غزة: التسهيلات في الدفع تنعش سوق العقارات "مؤقتاً"

19 ابريل 2023
قطاع السكن يعاني من نقص مواد البناء (عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -

يَشهَد سوق العقارات في قطاع غزة حالة من الانتعاش بفعل تسارُع عمليات البناء، حيث لا يخلو شارع من بناء المنشآت السكنية، والتي تُتيح للفلسطينيين وحدات سكنية، بأسعار متفاوتة، فيما يشوب الغموض مُستقبل ذلك القِطاع الحيوي والهام.

ويعود هذا الانتعاش إلى العديد من الأسباب، وفي مُقدَّمها التسهيلات التي يُقدمها تُجار العقارات وقِطاع الإنشاءات، والمُتعلقة بتخفيض ثمن العقارات والشقق والوحدات السكنية، أو التسهيلات المُتعلقة بنظام الأقساط، أو آليات السداد البنكي، أو السداد وفق آليات متعددة.

وترجع التسهيلات التي يُقدمها التُجار للزبائن، إلى حالة الركود والكساد السابقة، والتي أثرت على عمليات البيع والشراء، نظرا لصعوبة الأوضاع الاقتصادية، والتي تعود إلى عدة أسباب، وفي مقدَّمها نقص المواد الخام بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 16 عامًا، وغلاء ثمنها، والإغلاق المتواصل للمعابر، إلى جانب عدم انتظام صرف الرواتب، والتي (يتراوح صرفها من 60 إلى 80%)، علاوة على تكبيل الموظفين بالأقساط التي لا تُتيح لهم فتح المزيد من المُعاملات التجارية الجديدة، في ظل تشدُد أصحاب العقارات (في السابق)، وتمسُكهم بخيار الدفع النقدي ثمن الشقق والوحدات السكنية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويرى مُختصون أن هذا الانتعاش "مؤقت"، مُعلِلين ذلك بضبابية المشهد الاقتصادي، وعدم وضوح الآليات المُحددة، التي تضمن حُصول الموظفين على رواتبهم الكاملة، أو مُستحقاتهم المطلوبة من حكومتي (غزة والضفة الغربية)، علاوة على تواصل تدهور الأوضاع الاقتصادية، بفعل استمرار الحصار الإسرائيلي، والذي ساهم بشكل ملحوظ في ارتفاع نسب الفقر والبطالة، والتي تجاوزت حاجز الـ70%.

ولا يُخفي أصحاب الشركات العقارية، وتُجار العقارات، قلقهم من المُستقبل الغامِض. ويوضح المُهندس رشيد زيدية، الإداري في شركة سعيد زيدية للاستثمار العقاري، أن ارتفاع تكلفة بناء بيت منفصل يدفع الشباب إلى شراء الشقق والوحدات السكنية، وهو الأمر الذي بات يُنعش السوق العقاري.

ويُبين زيدية لـ "العربي الجديد" أنه بالتزامن مع حالة البناء المُتسارِعة، يتم تقديم التسهيلات الخاصة بالأسعار، وآلية التقسيط للزبائن، وذلك وفق معايير مُحددة، إذ يتم منح التقسيط للموظف الذي يتقاضى راتبه عبر البنوك، أو التقسيط عبر البنوك، لضمان حق التاجر.

ويرى زيدية أن من بين الأسباب الرئيسية لزيادة نسبة انتعاش أسواق العقارات بالوحدات السكنية، اتجاه العديد من أصحاب الأراضي إلى اعتماد نظام الاستثمار، وهو المُشاركة في العملية التجارية من خلال تقديم الأرض للمُستثمر، مُقابل الحصول على نسبة معينة من ثمن البناء، تتجاوز عادة 50%، الأمر الذي ساهم بزيادة نسبة الوحدات السكنية المعروضة للبيع، كذلك بالتسهيلات المُقدمة، والتي ساعدت في انتعاش القِطاع العقاري.

من جانبه؛ يوضح الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب، أن نهاية عام 2022 شهدت حالة نشاط كبير في سوق العقارات، وقد بدت ملحوظة حركة البناء الجديدة في مختلف مُحافظات القِطاع، ما ساهم برفد السوق بخيارات عديدة.

ويُرجع أبو جياب في حديث مع "العربي الجديد" أسباب تزايد وتيرة البناء في قِطاع غزة، والنشاط في سوق العقارات بعد فترة من الركود إلى أسباب عديدة، من أبرزها ازدياد توجّه الفلسطينيين في الخارج لتملك عقارات في الداخل، إلى جانب خفض الأسعار، والتسهيل في عملية البيع، عبر إتاحة آلية التقسيط المصرفي، والتي جاءت كنتاج طبيعي لحالة الركود.

ويُبين أن قِطاع غزة يحتاج سنويا من 17 إلى 20 ألف وحدة سكنية، ويُعاني من عجز في الوحدات السكنية، مُرجِعا سبب العجز إلى ثلاثة عوامل أساسية، يتمثل الأول في تدمير الاحتلال الإسرائيلي نحو 30 ألف وحدة سكنية منذ بداية الانتفاضة، إلى جانب غياب السياسات الحكومية في دعم قطاع الإسكان، والمدن السكنية، علاوة على العقوبات التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي على المواد الإنشائية من حصْمة وإسمنت وحديد، ما ساهم في حرمان الكثير من العائلات من التوسع السكاني والبناء العامودي لمنازلها.

في الأثناء؛ يوضح المدير العام للإسكان في وزارة الأشغال العامة والإسكان، محمد العسكري، أن النشاط في قطاع العقارات والبناء والإنشاءات جاء نتيجة طبيعية للحاجة إلى الوحدات السكنية، وسد العجز الكبير، في ظل استقرار دخول مواد البناء في الفترة الحالية، وبأسعار معقولة، إلى جانب توفر الأيدي العاملة.

ويوضح العسكري لـ "العربي الجديد" أن عمليات البناء، وازدياد الطلب على الوحدات السكنية، جاءت في ظل وجود المؤسسات، والمصارف التي تتيح التسهيلات وعمليات التقسيط إلى جانب الجهد الحكومي، وما يتم إنشاؤه من المدن السكنية وآخرها المدن المصرية، والتي تشمل قرابة 2500 وحدة سكنية.

ويُؤكد العسكري أن القطاع العقاري، على الرُغم من الحصار الإسرائيلي، سيشهد تطورا ونموا كبيرين خلال السنوات القادمة، نتيجة دوافع الحاجة والتقنيات الحديثة في عمليات البناء والإنشاءات، والتطور التكنولوجي في البناء، إضافة إلى الحاجة للتوسع الرأسي في ظل ضيق المساحة المحدودة للأرض.

وعلى المستوى الحكومي، يُبين العسكري أن وزارة الأشغال تتجه إلى تشجيع جمعيات الإسكان التعاوني، وبناء وحدات الإسكان الشبابي، بأقساط مريحة، إلى جانب التوجه لإنشاء صندوق للإسكان، بعضوية الوزارات والجهات الحكومية، والقطاع الخاص، لتحصيل مبالغ الأقساط الشهرية الناتجة عن العقارات التي تُشرف عليها الوزارة، وإعادة تدوير المال بما يخدم قطاع الإسكان.

وشهِد القطاع العقاري حالات عديدة من التذبذب، إذ مَر بلحظات انحسار نتيجة الحصار وإغلاق المعابر وعدم توفر مواد البناء، فيما يُعتبر نقص السكن أحد أهم التحديات الرئيسية التي تواجِه قطاع غزة، الذي يواجه عجزا يصل إلى أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى الاحتياج السنوي الناتج عن الزيادة الطبيعية في عدد السكان، حيث تنشأ قرابة 21 ألف أسرة جديدة كل عام.

المساهمون