل الظروف المحيطة وأزمة كورونا؟
لا يختلف واقع الاقتصاد الأردني في ظل أزمة كورونا وحجم تأثره بتبعاتها عمّا شهدته بقية دول العالم، مدفوعاً بتراجع مستويات الطلب المحلية والعالمية، وتوقف حركة التجارة العالمية، والإجراءات الحكومية الوقائية، التي تمثلت بإجراءات الحظر الشامل والجزئي والتي امتدّ بعضها لأشهر طويلة، بل إن بعض القطاعات الاقتصادية ما زال متوقفاً عن العمل حتى الآن. وكان لهذه الإجراءات آثار سلبية تراكمية على الاقتصاد الوطني عموماً، وعلى القطاعات الاقتصادية المختلفة خصوصاً.
فعلى الرغم من تسجيل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 1.3% خلال الربع الأول من عام 2020، إلا أن الربع الثاني شهد تراجعاً في الناتج المحلي الإجمالي بحوالى 3.6% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، واستمر هذا التراجع خلال الربع الثالث، بتسجيله نمواً سالباً بما نسبته 2.2% مقارنة بالربع نفسه من عام 2019.
وجاء هذا الأداء متوافقاً مع توقعات البنك الدولي التي أشارت إلى أن الاقتصاد الأردني سيسجل نمواً سالباً بنسبة 3.5% مع نهاية عام 2020، فيما يتوقع البنك المركزي تسجيل الاقتصاد الأردني نمواً سالباً بنسبة 4.3%، وهو ما يتوافق مع مختلف الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.
وتأثرت التجارة الوطنية بالانعكاسات السلبية للجائحة على البلدان المجاورة، فقد انخفضت الصادرات الوطنية ووصلت إلى 37% في بعض الأشهر.
• إلى أي مدى تأثرت حركة الاستثمار في الأردن خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة مع الحديث عن هروب رؤوس أموال للخارج؟
لا يمكن وصف الحالة الاستثمارية بالهروب للخارج، حيث إنه في الوقت نفسه شهد الأردن خلال السنوات الماضية دخول استثمارات جديدة، سواء محلية، أو حتى خارجية.
وبشكل عام، ندرك اليوم الحاجة الماسّة إلى العمل الحقيقي في مجال تحسين البيئة الاستثمارية في الأردن، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الأردن، سواء ما قبل جائحة كورونا وما عمقته الجائحة بعدها.
وحسب البيانات الإحصائية، فقد تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية الواردة للأردن من أكثر من ملياري دولار عام 2017 إلى 916 مليوناً لعام 2019.
وللأسف، يأتي ترتيب الأردن من حيث القدرة على جذب الاستثمار في موقع متأخر نسبياً على صعيد الدول العربية، خاصة في ظل الأحداث الداخلية لبعض الدول، رغم تقدمه في مؤشرات التنافسية وبيئة الأعمال على بعض منها، حيث لم تتجاوز حصة الأردن من إجمالي التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة الواردة إلى الدول العربية على مدار العقدين الأخيرين ما نسبته 5% فقط، بل إن بعض الدول التي تعاني اضطرابات سياسية نجحت في التفوق علينا في هذا الجانب وجذب استثمارات أكبر.
وهذا ما أكده تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2020 الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، باستحواذ الأردن على ما نسبته 4% فقط من إجمالي أرصدة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى الدول العربية خلال العقدين الأخيرين (منذ عام 1990 وحتى نهاية عام 2019)، في حين أن دول المحيط، أي كلاً من السعودية والإمارات ومصر، المنافسة للأردن في مجالي جذب الاستثمارات وتنافسية المنتجات، استحوذت وحدها على ما نسبته 55.4% من إجمالي تلك الأرصدة.
• كم عدد المنشآت المسجلة في غرفة الصناعة، وهل انخفضت أعدادها العام الماضي؟
سجلت المنشآت الصناعية تراجعاً واضحاً للعام الثاني على التوالي في عددها خلال العامين الماضيين، ففي عام 2019 تراجع عدد المنشآت الصناعية بنسبة وصلت إلى حوالى 1.9% مقارنة بالعام السابق، وتراجعت أيضاً خلال العام 2018 بنسبة 2.6% مقارنة بعام 2017، بعد أن شهدت ارتفاعاً واضحاً خلال السنوات (2013-2017)، حيث بلغ معدل نمو تلك المنشآت بالمتوسط حوالى 2.6% سنوياً خلال تلك الفترة.
وقد انخفضت أعداد المنشآت الصناعية من حوالى 18200 منشأة عام 2017 إلى 17392 لعام 2019.
• ماذا عن المعوقات التي تواجهها الصادرات الأردنية إلى كل من العراق وسورية؟
السوقان العراقي والسوري كانا يشكلان عمقاً استراتيجياً للمنتجات الأردنية والاستثمارات المشتركة، إذ كانت أكثر من 30% من صادراتنا تتجه نحو السوق العراقي أو من خلال السوق السوري إلى الأسواق المجاورة، وهذا قبل إغلاق معبري جابر وطريبيل الحدوديين معهما.
وشهدت العلاقات التجارية مع الدولتين تقلبات كبيرة على مدار السنوات الماضية، وذلك جراء الأحداث المؤسفة والصراعات الداخلية بهما وما أعقبها من تبعات.
وبالرغم من إعادة افتتاح المعبرين الحدوديين منذ أكثر من عامين، إلا أن حجم التبادل التجاري والاستثماري بين الأردن وكلا البلدين لم يرتقِ إلى حجم الطموح، ولم يعد إلى سابق عهده، نتيجة العديد من العوائق غير الجمركية والإدارية التي فرضتها السلطات الحكومية من كلا البلدين على حركة التجارة مع الأردن.
فعلى سبيل المثال، تواجه الصادرات الأردنية العديد من المشاكل في الدخول للسوق العراقي، من أبرزها عدم تطبيق العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي جرت بين الجانبين، وخاصة من قبل الجانب العراقي، وعدم تطبيق قرار المنافذ الحدودية العراقية بإعفاء السلع الأردنية إن كان هناك اختلاف ما بين البند الجمركي والمسمى حسب رخصة الاستيراد العراقية والبند الجمركي ومسمى السلع والصادر حسب قرار مجلس الوزراء العراقي الخاص بإعفاء السلع الأردنية عند التصدير للعراق، بالإضافة إلى تفاوت المبالغ المستوفاة على البضائع المستوردة للعراق من منفذ جمركي إلى آخر.
ومن صعوبات التصدير إلى العراق أيضاً، ارتفاع كلف نقل البضائع الأردنية من الشاحنات الأردنية إلى الشاحنات العراقية بمعبر طريبيل بسبب العمل بنظام (back to back)، وتنفيذ الجانب العراقي قرارات منع استيراد العديد من المنتجات، وفرض رسوم حمائية على مستورداته من المعبر وغيرها من التعقيدات.
كذلك لا يسمح العراق باستيراد العديد من السلع براً بحجة أنها مواد خطرة.
• ما أبرز التحديات التي تواجه القطاع الصناعي الأردني والقطاع الخاص عموماً؟
من أهم تلك التحديات ارتفاع تكاليف الإنتاج بمختلف أشكالها (طاقة، نقل، مواد خام، ضرائب ورسوم). فمن غير المعقول أن تصل الفروق في كلف الإنتاج مقارنةً بدول المحيط والجوار إلى حوالى 25%، وهذا بدوره يعوق بوضوح قدرتنا على جذب وتوسعة الاستثمارات، ويؤثر بشكل رئيسي بالقرار الاستثماري.
ويعاني القطاع الخاص أيضاً من ضعف استغلال إمكانات التصدير من خلال انحسار الأسواق التقليدية وضعف الوصول إلى الاسواق غير التقليدية، حيث إنه بالرغم من وصول الصادرات الوطنية إلى ما يقارب 140 سوقاً حول العالم، إلا أن 14 دولة فقط استحوذت على ما يقارب 80% من إجمالي الصادرات. ويعاني القطاع الخاص أيضاً من عدم ثبات التشريعات المنظمة للعملية الاقتصادية.
• هل هناك تعقيدات في الإجراءات الحكومية تعوق عمل القطاع الخاص؟
بالتأكيد، من أهم المعوّقات التي تواجه القطاع الخاص والمستثمرين، عبء الإجراءات الحكومية، من خلال المماطلة بالموافقات "البيروقراطية" في تنفيذ العقود والمعاملات وتكاليفها.
وفي هذا السياق، إن ترتيب الأردن متأخر في مؤشر بيئة الأعمال، حيث يقع في المرتبة الـ 75 من أصل 190 دولة مشاركة في تقرير سهولة ممارسة الأعمال 2020 الصادر عن مجموعة البنك الدولي.
ويضاف إلى ذلك المشاكل المتعلقة بالعمالة، وخاصة في ظل ضعف مخرجات التعليم ومراكز التدريب المهني والتقني وعدم ملاءمتها للاحتياجات الفعلية لسوق العمل، وخاصة في القطاع الصناعي ونقص السيولة وصعوبة الحصول على التمويل والضرائب والرسوم المختلفة.
• كيف تقيّم الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة؟
يمكن تقييم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال قياس مدى مشاركة القطاع الخاص ضمن آلية وضع وصياغة السياسات والقرارات الاقتصادية والاستراتيجيات الوطنية.
ولا نستطيع إنكار الخطوة الواضحة من الحكومة الأردنية خلال الآونة الأخيرة في إشراك القطاع الخاص على مستوى إقرار السياسات والقرارات التي تتعلق بالاقتصاد الوطني في مختلف المجالات، إلا أن الشراكة تحتاج إلى تعزيز بشكل أكبر.
ويعتبر القطاع الخاص في الأردن المحرك الرئيس لعجلة الاقتصاد، من خلال كونه اللاعب الأبرز في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يشكل ما يقارب 75% من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف ما يزيد على 60% من القوى العاملة الأردنية.
ولعل أبرز أمثلة الشراكة، تكمن في تطوير وإنشاء مشاريع البنى التحتية في الأردن، التي جاء قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ليؤطر عمل مثل هذه المشاريع المشتركة.
• كيف ترى مستقبل التعاون الاقتصادي العربي في ظل الظروف المحيطة؟
من المتوقع أن يشهد التعاون الاقتصادي العربي خلال الفترة القادمة بعد انتهاء جائحة كورونا ازدهاراً واضحاً على خلاف السنوات القليلة الماضية، وخاصة بعد حالة الاستقرار التي بدأت في بعض الدول العربية التي شهدت أزمات اقتصادية وسياسية أثرت كثيراً فيها، كاليمن والعراق وسورية، إضافة إلى المصالحة الخليجية.
• هل تسعون إلى التشبيك مع القطاع الخاص العربي لتدعيم التعاون الاقتصادي العربي؟
يسعى الأردن جاهداً إلى توطيد العلاقات بين الأردن والدول العربية جمعاء، وما يؤكد ذلك استحواذ الدول العربية على ما يزيد على 45% من إجمالي الصادرات الأردنية الكلية، ووجود أكثر من 30 مليار دينار كاستثمارات عربية داخل المملكة.