غزة: "العمل عن بعد" رحلة شاقة للنجاة من الجوع

18 سبتمبر 2024
فلسطينيون يستخدمون الإنترنت في مقهى بخان يونس (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تدمير البنية التحتية:** يعاني العاملون عن بعد في غزة من صعوبات كبيرة بسبب تدمير البنية التحتية للاتصالات بفعل العدوان الإسرائيلي، مما أدى إلى أزمة حادة في توافر الإنترنت وفقدان بعضهم لوظائفهم.
- **البحث عن الإنترنت:** يلجأ الفلسطينيون إلى استخدام الشبكات العامة وإنترنت الشوارع رغم ضعفها، ويضطرون للتنقل إلى أماكن بعيدة للحصول على إنترنت قوي، مما يزيد من معاناتهم.
- **تأثيرات نفسية:** يعاني العاملون في مجالات مثل مونتاج الفيديو والتسويق الإلكتروني من ضغوط نفسية كبيرة بسبب صعوبة الوصول إلى إنترنت مستقر، مما يؤثر على تركيزهم وقدرتهم على العمل.

ينشغل الثلاثيني الفلسطيني، فادي الشرافي، من مدينة غزة في البحث عن مصدر إنترنت للتواصل مع الشركة التي يعمل معها في دولة الكويت، بفعل الانقطاع المتواصل للشبكة غربي مدينة دير البلح وسط القطاع، التي نزح إليها مع أسرته بعد رحلة نزوح قاسية في عدد من الأماكن ومراكز الايواء.
ويجد آلاف الفلسطينيين الـ "فري لانسر" ممن يعملون وفق نظام "العمل عن بعد" صعوبة بالغة في التواصل مع مصادر عملهم بفعل الأزمة الحادة في توافر شبكات الإنترنت، بسبب التداعيات السلبية للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وإغلاق المعابر ومنع دخول مختلف السلع الأساسية، ومنها الماء والكهرباء والإنترنت والمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، مع تدمير البنية التحتية.
 

تدمير شبكات الاتصالات

وتسبب العدوان الإسرائيلي في تدمير ما يزيد على 70% من المباني والمنشآت السكنية والعمارات المرتفعة التي تضم أسطحها أبراج الإرسال الخاصة بشبكات الاتصالات وخطوط الإنترنت، الأمر الذي تسبب بخلق أزمة حقيقية في توافر الخدمة، ألقت بظلالها على أصحاب المهن التي تعتمد على الشبكة العنكبوتية في الاتصال والتواصل، فيما تسببت بخسارة نسبة منهم لوظائفهم نتيجة عدم القدرة على إتمام المهام المطلوبة.

ويتجه الفلسطينيون إلى الشبكات العامة وإنترنت الشوارع على الرغم من ضعفه الشديد ورداءته للتواصل مع أصحاب المهن الخاصة بهم، في مشهد انتشر منذ بداية العدوان، لتسلّم وتسليم المواد المطلوبة، والمتعلقة بالتقارير المكتوبة، أو خطط المشاريع، أو التصاميم الخاصة بالمواقع الإلكترونية أو ذات العلاقة بالإعلانات والشعارات التجارية الخاصة بالشركات، كذلك المهن المتعلقة بالقطاعين الإعلامي أو الإعلاني.

خدمات ضعيفة وأجواء غير ملائمة

ويقول فادي الشرافي الذي يعمل مع شركة دعاية وتصميم برفقة صديقه أحمد نصار إنه يواجه صعوبة مركبة في العمل، سواء في أثناء التصميم بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، الأمر الذي يدفعه إلى ترك جهاز اللابتوب الخاص به عند نقطة شحن مرتين خلال اليوم، حيث يتطلب العمل وقتاً وجهداً كبيرين.
أما الشق الثاني من المعاناة اليومية، وفق حديث الشرافي لـ "العربي الجديد"، فيتمثل بحاجته إلى إنترنت قوي لرفع المواد، ما يستدعي انتقاله إلى أماكن بعيدة وسط انعدام وسائل النقل، والازدحام الشديد في الطرقات بسبب تكدس النازحين، ما يستغرق وقتاً طويلاً في الطريق إلى نقاط الإنترنت العامة التي لا يتوافر فيها الهدوء أو الأجواء الموائمة لظروف العمل.
 

معاناة متواصلة للحصول على الإنترنت

يقول الفلسطيني أحمد نصار الذي يعمل في مونتاج مقاطع الفيديو الترويجية للمصالح والشركات التجارية إنه يعاني يومياً في الوصول إلى الإنترنت، ما دفعه إلى مرافقة صديقه فادي في رحلة الوصول إلى الشبكات المتاحة. ويضيف: "يتطلب عملنا إنترنت قوياً، لكننا لم نصادفه حتى الآن، الأمر الذي يستغرق وقتاً طويلاً لإتمام أي مهمة، في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وحالة القلق المتواصلة من الأهل وعليهم".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

أما الفلسطيني وديع ناصر، الذي يعمل في مجال التسويق الإلكتروني، فيوضح أنه اضطر منذ بداية الحرب إلى النزوح القسري برفقة عائلته عدة مرات من منطقة التوام شماليّ القطاع، ومن ثم إلى المحافظات الجنوبية، وصولاً إلى خيمة في منطقة المشاعلة غربي مدينة دير البلح، وسط أوضاع معيشية ومهنية غاية في الصعوبة.
ويبين ناصر لـ "العربي الجديد" أنه لم يصادف شبكة إنترنت جيدة منذ بداية نزوحه، ما يدفعه إلى الانتقال المتواصل من نقطة إلى أخرى، في محاولة لإيجاد شبكة تمكنه من إتمام العمل بالشكل المطلوب، "خصوصاً أن عملنا يتطلب حضوراً كبيراً على شبكة الإنترنت، وأن تكون قوية ومناسبة لإنجاز العمل".

الاكتظاظ الشديد

ويختلف الأمر بالنسبة إلى الفلسطيني محمد أيوب، النازح برفقة أسرته من مدينة الزهراء وسط قطاع غزة، نتيجة التهديدات الإسرائيلية نحو مخيم لجوء، حيث تتوافر شبكة إنترنت في المكان، ويمكنها مساعدته في إنجاز المهمات المطلوبة، على الرغم من رداءة الإشارة وعدم انتظامها.
ويرجع أيوب لـ "العربي الجديد" سبب انتقاله اليومي للبحث عن إنترنت بديل إلى الاكتظاظ الشديد في أعداد النازحين، والإزعاج المتواصل، وأصوات الأطفال المرتفعة، الأمر الذي لا يمكّنه من التركيز أو إتمام العمل، ويقول: "هناك إزعاج وضجة كذلك في الشوارع ونقاط الإنترنت، إلا أنها أقل حدة من المخيمات المكتظة التي تضمّ أكثر من قدرتها الاستيعابية".
ويوضح أيوب الذي يعيل من عمله أسرته المكونة من أربعة أفراد أن الشبكات العامة ليست مستقرة وذلك لارتباطها بشكل أساسي بالطاقة الشمسية والعمل عبر بطاريات كثيرة الأعطال. ويقول: "انتقلت في الكثير من الأحيان من منطقة إلى أخرى وفوجئت بعطل في الشبكة، أو رداءة فيها، ما تسبب في تعطيل تسليم المواد المطلوبة في الوقت المناسب".