أثار تعهد رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة بسلطنة عُمان فيصل بن عبد الله الرواس بإغلاق أي شركة منتسبة للغرفة يثبت دعمها لدولة الاحتلال الإسرائيلي، حالة من الجدل بأوساط خبراء الاقتصاد العمانيين، بخاصة أن التعهد، الذي نشره الرواس عبر منصة إكس، جاء بعد تحذير الغرفة ذاتها من أن استمرار مقاطعة بعض الشركات التي تمتلك حقوق الامتياز لبعض العلامات التجارية العالمية في السلطنة "قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية سلبية".
وبينما أورد تقرير أصدرته دائرة البحوث والدراسات الاقتصادية بالغرفة، في 10 فبراير/ شباط الجاري، أن هذه التداعيات تشمل "تراجع الإيرادات الضريبية والرسوم للدولة، وانخفاض المبيعات والمشتريات، ما يُهدد بإضعاف قدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها المالية"، جاء تعهد الرواس كاشفاً عما بدا تبايناً بين رؤيتين داخل الغرفة.
وعزز حالة الجدل أن الرواس هو رئيس اتحاد الغرف التجارية الخليجية، التي تشهد مواقفها أيضاً حالة من التباين بين دول طبعت العلاقات بالفعل مع إسرائيل، مثل الإمارات والبحرين، أو أعلنت أنها تتجه لذلك، مثل السعودية، وبين أخرى في الاتجاه المعاكس، مثل: الكويت وقطر وسلطنة عمان، وهو ما سبق أن رصدته "العربي الجديد" في تقارير بشأن حالة مقاطعة منتجات الشركات الأميركية فيها.
ووفق تقرير غرفة تجارة عمان، فإن "المقاطعة يمكن أن تؤثر سلباً على الشركات الوطنية العاملة في قطاع البيع بالجملة والتجزئة، وهو ما قد يدفعها إلى تقليص عدد الفروع وتخفيض ساعات العمل وتسريح العمال، الأمر الذي يزيد من الضغوط الاجتماعية في ظل ارتفاع معدلات الباحثين عن عمل".
كما يُشير التقرير إلى أن تراجع الإيرادات الضريبية يشكل خطراً على التوازن المالي للموازنة العامة للدولة للعام 2024.
وفي المقابل، اعتبر الرواس تقرير الغرفة جزءاً من عملية "دراسة السوق والمتغيرات التي تطرأ عليه"، حسب تعبير منشوره، مشيراً إلى أن ذلك جزء أصيل من عمل غرفة تجارة وصناعة عمان "أما التشريع وسن القوانين واتخاذ القرارات فهو عمل جهات تنفيذية عامة"، في إشارة إلى أن السياسي هو الذي يحكم الاقتصادي في هذه القضية وليس العكس.
تصريح دبلوماسي
في السياق، يرى الخبير الاقتصادي خلفان الطوقي أن تصريح الرواس "دبلوماسي" وليس تعبيراً عن قرار عملي، لأنه "لا شركات في عُمان تدعم الكيان الصهيوني بشكل مباشر"، حسبما صرح لـ"العربي الجديد".
أما فروع الشركات الأميركية، مثل "ستارباكس" التي أعلنت مقراتها الرئيسية في الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل، فيمكن لغرفة تجارة عمان التوجيه بمقاطعتها، بحسب الطوقي، لكنه شكك في إمكانية إغلاقها، مشيراً إلى أن وجود هذه الفروع تحكمه اتفاقيات قانونية دولية، ولذا فإن تصريح الرواس أقرب إلى الاستجابة الدبلوماسية للرأي العام الغاضب مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويشير الطوقي إلى أن الدراسة التي أجرتها غرفة تجارة وصناعة عمان بشأن تأثير المقاطعة على الاقتصاد العماني أدت إلى زيادة حالة الغضب، خاصة بعدما دعت الدراسة إلى دعم الشركات المتعثرة جراء المقاطعة، ما استدعى تدخلا من جانب رئيس الغرفة.
كما يقرأ الطوقي بأن إعلان الغرفة بشأن تأثير المقاطعة كانت موجهة إلى الحكومة وليس إلى الرأي العام، مشيرا إلى أنه لا يؤيد هكذا تصريحات طالما أن مردودها العملي غير متحقق.
الاقتصاد المحلي
وفي المقابل، أبدى الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، تأييده لتهديد رئيس غرفة تجارة وصناعة عمان بإغلاق أي شركة منتسبة للغرف يثبت قيامها بالدعم والتعاون مع دولة الاحتلال الصهيوني، ووصفه بأنه "قرار حكيم يدعم الاقتصاد المحلي".
ويوضح يوسف أن خروج هذا العدد المحدود من الشركات من السوق يفسح المجال للشركات العمانية، وكذلك شركات الدول التي تدعم الموقف العربي الداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا على سبيل المثال، وبالتالي فإن تصريح الرواس "يصب في مصلحة الاقتصادات المحلية ويهدد الشركات المتصهينة الداعمة للاحتلال".
ومن شأن تنفيذ توجه كهذا "الخروج من دائرة التبعية لتحقيق التنمية المستدامة، بما يدعم الاستقلالية والالتزام القانوني والأخلاقي بدعم القضية الفلسطينية العادلة"، بحسب يوسف.
ولو استجابت باقي غرف التجارة الخليجية، التي يرأس اتحادها الرواس، للتوجه ذاته فمن شأن ذلك "زيادة خنق الاقتصاد الإسرائيلي، وإجبار دولة الاحتلال والدول الأوروبية المأزومة اقتصادياً والشركات الأميركية على احترام الشرعية الدولية وعدالة القضية الفلسطينية"، بحسب يوسف، مشيرا إلى أن أكثر من 60% من الأميركيين يؤيدون وقف إطلاق النار في غزة.
ويلفت يوسف إلى أهمية توسع الدول العربية والإسلامية في التعاون ضمن إطار مجموعة "بريكس" في الفترة المقبلة، سواء بالانضمام إلى المنظمة أو بالشراكة معها، ما يمثل بديلاً أجنبياً موثوقاً للاستثمارات المطلوبة محلياً من جانب، واستخداماً لأحد أهم أوراق الضغط على الحلف الغربي الدائم لإسرائيل من جانب آخر.
وتبرهن على نجاعة توجه كهذا سابقة تاريخية لاستخدام ورقة الضغط الاقتصادية ضد الغرب في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 والتي كان لها الأثر الكبير في وقف إطلاق النار والوصول إلى التسوية السياسية، وهو ما لا يجب أن تهمله الدول العربية والإسلامية اليوم، حسبما يرى يوسف.