أكد رئيس هيئة المنافذ الحدودية العراقية، اللواء عمر الوائلي، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أنّ الهيئة توسعت بالتعاون مع الجهات الأمنية في عمليات مكافحة التهريب لمخاطرها الشديدة على الاقتصاد، وأنّها أحبطت من خلالها تلاعباً ضخماً بالمال العام.
وأضاف: بعد إدخال العمل الإلكتروني من خلال عمليات التدقيق في إنجاز المعاملات، استطعنا منع عمليات الفساد والهدر.
*حدثنا عن وضع المنافذ الدولية للعراق، ما الذي تحقق فيها خلال العامين الماضيين؟
انطلقنا في عملنا بمحاربة الفساد الذي كان مستشرياً في المنافذ الحدودية، بدءاً من نقل وإخراج العناصر الفاسدة خارج هيئة المنافذ وتشكيل لجان تحقيقية بحق من ثبتت عليه جرائم فساد، إضافة إلى إجراء عمليات نقل للعاملين بمدد متقاربة، لمنع إقامة علاقات مشبوهة مع التجار ووكلاء الإخراج الجمركي، وإدخال العمل الإلكتروني من خلال عمليات التدقيق في إنجاز المعاملات، وعبر هذه الأعمال استطعنا منع عمليات الفساد والهدر.
* نرجو إلقاء الضوء على مشروع الحوكمة الإلكترونية الذي تسعى الحكومة لتنفيذه؟
التدقيق الإلكتروني مُطبق حالياً في جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية، ويجري من خلاله تدقيق إجازات الاستيراد ومنه يتم توثيق الكميات بشكل حقيقي، سابقاً مثلاً إذا كانت هناك إجازة استيراد 500 طن حديد تسليح يقوم صاحبها بالتعاون مع فاسدين في المنافذ بإدخال كميات قد تصل إلى مليون طن من دون محاسبة.
التدقيق الإلكتروني أوقف ذلك؛ إذ إنّه يمنع تزوير نوع المادة وكمياتها ويدققُ شهادات الفحص للبضائع الواردة إلى العراق. بالإضافة إلى ذلك، دققنا الوصولات الجمركية والضريبية إلكترونياً، وسابقاً كانت تُصدر عبر عمليات فساد إداري بمبلغ يختلف عن المبلغ المُسجّل في الأوراق الجمركية بعشرات أو آلاف المرات.
* هذه العمليات الدقيقة، هل أسهمت في اعتقال متورطين؟
بدايةً سأتحدث عن إحصائية شاملة تحتوي على العديد من المخالفات، إذ سجلنا العام الماضي نحو 3 آلاف مخالفة، تنوعت ما بين التهرب الضريبي والتزوير والتهريب والتلاعب بالمال العام وإدخال مواد غير مفحوصة ومحاولة تهريب مواد ممنوعة من الاستيراد، والبعض منها تورط فيها موظفون في المنافذ والجمارك والضرائب ووكلاء إخراج جمركي أحيلوا للتحقيق، ومن ثبت عليه الجرم أحيل للقضاء.
* وماذا عن التدخلات السياسية لمحاولة إطلاق سراح الموقوفين؟
هذا الأمر لن نسمح به، ووجدنا دعماً كبيراً من القضاء العراقي للقبض على المطلوبين وملاحقة المتورطين أيّاً كانت انتماءاتهم.
* المهربون، أفراداً وأصحاب شركات، هل جميعهم مرتبطون بأحزاب ويتمتعون بنفوذ، أو لديهم تعاملات مع الأحزاب؟
بصراحة، في بعض الأحيان من يتورطون في التهريب لديهم علاقات مع جهات وأشخاص متنفذين من أجل حمايتهم، وحين القبض عليهم يجري التعامل معهم وفق القانون مهما كانت ارتباطاتهم، ولا نبالي بمرجعية هؤلاء الفاسدين إن ضبطوا بالجرم المشهود أو بناء على معلومات أو اعترافات... والقضاء هو الفيصل.
* ما بين المنافذ البرية والبحرية والجوية، أيّها يشكل العبء والخطر الأكبر في محاربة الفساد؟
المنافذ البحرية طبعاً هي الأكثر تعقيداً. بدأت هيئة المنافذ الحدودية أعمالها في الموانئ البحرية بتاريخ 1 يونيو/حزيران 2018. قبل هذا التاريخ كانت البضائع تُفرغ من البواخر وتخرج من الموانئ مباشرة من دون فحص أو رسوم. وبعد هذا التاريخ اختلف الوضع؛ إذ وضعنا ضوابط أنّه لا يُسمح بخروج أيّ شاحنة من دون تقديم الأوراق الجمركية من إجازة الاستيراد وتصريحه والفواتير. كما يقع على المنافذ البحرية ضغط كبير، إذ إنّ آلاف الحاويات المحملة بالبضائع تصل يومياً، ما يدفع ضعاف النفوس إلى تطبيق عمليات تلاعب وتزوير، مستثمرين الضغط وعدد الحاويات الكبير.
* ما عدد المنافذ الحدودية في العراق؟ وهل يخضع جميعها لسيطرة الحكومة الاتحادية؟ أم أن هناك ما هو خارج السيطرة ولماذا؟
لدينا 21 منفذاً حدودياً في العراق، 6 منها بحرية، هي موانئ أبو فلوس والمعقل وخور الزبير وأم قصر الشمالي وأم قصر الجنوبي وأم قصر الأوسط، و4 جوية هي مطارات بغداد والبصرة والنجف والناصرية. أما المنافذ البرية فيبلغ عددها 11 وهي كالتالي: طريبيل والقائم والوليد وعرعر وصفوان والشلامجة والشيب وزرباطية ومندلي والمنذرية وربيعة، وهذه المنافذ موزعة على المحافظات على حدود إيران والسعودية والأردن وسورية والكويت، وتسيطر عليها الحكومة الاتحادية بشكل كامل.
* لكن، ماذا عن منافذ إقليم كردستان؟ وهل ما زالت خارج سيطرة الحكومة الاتحادية؟
نعم، منافذ الإقليم غير خاضعة لسيطرة الحكومة الاتحادية، وهذه المشكلة قديمة ومتجذرة، وهناك أسباب سياسية تتعلق بصلب العلاقة بين المركز (يقصد بغداد) والإقليم، وحلّها سياسي أيضاً. تنفيذياً، هناك قرارات صدرت من مجلس الوزراء لتكون تلك المنافذ تحت سيطرته، لكنّها لم تنفذ، وأرسلنا كذلك الكثير من الكتب الرسمية وتبادلنا الزيارات، وبقيت كردستان مصرة على الامتناع عن ربط المنافذ مع بغداد، وآخر ما تحركنا نحوه هو تقديم طلب بفتح مكتب تنسيق مع هيئة المنافذ الحدودية في إقليم كردستان، لكن حتى الآن لم يأتنا رد.
بصراحة هناك ضرر كبير، وخاصة من المعابر غير الرسمية في الإقليم، والتي تمر من خلالها أغلب المواد الممنوع دخولها إلى العراق، خاصة قرارات منع دخول مواد غذائية ومحاصيل دعماً للمنتج الوطني، إذ إن الحكومة حينما تصدر قرارات منع استيراد لدعم الفلاح العراقي تستمر المواد الممنوعة في الدخول، ما يضر كثيراً بالفلاح وأيضاً المواد التي تصنع في العراق ويمنع استيراد مثيلاتها تدخل عبر تلك المعابر وتضر بالصناعة الوطنية والمنتج المحلي.
* كيف تتسرب تلك المواد الممنوعة من محافظات إقليم كردستان إلى بقية مدن العراق؟
للأسف، هناك بعض المحطات والنقاط والحواجز الأمنية التي لا تعمل بالصورة المطلوبة أو يخترقها الفساد، ما يسمح بتسرب تلك المواد الممنوعة والتي تصل إلى أبعد نقطة في العراق كمحافظة البصرة مثلاً، والأمر يحتاج لعمل على الأرض.
* هل نجحتم في تنفيذ عمليات نوعية أحبطت دخول مواد خطرة؟ وكيف تسير عملية مكافحة دخول الأدوية والمواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك البشري عبر المنافذ كافة؟
يومياً تُضبط مواد طبية أو غير صالحة للاستهلاك، آخر العمليات ضُبطت فيها كميات كبيرة من مادة تدخل في صناعة عقار باراسيتول (من عقاقير البارسيتامول) غير صالحة للاستهلاك البشري ومخبأة في حاويات حديدية مضى عليها سنوات وتعرضت للعوامل الجوية، وملف الأدوية من أخطر الملفات لسببين؛ الأول أنه يستهدف حياة وصحة المواطنين.
* ما العمليات الأبرز لهيئتكم في الآونة الأخيرة؟
لدينا عملية كبرى وصلنا فيها إلى مراحل متقدمة في التحقيق بعد جمع الأدلة، فقد ثبّتنا مخالفة لها علاقة بالمال العام والتلاعب بأموال الدولة. ولأهمية العملية وسريتها، نكتفي حالياً بهذه المعلومة من أجل عدم السماح للفاسدين المرتبطين بها بالفرار، وبعد إكمال معالم الجريمة في قادم الأيام سنعلن عن التفاصيل.
* من يمسك ملف المنافذ الحدود البرية أمنياً؟
تجدر الإشارة إلى أن المنافذ الحدودية كانت سابقاً تتعرض لهجمات من خارجين عن القانون يدخلون إليها بقوة السلاح ويخرِجون بضائع مخالفة للضوابط. وللسيطرة على المنافذ طلبنا من القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء) تكليف قوة كبيرة من عدة جهات أمنية لضبطها، لأنّ الأمر يفوق قدرة القوات التابعة لنا للقيام بهذا العمل. وحصلت استجابة مباشرة، وجرى تخصيص قوات تابعة لقيادة العمليات المشتركة في العراق، انتشرت في المنافذ الحدودية كافة، وهي ما زالت مستمرة في عملها ولم يحصل بعد انتشارها أي خرق أمني.
* هل هذا يعني انتهاء ملف سيطرة جهات مختلفة على بعض المنافذ أم ما زالت السيطرة على حالها، وما المطلوب في هذا الإطار؟
في السابق، كانت هناك مجموعة من الأفراد الذين يدّعون الانتماء للعشائر ينتشرون في الطريق الخارجي بعيداً عن المنافذ بمسافة معينة، ويقومون باستهداف الشاحنات الخارجة من المنافذ بإطلاقات نارية لإجبارها على التوقف ودفع إتاوات. وبعد تكليف القوات التي أشرنا إليها تم تحديد الأماكن التي يتواجد فيها هؤلاء المسلحون وانتشرت القوات الأمنية المكلفة على الطريق القادم من المنافذ والمؤدي إلى المحافظات العراقية، والأمر انتهى وإن تجدد بين حين وآخر، تتعامل معه القوات المكلفة بحزم لردع المتورطين.
* مالياً، ما حجم الإيرادات المتحققة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري؟ وهل أثرت الإعفاءات الجمركية على تلك الإيرادات؟
بسبب ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً وشحة بعض المواد محلياً، تم إعفاء الكثير من البضائع من الرسوم الجمركية، والتي وصل عددها إلى أكثر من 300 مادة، وبالتالي أثر ذلك على إيراداتنا. ونعمل حالياً على تحديد القيمة الكلية للإيرادات وسنعلن عنها قريباً.
* ما هي طرق إدخال المخدرات إلى العراق، وصراحة هل تدخل عبر المنافذ بطرق احتيالية لا يمكن ضبطها؟
نطبق في كافة المنافذ الحدودية عدة عمليات لمنع تسرب المخدرات، وأهمها مفارز (الكلاب البوليسية) والمعروفة في العراق باسم مفارز K9 وهي فعالة جداً. وفي زيارة ميدانية قمنا بوضع مخدرات في حقيبة أحد المسافرين وتم الكشف عنها خلال أقل من دقيقة. وإلى جانب ذلك، هناك وحدة خاصة لمكافحة المخدرات تكرر التعامل مع المسافرين عبر التفتيش اليدوي، ومن ثم محطة المراكز الجمركية عبر أجهزة سونار، ولذلك من المستحيل أن تعبر المخدرات من المنافذ الرسمية. وواقعاً فإنّ المخدرات تتسرب عبر المنافذ غير الرسمية والحدود مع دول الجوار، وهذا ما تؤكده عمليات الضبط المستمرة واعترافات المتورطين.
*وكيف تدخل إذاً عبر الحدود والمنافذ غير الرسمية، هناك معلومات تشير إلى أنّها تتسرب عبر طائرات "درون" تعبر الحدود والحيوانات أيضاً؟
هناك مساحات مفتوحة وطرق يستغلها المهربون ويتفننون في وسائل إدخال المخدرات عبر حدود محافظات ديالى وواسط وميسان والأنبار مع دول الجوار.
* ما الذي يُؤخر حتى الآن فتح منفذ جميمة مع السعودية؟ وهل ثمة منافذ أخرى قيد العمل؟
بالنسبة لمنفذ جميمة الأمر متوقف على الجانب السعودي، الجانب العراقي أكمل التزاماته، إذ خصصت محافظة المثنى (جنوبي العراق) مساحة 500 دونم لإنشاء المنفذ، ونحن كمجلس هيئة منافذ حدودية ودوائر معنية وحكومة اتحادية منحنا الموافقة لفتح هذا المنفذ. في المقابل، لا توجد نوايا لدى العراق حالياً لافتتاح منافذ أخرى جديدة مع دول الجوار، والعمل يتركز على تطوير المنافذ الموجودة حالياً.
* أخيراً، ماذا بشأن الحاويات المكدسة على الحدود وداخل المنافذ البحرية والجوية والتي تحتوي على مواد شديدة الانفجار، هل ما زال الخطر المستمر منذ أكثر من 15 عاماً قائماً؟
هذا الملف خطير للغاية، وتعاملنا معه عبر تقديم طلبات متكررة لمجلس الوزراء، كانت هناك حاويات متكدسة منذ الأعوام 2005 و2007 و2009 و2010 و2011، ولم تتعاطَ أي جهة معه بجدية، رغم صدور قرارات من مجلس الوزراء. وهذا العام بعد متابعة حثيثة منا، صدر قرار مجلس الوزراء، وأجليت تلك الحاويات عبر مرحلتين، في الأولى أجليت 3000 حاوية متكدسة، وفي الأيام الأخيرة أجليت 157 حاوية، باتجاه منطقة نائية في محافظة البصرة، وهذا الملف نتابعه باستمرار، وهو مدعوم بقرار قضائي سمح بتنفيذ قرارات الإجلاء.