بينما كنا على أعتاب العام الجديد، كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، التابعة للأمم المتحدة والمختصة بدراسة الطقس والمناخ والموارد المائية، أنّ عام 2021 يأتي في المرتبة السادسة أو السابعة لناحية أكثر السنوات حرارة جرى تسجيلها على الإطلاق، وأنّ الفترة بين سنة 2015 إلى 2021 هي الأعوام السبعة الأكثر حرارة.
وسجلت المنظمة ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية لعام 2021 حوالي 1.09 درجة مئوية فوق المتوسط المسجل في الفترة بين 1850- 1900.
في نهاية 2012، قالت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) التابعة للأمم المتحدة إنّ الطقس المتطرف والأوبئة تسببت في دفع أسعار الغذاء العالمية في 2021 إلى أعلى مستوى لها في 46 عامًا، حيث زادت أسعار الغذاء بنسبة 33% عن مستوياتها في نفس التوقيت من العام الماضي.
الطقس المتطرف والأوبئة تسببت في دفع أسعار الغذاء العالمية في 2021 إلى أعلى مستوى لها في 46 عامًا، حيث زادت الأسعار بنسبة 33%
وفي بداية 2022، تتوقع الدراسات البيئية تعرض الإمدادات الغذائية العالمية بشدة لصدمات المناخ القاسية والجفاف، وفشل إنتاج المحاصيل الغذائية في مناطق الإنتاج والتصدير الرئيسية في وقت واحد.
يمثل رصد مخاطر التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي والغذائي، في الولايات المتحدة على وجه الخصوص، أهمية لصانعي السياسات الغذائية حول العالم لعدة أسباب.
الأول أنّه، ولدقة البحوث والدراسات البيئية الرصينة هناك، يرصد بدقة حجم المخاطر وتداعيات التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي والغذائي داخل الولايات المتحدة وفي دول إنتاج الغذاء الكبرى.
والثاني، هو كثرة التغيرات المناخية في القارة الأميركية، وتنوعها بين الجفاف وحرائق الطبيعة، والفيضانات والأعاصير المدمرة، وتعدد التجارب المضادة لهذه الظواهر المدمرة.
أما الثالث، فهو تأثير الإنتاج الزراعي الأميركي على الأمن الغذائي داخل الولايات المتحدة، وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي حول العالم. فالصادرات الغذائية الأميركية تطعم ربع العالم تقريباً.
وانخفاض الإنتاج الزراعي الأميركي، بسبب التغيرات المناخية وارتفاع الأسعار المحلية للغذاء، قد يدفع الحكومة الأميركية إلى وقف أو تقليل الصادرات الغذائية وفرض عوائق جمركية، ما يهدد بنقص الأغذية وزيادة الأسعار في دول التبعية الغذائية، ويقوض الاستقرار الاجتماعي والسياسي فيها على النحو الذي وقع في دول الربيع العربي قبل عقد مضى.
زادت أسعار الغذاء في الولايات المتحدة بنسبة 6.10% في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مقارنة بنفس الشهر من العام السابق
وقد زادت أسعار الغذاء في الولايات المتحدة بنسبة 6.10% في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مقارنة بنفس الشهر من العام السابق. إنه أعلى معدل لتضخم أسعار الغذاء منذ أكتوبر/تشرين الأول 2008، وفق مكتب الولايات المتحدة لإحصائيات العمل.
الإنتاج الزراعي الأميركي
في الولايات المتحدة، يساهم الإنتاج الزراعي بقيمة 136 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، الذي وصل إلى 21 تريليون دولار في سنة 2020، بنسبة 0.7%. وبإضافة الصناعات الغذائية، فإن قطاعي الزراعة والغذاء يساهمان بأكثر من 1.2 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، بنسبة 5.2%.
ترفد المزارع الأميركية السوق الدولية للغذاء بما يقرب من 25 في المائة من الحبوب الأساسية والأغذية الاستراتيجية، مثل القمح والذرة والأرز والصويا.
وما زالت الولايات المتحدة تحتل مرتبة أكبر مُصدر للأغذية في العالم بقيمة 150 مليار دولار سنوياً. وهي أكبر مصدر للذرة الصفراء في العالم بنسبة 26% من المتاح للتجارة في السوق الدولية، وثاني أكبر مصدر للقمح بنسبة 15%، وثاني أكبر مصدر لفول الصويا بنسبة 40%.
وأميركا كذلك ثاني أكبر مصدر للحوم بنسبة 13%، وثاني أكبر مصدر للقطن بنسبة 15%، وثالث أكبر مصدر للأرز بنسبة 8%، وثالث أكبر مصدر للتفاح بنسبة 12%، وأكبر مصدر للوز والفستق بنسبة 65%، وهي أكبر منتجي الخضراوات والفاكهة والتوابل في العالم. لذلك، تلعب الزراعة وإنتاج الغذاء دوراً معقداً في الاقتصاد الأميركي، وفي الاستقرار الاجتماعي والسياسي خارجها.
ولاية كاليفورنيا لها خصوصية في مجال الإنتاج الزراعي في الولايات المتحدة والعالم. فهي سلة غذاء أميركا بلا مبالغة. فهي تنتج 14% من الناتج الزراعي الأميركي، بزيادة 7% عن أقرب ولاية لها.
وتنتج 40% من ناتج الولايات المتحدة من الأغذية العضوية بقيمة 10.4 مليارات دولار. وهي موطن لأكبر الصناعات الزراعية وأكثرها تنوعاً في الولايات المتحدة، وفيها أكثر من 76 ألف مزرعة للخضراوات والحبوب والفواكه والمكسرات ومنتجات الألبان. وفي عام 2020، بلغت قيمة الإنتاج الزراعي من مزارع الولاية الخصبة ما يعادل 50 مليار دولار.
وبلغ إجمالي الصادرات الزراعية في كاليفورنيا 21.7 مليار دولار في عام 2019، وشملت السلع الأساسية للتصدير اللوز والفستق ومنتجات الألبان والعنب والجوز. لكن، يمثل هذا الإنتاج انخفاضاً بنسبة 3.3% مقارنة بالعام السابق، والسبب هو الجفاف. وإذا لم تتجنب آثار تغير المناخ والجفاف على الزراعة، فإنّ الولايات المتحدة لديها الكثير لتخسره.
التغيرات المناخية
كشفت جامعة كاليفورنيا، المسؤولة عن الإحصائيات الزراعية، عن تسبب الجفاف والحرارة في انخفاض في محصول القمح في عام 2021 بنسبة 40% في ولاية كاليفورنيا، وبنسبة 10% في الولايات المتحدة عموماً. وتسببا في انخفاض إنتاج الشعير بنسبة 71% في الولاية.
ومن المتوقع أن تنخفض الإنتاجية الزراعية بنسبة 40% بالنسبة للأفوكادو، و20% للوز وعنب المائدة والبرتقال والجوز. وبحلول عام 2050، تتوقع الإحصائيات أن يتم تبوير نصف مساحات الأراضي الزراعية في الوادي الخصيب العامر بزراعة اللوز والجوز والمشمش والخوخ والنكتارين، وسيتم تبوير (خروجها من خط الإنتاج الزراعي) 22% من المساحة المزروعة بالسفرجل والكستناء.
تسبب الجفاف والحرارة في انخفاض في محصول القمح في عام 2021 بنسبة 40% في كاليفورنيا، وبنسبة 10% في الولايات المتحدة
تنمو العديد من الحشائش والآفات والفطريات تحت درجات الحرارة الأكثر دفئاً والمناخات الرطبة وزيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون. وحالياً، ينفق المزارعون الأميركيون أكثر من 11 مليار دولار سنوياً لمحاربة الحشائش الضارة، التي تتنافس مع المحاصيل على الضوء والماء والمغذيات. من المرجح أن يزداد معدل انتشار الحشائش والآفات مع تغير المناخ. قد يتسبب هذا في مشاكل جديدة لمحاصيل المزارعين التي لم تتعرض من قبل لهذه الأنواع.
تقوم سلسلة إمداد الغذاء في الولايات المتحدة بنقل كميات كبيرة من الحبوب عن طريق الأنهار. يؤثر التغير المناخي الشديد على المجرى المائي. في الولايات المتحدة عدد قليل من المسارات البديلة لنقل السلع الزراعية والأسمدة.
يمكن أن تؤثر التغيرات المناخية في الولايات المتحدة على سلسلة الإمدادات الغذائية المحلية والعالمية، وتؤدي إلى نقص الغذاء وزيادة الأسعار، وأزمات إنسانية ومخاوف تتعلق بالاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمن القومي.
أدت درجات الحرارة المرتفعة ونقص الأمطار في صيف عام 2012 إلى واحدة من أشد فترات الجفاف الصيفية التي شهدتها البلاد، وأحدثت آثاراً خطيرة على روافد المياه في نهر المسيسيبي، وهو طريق شحن للزراعة رئيسي عابر للولايات الأميركية وصولاً إلى خليج المكسيك. أدى الجفاف إلى خسائر غذائية واقتصادية كبيرة بسبب انخفاض حركة المراكب وحجم البضائع المنقولة وعدد الأميركيين العاملين في صناعة النقل النهري.
ثم أعقبت جفاف عام 2012 فيضانات في جميع أنحاء نهر المسيسيبي في ربيع عام 2013، ما أدى أيضاً إلى اضطرابات في حركة المراكب ونقل المواد الغذائية وتقليل قدرة المزارعين على تصدير حبوبهم إلى الأسواق الدولية، وكان لذلك تأثير في رفع أسعار الغذاء العالمية في هذا التوقيت.
أعقبت جفاف 2012 فيضانات في جميع أنحاء نهر المسيسيبي في ربيع 2013، ما أدى إلى اضطرابات في حركة المراكب ونقل المواد الغذائية
وفي 30 أغسطس/آب 2021، شوهدت المراكب العالقة على طول نهر المسيسيبي في ولاية لويزيانا، في أعقاب إعصار "إيدا" من الفئة الرابعة. عطل الإعصار بشكل كبير نقل الحبوب والأسمدة في سبتمبر/أيلول، ما ساهم في ارتفاع أسعار الغذاء العالمية.
دروس من كاليفورنيا
وزارة الزراعة والأغذية في ولاية كاليفورنيا لها الريادة في مواجهة التغيرات المناخية الضارة بالإنتاج الزراعي. وهي تنفذ أربعة برامج للزراعة الذكية مناخياً لحماية البيئة ولتوفير الموارد لمزارعي كاليفورنيا ومربي الماشية والأسر، للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتخزين الكربون في التربة والأشجار.
تشمل البرامج برنامج الولاية لتحسين كفاءة المياه وتحسينها. منذ 2014، قدم البرنامج مساعدة مالية للمزارعين ومربي الماشية لاستخدام أجهزة الري الحديثة، للحفاظ على المياه وتقليل استخدام الطاقة في المزرعة وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في نفس الوقت. وبرنامج الحفاظ على الأراضي الزراعية المستدامة.
وتم إطلاقه في عام 2015 كأول برنامج في البلاد للاستثمار في الحفاظ على خصوبة الأراضي الزراعية وتعظيم فوائدها المناخية.
برنامج إدارة الأسمدة البديلة للأسمدة الكيماوية.
يعمل البرنامج منذ عام 2017، ويدعم منتجي الألبان والثروة الحيوانية لتقليل انبعاثات الميثان بتخزين السماد الطبيعي وتدويره في المزارع الصغيرة.
وبرنامج التربة الصحية الذي انطلق في 2017، ويتبنى ممارسات زراعية مبتكرة لتخزين الكربون في التربة والنباتات الخشبية وتقليل التعرية وزيادة القدرة على الاحتفاظ بالمياه.
مربو الماشية في كاليفورنيا أصبحوا المنتجين الرئيسيين في البلاد للطاقة المتجددة في المزرعة. وهم من بين الأوائل في البلاد الذين يتبنون الزراعة الذكية مناخياً وتحويل المزارع إلى أحواض للكربون وتقليل الانبعاثات الكثيفة من الغازات الدفيئة.
تحاول الإدارة الزراعية في كاليفورنيا بالخطط العلمية والبرامج التطبيقية إثبات أنّ الزراعة يمكن أن تكون جزءاً من الحلّ المناخي كما هي سبب في تدهوره، لكن يبدو أنّ حدة التغيرات المناخية تفوق التوقعات.