عن تلال القروض الخارجية ودور الحكومات الغائب

06 يناير 2025
معظم الدول العربية غارقة في الديون (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الاعتماد المتزايد على القروض الخارجية: تشهد دول عربية مثل الأردن والمغرب وتونس تزايدًا في الاعتماد على القروض الخارجية لسد العجز المالي، بينما تواجه دول مثل سوريا واليمن صعوبات في الاقتراض، مما يثير قلق المواطنين بشأن الأعباء المالية المستقبلية.

- التلاعب بالمصطلحات لتخفيف القلق العام: تستخدم الحكومات مصطلحات مثل "استثمار" و"تسهيل ائتماني" لتجنب الانتقادات المتعلقة بالإفراط في الاستدانة، رغم التكاليف العالية والفوائد المرتفعة المرتبطة بهذه القروض.

- التحديات والانتقادات الموجهة للحكومات: تواجه الحكومات انتقادات لتبرير الاقتراض بذرائع مثل الإصلاحات الاقتصادية، بينما تتجاهل إدارة الموارد بفعالية، مع محاولات بعض الدول مثل العراق لتخفيف أعباء الديون.

الكلمة التي يتردد صداها هذه الأيام في العديد من الدول العربية هي القروض الخارجية، فالعديد من حكومات تلك الدول إما تترقب الحصول على قرض جديد مثل حالة الأردن والمغرب وتونس والبحرين، أو الحصول على شريحة من قرض سبق الاتفاق عليه في فترات ماضية مثل مصر، أو الدخول في مفاوضات مع دول ومؤسسات مالية مثل ومستثمرين للحصول على قروض مثل لبنان والسودان، أو تستعد لطرح سندات خارجية تحصل بموجبها على قروض أجنبية سواء بالدولار أو اليورو مثل السعودية ومصر، أو لديها رغبة في الاقتراض لكنها تواجه صعوبات مثل سورية والسودان واليمن وفلسطين.

واللافت أن الحكومات باتت تطلق مفردات وكلمات "دلع" بديلاً عن كلمة القروض في محاولة لخداع الرأي العام الذي بات حساساً تجاه الإفراط في الاستدانة الخارجية وتحميل المواطن والأجيال المقبلة بأعباء لا قبل لهم بها من أقساط وأعباء ديون.

فهناك دول تطلق على القروض لفظ "استثمار" معتبرة أن الأموال والديون المتدفقة على الدولة جراء الاستدانة هي نوع من الاستثمار المباشر ومكون مهم لأرصدة احتياطي النقد الأجنبي، وهناك دول تسميها "تسهيلاً ائتمانياً" أو استعداداً ائتمانياً SBA، وأخرى تسميها "تمويلاً ميسراً" أو تمويلا سريعا، وهناك من يكتفي بالإعلان عن الخروج إلى الأسواق الدولية دون استخدام كلمة القروض ومفرداتها.

لا تخجل الحكومات من الإفراط في الاستدانة، حتى لو كانت بتكلفة عالية وأسعار فائدة مبالغ فيها، ورهن مقدرات الدولة وأمنها القومي وأصولها للدائنين

وفي كل الأحوال، لا تخجل تلك الحكومات من الإفراط في الاستدانة الخارجية، حتى لو كانت بتكلفة عالية وأسعار فائدة مبالغ فيها، ورهن مقدرات الدولة وأمنها الاقتصادي والقومي وأصولها للدائنين الدوليين، بل تعتبر أن الحصول على قروض جديدة هو بمثابة شهادة ثقة في الاقتصاد المحلي وأداء الحكومة نفسها، ودليل على جاذبية مناخ الاستثمار واستقرار سوق الصرف الأجنبي.

أما عن أسباب اغتراف تلك القروض الضخمة وفي أوقات قصيرة، فتقدم لك الحكومات مبررات واهية وفضفاضة منها أن الحصول على تلك الديون يأتي في إطار إجراء إصلاحات اقتصادية وتطبيق برامج إصلاح مالي وهكلي، أو بسبب تعرض الاقتصاد لضغوط وصدمات خارجية، أو بسبب تسارع التوترات والمخاطر الجيوسياسية بالمنطقة، دون الحديث عن فشل الحكومات الذريع في إدارة موارد وأصول الدولة وإساءة استخدام المال العام، بل إهداره بشكل ممنهج على مشروعات لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد أو لها علاقة مباشرة بالمواطن ولا تدر موارد على خزانة الدولة.

موقف
التحديثات الحية

وما إن تلتفت يميناً ويساراً حتى تطالعك الأخبار بحصول دولة ما على قرض جديد. أمس خرج علينا وزير المالية المصري، أحمد كجوك، قائلاً إن مصر ستحصل الشهر الجاري على شريحة جديدة بقيمة 1.2 مليار دولار من قرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمته ثمانية مليارات دولار، وأنّ الشريحة تأتي في وقت حاسم لدعم الاقتصاد المصري وتعزيز الاحتياطات النقدية. وقبل أيام وافق مجلس النواب على حصول مصر على قروض جديدة بقيمة 3 مليارات دولار من بنوك إماراتية وإقليمية والاتحاد الأوروبي.

وبداية هذا الأسبوع أقر وزير المالية السعودي محمد الجدعان، خطة الاقتراض السنوية للعام المالي 2025 والتي يتم بموجبها اقتراض السعودية 37 مليار دولار في العام الجاري 2025 لتغطية العجز المتوقع في الموازنة العامة بقيمة 26.88 مليار دولار، وبما يعادل 101 مليار ريال، وسداد مستحقات أصل الدين بقيمة 10.11 مليار دولار.

تونس تلهث وراء الاقتراض الخارجي، ورغم تمنعها إلا أنها تنتظر أي إشارة من صندوق النقد لبدء مفاوضات للحصول على قروض بمليارات الدولارات

تتكرر الظاهرة في دول خليجية أخرى مثل البحرين وسط تصاعد عجز الموازنة العامة. أما الأردن فهي من أبرز دول المنطقة اعتمادا على القروض الخارجية في تغطية الفجوة التمويلية وعجز الموازنة، حيث بلغت قيمة المساعدات الخارجية من منح وقروض ميسرة للأردن، قرابة 3.524 مليارات دولار في العام 2024.

تونس هي الأخرى تلهث وراء الاقتراض الخارجي، ورغم تمنعها إلا أنها تنتظر أي إشارة من صندوق النقد الدولي لبدء مفاوضات معه للحصول على قروض بمليارات الدولارات تنتشل الدولة من مخاطر الإفلاس والتعثر المالي.

أما المغرب فيتوقع عودته إلى السوق الدولية في العام الجديد 2025، للحصول على قروض خارجية عبر طرح سندات، بعدما أحجم عن ذلك خلال 2024 لأسباب عدة منها زيادة كلفة الاقتراض وأسعار الفائدة على الدولار.

 

في المقابل فإن هناك دولا عربية قليلة تسابق الزمن لتخفيف أعباء الديون الخارجية عبر وقف الاستدانة الجديدة وسداد ما هو قائم. من أبرز تلك الدول العراق الذي سدد كل ديون صندوق النقد الدولي ولم يتبق من دينه الخارجي سوى تسعة مليارات دولار وضعت الحكومة جدولا زمنيا لسدادها.

لكن بشكل عام، نلحظ أنّ معظم حكومات دول المنطقة باتت تعتمد على القروض الخارجية لسداد العجز في الموازنة العامة، وردم الفجوة التمويلية، وتعويض النقد في الموارد الدولارية.

والسؤال هنا: ما أهمية تلك الحكومات إذا كانت تكتفي بالحصول على قروض خارجية ومحلية لتيسير أمور الدولة، أين دورها في زيادة الموارد الذاتية للدولة عبر تحسين الإنتاج وزيادة معدل النمو والصادرات وتشجيع الأنشطة الحيوية من صناعة وزراعة وسياحة واستثمار مباشر؟ هل تقف متفرجة وهي تشاهد الدولة تغرق في ديون ترهق الأجيال الحالية والمستقبلية على حد سواء؟

المساهمون