عُمال غزة في مرمى لهيب الطقس بلا "مقومات السلامة"

26 يوليو 2023
عمال غزة يفتقدون عوامل السلامة في بعض الأنشطة (عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -

تفتقر غالبية المنشآت العاملة في قطاع غزة عوامل السلامة والصحة المهنية التي يُمكنها حماية العُمال خلال مُمارسة عملهم الشاق على مدار أيام العام، تحديدا مع حلول فصل الصيف في ظل تسجيل درجات الحرارة أعلى مستوياتها خلال الفترة الحالية، ما يُضاعِف نِسب خطر الإصابة بالإجهاد الحراري.
ويُرجِع معظم أرباب العمل في قِطاع غزة، أسباب عدم توفير الحماية الكافية للعُمال في مختلف المجالات، ومواقع العمل الخارجية والداخلية، إلى ضعف الحالة الاقتصادية، والتأثيرات السلبية للحِصار الإسرائيلي المفروض على قِطاع غزة منذ سبعة عشر عامًا، وتسببه في تدهور قدراتهم المالية، والتي تحول بينهم وبين توفير، وتطبيق مختلف عوامل السلامة المهنية.

ويواجِه العُمال الفلسطينيون في قِطاع غزة مجموعة من الأزمات المُركبة، والتي تبدأ بعدم توفر فرص العمل، ما يدفعهم إلى القبول بالعمل في مهن متنوعة، وبأجور متدنية، لا توفر لهم على الصعيد المادي متطلبات حياتهم الأساسية، كما لا توفر لهم على الصعيد الشخصي والمهني، أيا من عوامل السلامة المهنية والصحية.

ووفقا للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة، فإن نحو 90% من المنشآت العاملة في قطاع غزة تفتقر لعوامل السلامة، والصحة المهنية في العمل، على الرغم من إلزام قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000، صاحب العمل بضرورة توفير كافة وسائل الصحة المهنية للمحافظة على العمال والمُساهمة بتخفيض الخسائر البشرية والمادية.

ويلفت رئيس الاتحاد العام لنقابات عُمال فلسطين في قطاع غزة سامي العمصي، في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن القِطاع شهد على مدار 13 عاما مضت ما يزيد عن 50 حالة وفاة لعمال خلال مزاولة أعمالهم المختلفة، إلى جانب مئات الإصابات، ما يُنذر بمخاطر واقع واجراءات السلامة المهنية، خاصة مع اشتداد درجات الحرارة.

ويُشير العمصي إلى انعدام توفر عوامل السلامة المهنية في قطاع غزة في الكثير من المهن والمجالات.

وقال: "هناك الكثير من الشواهد التي تُبين صعوبة وخطورة الموقف، مثل محطات الغاز، والتي يتعامل العمال فيها مع غازات سامة، دون الأخذ بإجراءات السلامة، أو عُمال البناء، والإنشاءات في مواقع العمل، والتي لا توفر الملابس، أو خوذ الرأس للحماية من الإصابات، أو من حرارة الشمس، خاصة في ظل موجات الحر، كالموجة التي تشهدها فلسطين في هذه الأيام".

ويتذرع أرباب العمل بالحصار الإسرائيلي المفروض على قِطاع غزة، وأنه أحد الأسباب المهمة في عدم اتباع أنظمة ووسائل الحماية المهنية، وفق توضيح العمصي، والذي لم يُنكر دور الاحتلال الإسرائيلي في التنغيص على العامل، ومختلف المجالات، إلا أنه أكد في الوقت ذاته على عدم جواز تعليق كل المخالفات القانونية والمهنية على "شماعة الحصار".
ويؤكد العمصي على ضرورة تشديد الرقابة على مختلف المنشآت الاقتصادية، خاصة في ظل عدم تسجيل العديد من الاصابات بمحاضر المستشفيات، والمحاضر الشُرطية الرسمية، والاكتفاء بحل القضية بشكل عشائري وودي، بين صاحِب العمل، وذوي العامل المُتضرر.
ويلفت العمصي إلى ضمان قانون العمل الفلسطيني لسلامة وأمان العُمال خلال ممارسة عملهم، خاصة في ظل أجواء الطقس الصعبة، إلى جانب العديد من النصوص القانونية التي تضمن حق العامل خلال تعرضه للإصابة أثناء العمل، وتضمن الحد الأدنى للأجور، وساعات العمل، كذلك تضمن تأمينه الصحي، مضيفا: "المشكلة ليست في القانون، بل تكمُن في تطبيقه".
ولا تتوقف معاناة العُمال عند حد عدم توفر أدوات وعوامل السلامة المهنية، إذ تتجاوز ذلك عبر الاستغلال المُباشِر ومُضاعفة ساعات العمل، حيث يعمل البعض ما يزيد عن 14 ساعة عمل يوميا، بينما يضمن قانون العمل 8 ساعات يوميا، منها ساعة راحة، وفق توضيح العمصي الذي شدد على ضرورة مُتابعة الحكومة لمختلف مواقع العمل، خلال ارتفاع درجات الحرارة، وتحديدا مواقع العمل الميدانية.

وأضاف: "لا نريد الانتظار حتى تتسبب الأجواء الحارة بانفجار صهريج غاز، أو حدوث كوارث، لذلك يجب تشديد الرقابة، وأخذ الإجراءات الاحترازية".

في الإطار، يوضح مدير دائرة التوعية والإرشاد في الإدارة العامة للتفتيش وحماية العمل في وزارة العمل، محمد طبيل، اعتناء الوزارة بتوفير بيئة عمل آمنة ولائقة للعمال، من خلال التفتيش والرقابة على جميع الفئات، والأنشطة الاقتصادية بأنواعها، سواء في الصناعات التحويلية، أو القطاعات الخدماتية.
ويلفت طبيل لـ "العربي الجديد" إلى أن عملية التفتيش تتم من خلال الاحتكام إلى قانون العمل الفلسطيني، رقم 7 لعام 2000، وتنُص جميع لوائحه، ومواده، واشتراطاته، في حال تنفيذها على ضمان توفير بيئة عمل آمنة، ولائقة للعُمال، مبينا أن توفير الأمان يتضمن تحييد المخاطر الكيميائية، والفيزيائية، ومخاطر الحريق، والمخاطر الناجمة عن الكهرباء.

ويلفت طبيل إلى التحدي المتمثل في الارتفاع المُفرط لدرجات الحرارة في هذه الأيام، وخاصة في أنشطة البنى التحتية، والمقاولات، وبعض الأنشطة الاقتصادية كالصيد، والزراعة، والتي يقضي فيها العُمال وقتا طويلا تحت أشعة الشمس، ما يعرضهم لخطر ضربات الشمس، مبينا أن ذلك يندرج تحت بند المخاطر الفيزيائية، والتي تتطلب توفير بيئة حرارة آمنة، وعادلة، وأنظمة تهوية وانارة مناسبة، ومآمِن خروج مناسبة أوقات الطوارئ.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويوضح طبيل أن طواقم تفتيش الوزارة موزعة على خمس مديريات، تستهدف محافظات قطاع غزة الخمس، لتغطية القطاعات الاقتصادية، والتأكد من استيفاء أصحاب العمل للاشتراطات المطلوبة، وضمان تحقيق بيئة عمل آمنة وخالية من المخاطر، ولائقة بالبشر.
ويتضمن قانون العمل الفلسطيني اشتراطات العمل، واللوائح القانونية التي ترتبط بأمور غير ملموسة، وفق توضيح طبيل، مثل تحديد عدد ساعات العمل في الأسبوع والتي لا تتجاوز 45 ساعة، والأعمال الإضافية التي تتضمن زيادة الأجرة، كذلك العقود المكتوبة والشفوية وعمالة الأطفال والنساء، مُبينا أن طواقم التفتيش تتحقق من استيفاء أرباب العمل لكافة الاشتراطات التي وردت في قانون العمل الفلسطيني.
ويُعاني العمال في قِطاع غزة من الواقع الصعب، والذي تخطت فيه البطالة حاجز 65%، في ظل زيادة الفقر واعتماد نسبة كبيرة على المُساعدات الغذائية، والمعونات المادية، من المؤسسات المحلية والعربية والدولية، ما يحرم العُمال من رفاهية الاختيار، ويجبرهم على القبول بأعمال لا تلتزم بتوفير أدنى مقومات حماية العَمالة، والسلامة المهنية.

المساهمون