ينهي الاقتصاد الكلي الروسي عام 2021 بتعافي مؤشراته الرئيسية، مستفيدا إلى حد كبير من ارتفاع عائدات الطاقة في ظل صعود أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، الأمر الذي عزز من مناعة البلاد اقتصادياً ضد مخاطر تداعيات التوترات السياسية.
وحقق الاقتصاد الروسي نموا يزيد عن 4%، وسط استقرار لسعر صرف الروبل أمام العملات الأجنبية، وارتفاع الاحتياطيات الدولية إلى أكثر من 625 مليار دولار، وفائض في الموازنة.
لكن من جانب آخر، عانى المواطن الروسي من تسارع وتيرة التضخم إلى أكثر من 8%، فيما يعد أعلى مستوى منذ أكثر من خمس سنوات، مما لم يترك للمصرف المركزي الروسي خياراً سوى الرفع التدريجي لسعر الفائدة الأساسية، ليبلغ 8.5%.
وتشير التقديرات الأولية الصادرة عن هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" إلى أن أسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت بنسبة 8.39% منذ بداية العام، وهو أعلى معدل منذ عام 2015 الذي شهد ذروة متاعب الاقتصاد الروسي على إثر مواجهته صدمتي تدني أسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب الوضع في أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، يعتبر الخبير الاقتصادي ألكسندر زوتين، أن عام 2021 تميز بالنمو الاقتصادي المعوض لخسائر عام 2020 الذي شهد أشد إجراءات الإغلاق الكلي لمواجهة جائحة فيروس كورونا.
ويقول زوتين لـ"العربي الجديد": "مر عام 2021 تحت عنوان انتعاش النمو الاقتصادي في العالم أجمع، وليس في روسيا وحدها، ومع ذلك، جاءت روسيا من بين الدول المستفيدة من ارتفاع أسعار المواد الخام، وبصفة خاصة تعافي أسعار النفط والمعادن".
ويضيف "سجلت أسعار بعض المواد الخام مثل الغاز الطبيعي أعلى مستويات تاريخياً، مما أثر إيجاباً على عوائد الموازنة الروسية، على عكس أغلب الدول المتقدمة والنامية، إذ تتبع روسيا نهجاً محافظاً للغاية في سياسات الموازنة التي ستحقق فائضاً في 2021 وفي العام الجديد أيضا مقابل عجز ضخم بموازنات دول أخرى".
وتظهر البيانات الأولية الصادرة عن وزارة المالية الروسية أن الموازنة الفدرالية حققت فائضاً قدره 2.33 تريليون روبل (نحو 31.5 مليار دولار)، وسط توقعات أن يبلغ الفائض النهائي للعام المنتهي 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
تشير التقديرات الأولية إلى أن أسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت بنسبة 8.39% منذ بداية العام، وهو أعلى معدل منذ عام 2015
وحول أسباب ارتفاع وتيرة التضخم في روسيا، يقول زوتين: "روسيا تسير ضمن التوجه العالمي الناجم عن اتباع المصارف المركزية العالمية، وفي مقدمتها الاحتياطي الفدرالي الأميركي والمصرف المركزي الأوروبي، سياسات خفض أسعار الفائدة إلى أدنى مستويات منذ عام 2020، إلا أن المصرف المركزي الروسي تحول في عام 2021 نحو تشديد السياسات النقدية عن طريق رفع سعر الفائدة الأساسية بانتظام".
من جهته، يرى كبير الاقتصاديين في وكالة "إكسبرت را" الروسية للتصنيف الائتماني، أنطون تاباخ، أن 2021 سيبقى في ذاكرة الروس كعام موجة التضخم المفاجئة وضرورة رفع أسعار الفائدة التي ستبطئ النمو الاقتصادي في العام الجديد.
ويقول تاباخ لـ"العربي الجديد": "النتيجة الرئيسية لعام 2021 هي موجة التضخم التي شكلت مفاجأة للجميع وأدت إلى ضرورة رفع الفائدة، وفي كل مرة لم تكن تتحقق التوقعات بتراجع وتيرة التضخم".
وحول تصوره لأداء الاقتصاد الروسي في العام المقبل، يضيف: "ستؤدي سياسات المصرف المركزي إلى تراجع وتيرة التضخم، فهو يعلم ما يفعل، ولكن ثمن ذلك سيكون هو النمو البطيء".
على صعيد آخر، شهد سعر صرف الروبل في العام المنتهي استقراراً لافتاً، عند مستوى تراوح بين 73 - 74 روبلاً للدولار الواحد، مع تراجعه إلى 76 - 77 للدولار في بعض الأوقات من الربيع الماضي تحت وطأة تجدد التوتر العسكري شرق أوكرانيا وفرض عقوبات أميركية جديدة على روسيا.
ويشير كبير المحللين في مجموعة "تيلي تريد" للتداول في موسكو، مارك غويخمان، إلى أن سعر صرف الروبل اعتمد في السنة المنتهية بالدرجة الأولى على العوامل الخارجية، وفي مقدمتها تجدد التوترات الجيوسياسية ومخاطر تشديد العقوبات.
ويقول غويخمان في حديث لـ"العربي الجديد": "عندما تبين أن مخاطر فرض عقوبات أكثر شدة لن تتحقق، تنفس المستثمرون الصعداء، وأصبح سعر صرف الروبل يواكب التوجه المتفائل العام بالأسواق المالية العالمية وإقبالها على الأصول الخطرة.