على الرغم من سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلسي الكونغرس، لن يكون طريق الرئيس الأميركي المنتخب جوزيف بايدن لإقرار حزمة الإنقاذ التي اقترحها قبل نهاية الأسبوع الماضي خالياً من المطبات، خاصةً في ظل الانقسام السياسي الحالي بين الحزبين، وتزايد التأثيرات السلبية للجائحة على الاقتصاد الأميركي، وعلى رأسها وصول عجز الموازنة الأميركية إلى مستويات غير مسبوقة. وبعد إعلانه أن القضاء على الفيروس واستعادة الاقتصاد الأميركي لنشاطه سيكونان على رأس الأولويات فور دخوله البيت الأبيض في العشرين من يناير/ كانون الثاني الجاري، أعلن بايدن عن حزمة إنقاذ جديدة، تتكوّن من شقين، أولهما إغاثة للمواطنين والآخر إنعاش الاقتصاد، وتقدر قيمتها بنحو 1.9 تريليون دولار، أي أكثر من ضعف قيمة الحزمة التي توصل إليها الحزبان وأقرّها الرئيس دونالد ترامب قبل ثلاثة أسابيع، وأيضاً أكثر من ضعف قيمة مثيلتها التي قدمها الرئيس الأسبق باراك أوباما لمساعدة الاقتصاد على الخروج من أزمة المال العالمية في عام 2009، وهو ما يعكس تحولاً كبيراً في نظرة الحزب الديمقراطي لدور الدولة في الإنفاق وقت الأزمات.
وفاجأ بايدن الأميركيين باحتواء حزمة الإغاثة التي ينوي تقديمها للكونغرس للتصويت عليها على مبلغ 1400 دولار مدفوعات نقدية مباشرة للمواطنين، ليكمل لهم مبلغ الألفي دولار التي رفض الجمهوريون مجرد التصويت عليها في مجلس الشيوخ رغم موافقة مجلس النواب عليها. وشملت حزمة بايدن أيضاً أموالاً إضافية لتمويل مد فترة تقديم تعويضات البطالة لما يقرب من 18 مليون أميركي، كما الاستمرار في تقديم التعويضات الاستثنائية، وزيادة المساعدات المقدمة إلى الحكومات المحلية في الولايات، مشيراً إلى سعيه لرفع الحد الأدنى الفيدرالي للأجر إلى 15 دولاراً للساعة في وقت لاحق. وتخصص الحزمة أيضاً أموالاً إضافية لتعزيز طوابع الطعام المقدمة للفقراء، وتكثيف توزيع اللقاحات بشكل كبير في كل الولايات الأميركية، وتجديد برنامج الإجازة مدفوعة الأجر حتى سبتمبر/ أيلول المقبل، ضمن تدابير أخرى شديدة السخاء.
وتحمس الرئيس المنتخب حديثاً لعرض حزمته المقترحة، رغم أنها لن يتم التصويت عليها في الكونغرس قبل منتصف فبراير/ شباط المقبل في أقرب التقديرات، بعد أن أظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية صباح الخميس الماضي أن 965 ألف أميركي تقدموا للحصول على إعانات البطالة للمرة الأولى خلال الأسبوع الماضي، وهو أعلى رقم يتم تسجيله منذ الأسبوع قبل الأخير من شهر أغسطس/ آب الماضي.
ويحتفظ الديمقراطيون بأغلبية ضعيفة في كل من مجلسي النواب والشيوخ ربما تدفعهم لتعديل بعض بنود الحزمة التي اقترحها بايدن من أجل الحصول على تأييد الجمهوريين في مجلس الشيوخ لها. ومن ناحية أخرى، يمكن للديمقراطيين استخدام "الميزانية الخاصة" لتمرير الحزمة دون الحصول على أي من أصوات الجمهوريين، إلا أن إجراء مثل هذا ربما يتسبب في خلق مزيد من التحديات أمام رئيس وعد أن يعمل على تحسين المناخ السياسي بين الحزبين. وبخلاف عرقلة الجمهوريين المتوقعة لإقرار الحزمة، حيث يلزم موافقة عشرة منهم على الأقل، إضافة إلى كل الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، يوجد من بين أعضاء الحزب الديمقراطي من لا يحبّذ التوسع في تقديم الحزم وزيادة الإنفاق الحكومي، بعد وصول عجز الموازنة الأميركية خلال الربع الأول من السنة المالية، والمنتهي بنهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى أكثر من 570 مليار دولار، بزيادة تتجاوز 60% عن نفس الفترة من العام السابق، أي قبل وصول فيروس كوفيد-19 إلى البلاد.
وفي حين عبّر السيناتور الديمقراطي جو مانشين عن شكه في إمكانية إقرار المدفوعات النقدية الإضافية التي يرغب بايدن في صرفها للمواطنين بسبب ما تمثله من عبء على الموازنة المتأزمة، أظهر عضوان من مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري، جوش هاولاي وماركو روبيو، حماسة للحزمة المقترحة، ربما لمحاولة استعادة ما فقداه من شعبية بعد تورطهما في دعم ادعاءات ترامب بتزييف إرادة الناخبين. وفي ذات الصدد، عبر كل من تشاك شومر ونانسي بيلوسي، زعيمي الديمقراطيين بمجلسي الكونغرس، عن تأييدهما لحزمة بايدن المقترحة، مؤكدين نيتهما "العودة فوراً إلى العمل لتحويل رؤية الرئيس المنتخب إلى تشريع يؤيده كلا المجلسين، ويتم التوقيع عليه ليصبح قانوناً". واعتبر بريان ريدل، خبير الميزانية في معهد مانهاتن المقرب من الحزب الجمهوري، أن الخطر بالنسبة لبايدن في تمرير حزمة بهذه الضخامة يكمن في أنها قد تُخيف الجمهوريين الذين يمكن أن يتشددوا في المعارضة بدلاً من التعامل معها كنقطة انطلاق شرعية"، مضيفاً أن "حزمة موجهة، مع مدفوعات نقدية مباشرة، وأموال للقاحات، مع إعادة فتح المدارس، قد تحصل على دعم كبير من الكونغرس".
وبخلاف الحزمة المثيرة للجدل، من المتوقع أن يثير سعي بايدن والديمقراطيين لرفع الحد الأدنى الفيدرالي للأجر حفيظة الجمهوريين، الذين لطالما عارضوه، وتسببوا في ثباته عند مستوى 7.25 دولارات للساعة طيلة أكثر من عشر سنوات، إلا أن توجه بنك الاحتياط الفيدرالي الحالي للسماح بمعدلات أعلى للتضخم ربما يساعد الرئيس المنتخب على تنفيذ خطوته التي لم يحدد لها إطاراً زمنياً حتى الآن. ويتوقع العديد من مستشاري بايدن نجاحه في التوافق مع الجمهوريين على العديد من القضايا الصعبة التي تسببت في الانقسام الحاد بين مؤيدي الحزبين على مدار السنوات العشر الأخيرة.