على قارعة الطريق قرب دوار المحراب بمدينة إدلب شمال سورية، يفترش خالد العبدو أحد الأرصفة رفقة مجموعة من الشباب بانتظار أي سيارة تقف قربهم وتطلب عمالا بمهن مختلفة ليتسابقوا نحوها ويركبوا السيارة قبل أن يعرفوا طبيعة العمل، ما يهمهم فقط أنهم وجدوا عملاً حتى وإن كان شاقاً وبأجر زهيد.
ضحك خالد حين سأله "العربي الجديد": "اليوم عيد العمال، لماذا لستم في عطلة؟"، ليجيب ساخراً: "نحن كل يوم عندنا عيد"، في إشارة لتكرر عطلهم وقلة فرص العمل التي يحظون بها.
هنا في هذا المكان فقط يجتمع أكثر من خمسين رجلاً من مختلف الأعمار بانتظار أي فرصة عمل. يقول خالد لـ"العربي الجديد" إنهم يجلسون منذ الثامنة صباحاً حتى الثالثة أو أكثر ينفذون مهمة ويعودون للساحة من جديد لانتظار فرصة ثانية، المهم فقط أن يعودوا للمنزل وقد أمّنوا ما يسد قوت أطفالهم.
ويضيف خالد: "تختلف الأعمال التي ينفذها العمال المتواجدون هنا، قد تكون حمل أثاث منزلي إلى الطوابق العليا، أو نقل إسمنت، أو رفع بلوك للطوابق المرتفعة، أو تنظيف حدائق وأرضيات، أو تحميل وتنزيل البضائع من الشاحنات، وتختلف معها الأجرة التي يتقاضونها، لكنها في الغالب لا تتجاوز الدولار الواحد أو 20 ليرة تركية، لذا يسعى العمال لإنجاز أكثر من مهمة في اليوم في سبيل الوصول إلى رقم 60 أو 70 تركية".
يتابع خالد: "ماذا يمكن أن تصنع الستون ليرة لرجل لديه خمسة أطفال؟ ستكفيه ثمن الخبز ووجبة غذاء من أبسط الأصناف، كالبطاطا والباذنجان، ولا يمكن أن يحضر أي شيء آخر من مستلزمات المنزل، ناهيك عن عجزه عن شراء أي دواء ولجوئه للطب الشعبي أو الصيدليات الخيرية، على أمل تأمين أحد الأدوية في حال تعرض أفراد العائلة لوعكة صحية".
وحال بقية العمال في إدلب لم تكن أفضل بكثير من حال العمال في الساحة، ومن خلال تتبع ورصد عشرات الحالات في إدلب، فقد تبين أن حد الأجور شهريا يتراوح ما بين 100 إلى 150 دولاراً، وهو أمر لا يمكن أن يكفي نصف احتياجات العائلة.
يقول محمد العمر، وهو موظف في إحدى المؤسسات الرسمية، إنه يتقاضى شهريا نحو 110 دولارات مقابل عمل ثماني ساعات يومياً، ولمدة ستة أيام في الأسبوع، ما يعني أن أكثر وقته مرهون لعمله، ولن يتمكن من إنجاز عمل آخر يضيف لرصيده بعض الدخل.
يدفع محمد خمسين دولاراً إيجارا للبيت الذي يقيم فيه بمدينة إدلب، وعليه أن يعيش بقية الشهر، ويدفع نفقات الكهرباء والإنترنت والخبز بما تبقى من هذا الراتب، لكنه يبقى أفضل من العمل الحر في أحد المحال أو المصالح، إذ لا يمكن أن يتقاضى العامل في محل ألبسة أو مواد غذائية أكثر من 100 دولار مقابل عمل اليوم كاملاً.
ويضيف محمد أنه يستحيل العيش بهذا الراتب، لكنه مجبر على اللجوء لموارد أخرى كحال ملايين السوريين، مثل الاستدانة أو بيع بعض الممتلكات أو انتظار مساعدة أحد الأقرباء المغتربين.
بينما يبدو موظفو المنظمات الإنسانية والصحية أفضل حالاً من غيرهم وتتراوح أجورهم ما بين 250 إلى 600 دولار، الأمر الذي يدفع الكثيرين لمحاول الحصول على أي عقد في منظمة إنسانية.
في مناطق شمال شرق سورية لا يبدو الوضع أحسن حالاً، إذ لم يتجاوز راتب المدرس بعد الزيادة التي نفذتها الإدارة الذاتية 520 ألف ليرة سورية (نحو 65 دولاراً)،ـ وهو مبلغ بسيط لا يمكن أن يسد جزءا من احتياجات الحياة اليومية رغم أن ظروف المعيشة أبسط من مناطق الشمال الغربي.
تقول صفا العمري، وهي مدرسة، لـ"العربي الجديد"، إن الزيادة الأخيرة حسّنت من واقعها المعيشي، لكنها لم تحل مشاكلها، إذ كانت تتقاضى نحو 340 ألف قبل الزيادة، وهي لا تكفي ثمن إيجار المنزل الذي تعيش فيه مع عائلتها، ما يعني أنها ستدفع راتبها إيجاراً للمنزل وتعيش من راتب زوجها.
أما رواتب العمال المياومين وبقية الشرائح فلا تتجاوز 500 ألف ليرة، ما يجبر العاملين على البحث عن فرص عمل إضافية والعمل لساعات مضاعفة لتأمين دخل آخر.
في مناطق سيطرة النظام السوري، تبدو الأوضاع أسوأ بكثير، فالدخل المنخفض لا يتناسب أبداً مع مستوى المعيشة اليومي خاصة بعد تدهور سعر الليرة لمستويات غير مسبوقة، وتجاوز حاجز 8000 مقابل الدولار الواحد.
يقول المهندس ملهم السيد أحمد إن لديه خبرة خدمة خمس سنوات، ويتقاضى راتب 120 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ لا يمكن أن يسد أبسط احتياجاته، ما يدفعه للعمل في إحدى شركات الصيانة الخاصة بدوام مسائي لمدة خمس ساعات، وبراتب 200 الف ليرة.
يضيف ملهم لـ"العربي الجديد" أنه في الوقت الذي تتنافس فيه دول العالم لتقديم خدمات إضافية للعمال وتحسين ظروف حياتهم المعيشية وتخفيض ساعات العمل عن 8 ساعات، يضطر العامل السوري للقيام بأكثر من عمل بغية سد رمق عائلته.
أما خالد اليوسف، فيعمل سائقا لسيارة أجرة خلال النهار وموظفا في أحد معامل الزيت في المساء، وتتجاوز ساعات عمله 16 ساعة يوميا مع اضطراره للعمل في يوم الجمعة بعض الأوقات دون أن يتمكن من الحصول على ما يعادل 50 دولارا شهريا.